ارشيف من : 2005-2008
750 لبنانياً يقتلون سنوياً صدماً و42% يستعملون الجسور على قلتها: جسور المشاة .. اعبروها بسلام
"لا تتردد ابدا باستعمال جسر المشاة لان حياتك ليست ملكا لك وقد تكون في خطر".. على الرغم من هذا التحذير الذي يوجهه ناشطون في مجال مكافحة حوادث السير اضافة الى الشرطة والبلديات وغيرها من المؤسسات المعنية بالسلامة العامة، الا أن الكثير من المواطنين يستهترون باستعمال جسور المشاة لاختصار مسافة انتقالهم من ضفة الى أخرى على الطرقات أو الاوتوسترادات، ما يعرض حياتهم للخطر، كما يهدد سلامة الآخرين لا سيما السائقين، والمؤسف أن عدداً من حوادث صدم المشاة وقعت في الآونة الاخيرة في نقاط قريبة أو ملاصقة لبعض جسور المشاة!
وتشير احصاءات "اليازا" الى وفاة اكثر من 750 لبنانيا واصابة 1100 آخرين باعاقات مختلفة سنويا جراء حوادث المشاة على الطرقات العامة، ولفتت الى أن دراسة ميدانية خلصت الى أن 42 بالمئة فقط من المواطنين يستعملون جسور المشاة".
ولئن كانت البلديات ومؤسسات المجتمع المدني قد ركزت في السنوات الاخيرة على ايلاء قضية بناء جسور للمشاة اهمية خاصة، ونجحت في بناء بعضها لا سيما على طريق مطار بيروت الدولي من خلال الجسور الذي نفذتها بلدية طهران في اطار الهيئة الايرانية لاعادة اعمار لبنان، فإن الجهات الرسمية اللبنانية لم تتقدم على هذا الصعيد حيث تؤكد الجهات المختصة بهذا الشأن على الحاجة الفعلية لبناء مئات المعابر الخاصة بالمشاة في الطرقات والاوتوسترادات الخطرة.
لكن يبقى السؤال الاهم لماذا لا يعي المواطن أهمية عبوره الجسر حتى لا تتهدد حياته بالحد الادنى حيث تتوافر هذه الجسور، وما هي العوائق التي تحول دون عبور البعض؟
"الانتقاد" توقفت عند هذه القضية وأجرت هذا التحقيق آملة أن يساهم في توعية المواطنين الى أهمية استخدام هذه الجسور:
هذا ما رأيته بناظري ويمكن أن تصادفوه: سائق حافلة مخصصة لنقل الركاب توقف على طريق مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت وقام باجتياز الطريق العام برفقة امرأتين لايصالهما بسرعة الى المسلك الآخر من الاوتوستراد، والغريب أنه كان يعبر من تحت الجسر المخصص للمشاة. انه مشهد يتكرر دون رادع، ودون أي اجراءات تحول دون مغامرة المواطن بعبور الطريق، في حين يجد المواطنين الكثير من المبررات لعدم استخدامهم الجسور، وبعض هذه المبررات قد يكون محقاً وتعني المعوّقين أو المرضى والعجزة، وهو ما تشير اليه المواطنة فاطمة ترمس التي تعزو سبب عدم استعمالها جسر المشاة لكونها تشكو من وجع في ساقيها، أما نهى عبدالله فتعلل سبب عدم استعمالها لجسر المشاة بأنها لم تنتبه, وشرودها سببه "الاوضاع المعيشية الصعبة في البلد واهمال الدولة للمواطن بشكل عام", علماً أنها مقتنعة أن استعمال جسر المشاة وسيلة افضل امنا وسلامة للناس.
ويتذكر المواطن جميل ابراهيم عبود وهو في العقد الخامس من العمر بعد عبوره جسر المشاة قبالة مسجد الرسول الاعظم (ص), الحوادث المؤلمة التي كانت تقع عند اجتياز المواطنين الطريق العام, مؤدية الى وقوع ضحايا واصابات عديدة نتيجة عدم وجود بديل عن عبور الاوتوستراد وعدم مبالاة الدولة بوضع جسور مخصصة لهم, ويدعو عبود المواطنين الى عدم التردد في استخدام هذا الجسر لانهم سوف يربحون سلامتهم, مشيدا بالجهات التي قدمت هذا العمل الانساني مشكورة.
أما سعيد (موظف في مطار بيروت) فيتحدث بعد استعماله جسر المشاة عن فائدة كبيرة للمواطنين تنعكس حماية لحياتهم من الأذى, مضيفا انه يشجع كل مواطن على استعمال الجسر, ويشكر كل من ساهم بهذا العمل الانساني المهم.
كما تؤكد نجاح هاشم ارتياحها الشديد لوجود جسور للمشاة، فهي كانت تواجه مشكلة في اجتيازها للطريق العام, داعية جميع الناس لاستخدام جسر المشاة حفاظا على أرواحهم.
ويتذكر خير الدين خير الدين حادثة مأساوية وقعت امامه، عندما صدمت سيارة مسرعة رجلاً مسناً كان يجتاز الطريق ورمت به الى الناحية الثانية، ما ادى الى وفاته على الفور, ويقول: إن هذه الحادثة في الذاكرة لم أنسها وتحضرني فوراً عندما أرى مواطنا يجتاز الطريق بسرعة.
ويعتبر خير الدين ان الناس غير معتادين على استخدام جسور المشاة, معللا ذلك بإهمال الدولة وغيابها عن الاهتمام بهذا الامر, اما اليوم بفضل المساعدة الإيرانية والمجالس البلدية في الضاحية الجنوبية اصبح يوجد جسور خاصة بالمشاة, مشيرا ان المواطن يلزمه وقت لكي يعتاد على استعمال جسر المشاة لان اللبناني يحب اختصار المسافات, ودعا المعنيين الى وضع مظلات فوق الجسور تقي العابرين هطول الامطار.
قوانين ومقترحات
قد يتطلب عبور جسور المشاة إلزاما صارماً من الجهات المسؤولة للمواطنين، يترافق مع اجراءات وقائية بسيطة مثل بناء سور حديدي الى جانبي الجزيرة الوسطية الواقعة بين المسلكين او اقامة سور على جانبي الرصيف لجهة الطريق بما يمنع انتقال المواطنين الا عبر الجسر، كما انه بإمكان السلطات المختصة التشدد في منع السيارات والحافلات من التوقف في غير الاماكن المخصصة للمشاة، وفرض غرامات على السائقين او المشاة عند أي مخالفة. وهذا ما تتبعه الكثير من الدول للحفاظ على السلامة العامة، وتضعه بلدية برج البراجنة في مشاريعها القريبة، حيث
يؤكد نائب رئيس بلدية برج البراجنة عادل العنان أن "لدى البلدية افكاراً تدرسها حول كيفية تطوير جسور المشاة ليصبح المواطن ملزما باستعمالها, مثل وضع حاجز حديدي يمنع الناس من اجتياز الطريق من تحت الجسر وخصوصا الطرقات السريعة, وهذه الدراسة مخطط لها ونحن جاهزون لتنفيذ هذا المشروع", مشدداً على "اهمية استخدام المواطنين لجسور المشاة حفاظا على سلامتهم وارواحهم", داعيا "جميع وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة الى حملة اعلامية مركزة للمساهمة في تشجيع المواطنين على استعمال جسور المشاة".
ويلفت الى ان "ضغط العمل البلدي كبير, ونحن في مرحلة تراكمية من العمل".
ويدعو العنان "الجمعيات الاهلية والمدنية للمساهمة بدورها في مجال التوعية والارشاد، من خلال المؤسسات التربوية والاجتماعية والثقافية للحث على استعمال جسور المشاة لكي نصل معا الى الهدف المنشود لما فيه مصلحة اهلنا والحفاظ على سلامتهم وسلامة اطفالهم".
ويشدد على المواطنين "ضرورة للالتزام بقوانين السير, ان كانوا من المشاة او سائقي السيارات والشاحنات والدراجات النارية وغيرهم".
اليازا
تعتبر جمعية "اليازا" من أبرز المؤسسات المدنية الناشطة على مستوى التوعية من مخاطر حوادث السيارات ويشير جوزيف بلان (عضو ناشط في الجمعية) الى أن "اكثر من 750 لبنانيا يقتلون سنوياً جراء حوادث المشاة على الطرقات العامة في حين تؤدي هذه الحوادث الى اصابة 1100 باعاقات مختلفة سنويا", مؤكداً خطورة هذه الحوادث التي تطال فئات ضعيفة في المجتمع اكثر من غيرها, مضيفا انه يجب علينا حمايتها كأولوية مطلقة. ويشير الى ان الفئات الضعيفة في المجتمع (كبار السن وطلاب المدارس) تعاني من مشكلة التنقل على الطرقات اللبنانية، حيث تواجههم مخاطر المركبات والاليات وعدم وجود جسور كافية للمشاة او ممرات خاصة".
وقال: "ان عدم وعي المواطن سواء كان من فئة السائقين او من فئة المشاة بأن الطريق ليست حكرا على فئة دون اخرى بل هي مكان عام, يجب على كل الفئات احترامه ومشاركته مع الاخر ضمن اطر من الحقوق والالتزامات تحددها القوانين ومعايير السلامة العامة العالمية".
يضيف: "ويجب علينا ان نعمل كقطاعين رسمي واهلي على تعميم التوعية من حوادث المشاة في مقابل الاستهتار الذي نشهده حالياً, وذلك بالعمل على:
1- اصدار مرسوم خاص متعلق ببناء المزيد من جسور المشاة وتأمين السرعة الضرورية في بناء المزيد منها لتأمين سلامة المشاة.
2- عدم ربط تنفيذ مشروع الجسور الخاصة بالمشاة بمخططات كبيرة بل اصدار مرسوم خاص بجسور المشاة, وعدم التأخر بتنفيذ المرسوم 9415 الصادر بتاريخ 20 كانون الثاني 2003.
3- تطبيق القانون اللبناني فيما يتعلق بعدم وضع الاعلانات على جسور المشاة لانها تلهي السائقين وتحجب رؤية الجسور عن المارة.
4- تفعيل دور البلديات لانشاء جسور للمشاة وارصفة ضمن نطاقها الاقليمي كون اغلبية الضحايا من السكان المحليين.
ويؤكد بلان على "حق المشاة ان يتشاركوا في الطريق مع المنتفعين الاخرين وعلى السائقين افساح المجال دائما للمشاة عند وجودهم واتخاذ اجراءات الحذر الخاصة عند وجود الاطفال الذين لا يمكن توقع افعالهم وحركاتهم على الطريق.
وليس بعيدا عن سلامة المشاة يؤكد بلان على "اهمية دراسة سلوك المشاة لدى اصرار بعض المواطنين على اجتياز الطريق ظنا منهم ان على السائق التوقف, موضحا ان الطريق ليست دوما للمشاة", مشيرا الى ان تجمع الشباب للتوعية الاجتماعية "اليازا" قد راقب استعمال المشاة للجسور المخصصة لهم، فمن اصل 4000 عينة جرت مراقبتها تبين أن 1704 منهم فقط أي ما نسبته 42،6% يستعملون جسور المشاة بينما 2296 منهم يهملون استعمالها برغم المسافة القليلة التي تفصلهم عن الجسور.
ويدعو بلان السلطات المختصة الى انشاء جسور للمشاة في عدة مواقع اعتبرت خطرة نظرا لتكرر حوادث الصدم فيها.
الانتقاد/ العدد1246 ـ 21 كانون الاول/ ديسمبر 2007