ارشيف من : 2005-2008

ما هو سر الشائعة التي تنتشر في كسروان عن اغتيال بيار الجميل؟

ما هو سر الشائعة التي تنتشر في كسروان عن اغتيال بيار الجميل؟

ماذا يجري بين الصيفي ومعراب؟ وما الذي يجمع بين الرئيس أمين الجميل، ورئيس القوات اللبنانية سمير جعجع؟ ما هو سقف التنافس السياسي والشعبي بين الكتائب والقوات؟ هل هو زواج بالإكراه بين حزب النخبة المسيحية التي تريد لبنان لها، وبين النزعة الميليشياوية للسيطرة على جزء من لبنان بعد تقسيمه؟ لماذا يرفض الرئيس أمين الجميل الاصغاء الى صوت الناس في بكفيا وكل المناطق المسيحية وهم يتداولون معلومات تكاد تكون من المسلّمات عن تورط القوات اللبنانية في اغتيال نجله الوزير بيار الجميل؟ لماذا يُحيط الجميل ملف التحقيقات باغتيال نجله بسرية تامة ويرفض الافصاح عنها؟ ما هي أسرار التركيبة القيادية الجديدة في جسم الكتائب اللبنانية؟ وهل أدرك الجميل ان القوات بدأت تأكل من كيان حزبه، وتستقطب كوادره، وتتسلق فوقه؟
كثيرة هي الأسئلة التي طرحت في الأوساط السياسية المسيحية وغير المسيحية عن الخلاف الذي نشب بين الرئيس أمين الجميل ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع على مكان انعقاد جلسة القوى المسيحية في مجموعة 14 شباط، فقد حدد جعجع بلدة معراب مكاناً للجلسة الهامة، ووزعت القوات دعوات للشخصيات السياسية، واتخذت اجراءات استثنائية على مستوى الشكل ولجهة مضمون البيان السياسي الذي سيكرس قيادة مسيحية جديدة وسيؤسس لمرجعية سياسية تتخذ من معراب مقراً لها في مواجهة الصعود الكبير للرابية.
أدرك أمين الجميل خطورة انعقاد الجلسة في معراب ووقف في وجه الدعوة وأصر على انعقاد الجلسة في مقر حزب الكتائب اللبنانية في الصيفي لما لهذا البيت من تاريخ سياسي عريق في تقرير مصير لبنان بحسب تعبيره.
جاء اعتراض الجميل أمام المستفسرين بأنه لن يكرر غلطة شهر آب/ أغسطس الماضي عندما ذهبت القوى المسيحية في الموالاة الى معراب للتباحث في الاستحقاق الرئاسي الداهم. يومها توافدت القيادة المارونية الى معراب، واستغل جعجع المناسبة ليقترب من اعلان نفسه المرجعية المسيحية الأولى.
واعترف الجميل انه ارتكب غلطة ولن يكررها، مستشهداً بنتائج انتخابات المتن الفرعية التي وضعته في مقابل عون الذي فاز بحسب رأي بعض الكتائبيين في الانتخابات بالنصف زائد واحد، وهذا يعني ان الرئيس أمين الجميل هو الأكثر شعبية مسيحياً بعد الجنرال ميشال عون ما يعطيه الحق بزعامة القوى المسيحية في الموالاة والتحدث باسمها، لا بل أكثر من ذلك ترى قوى الاعتدال في حزب الكتائب ان الجميل وعون يمثلان معاً المسيحيين في لبنان ويمكنهما ان يشتركا في صياغة وجهة نظر القوى المسيحية في التوافق السياسي.
حتى 24 تشرين الثاني الماضي، وقبل تراجع فريق الموالاة عن خيار النصف زائد واحد، كانت القوى المسيحية في تجمع 14 شباط تحاول ان تظهر بمظهر المستقل في قراره وخياراته والبعيد عن محور الاعتدال العربي الذي تدعمه الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، وكان جعجع أكثر من أمين الجميل يتظاهر بأن الفرع المسيحي في الموالاة يملك هامشاً واسعاً من الحركة وهو غير خاضع للحسابات التي يرسمها ”تيار المستقبل“ والناطق باسمه النائب وليد جنبلاط.
بعد طريقة ترشيح قائد الجيش ميشال سليمان من جانب النائب سعد الحريري  بتكليف من السعودية ومباركة جنبلاطية وتشجيع أميركي ودعم فرنسي وموافقة سورية، بدت القوى المسيحية في 14 شباط كأنها آخر من يعلم بل هي كذلك فعلاً، الأمر الذي ساهم في انزواء الفريق المسيحي في زاوية ضيقة أجبرته على التراجع الى الوراء، لكن الى أين؟
استطاع الرئيس أمين الجميل ارغام القوى المسيحية في الموالاة بالحضور الى الصيفي، وخصوصاً سمير جعجع الذي يعتقد بأنه يُسجل انتصارات حتى في الاخفاقات السياسية لقوى الموالاة.
يدرك الرئيس أمين الجميل ان حزب القوات اللبنانية قرر تجميد خططه في مواجهة تنامي المد الشعبي للتيار الوطني الحر، وتصفية الحسابات القديمة مع حزب الكتائب، وفي هذا السياق تنتشر بين المسيحيين معلومات مجهولة المصدر عن مسؤولية القوات في اغتيال الوزير بيار الجميل، خصوصاً بعد اعتقال مجموعة قواتية في خراج بلدة شحتول في كسروان تتدرب على اغتيال احدى الشخصيات استناداً الى سيناريو يكاد يتطابق مع سيناريو اغتيال بيار الجميل. لذلك اتخذ الرئيس أمين الجميل اجراءات عاجلة لتمكين نجله سامي من الحلول مكان شقيقه بيار في ادارة الكتائبيين، واستطاع سامي المقرب من التيار الوطني الحر ان يقنع والده بالاقتراب أكثر من الجنرال عون بعد ظهور نتائج الانتخابات الفرعية في المتن الشمالي، حتى ان الجنرال عون وعد أمين الجميل باحتضان سامي في الانتخابات البرلمانية المقبلة.
في المقابل عرض جعجع على نديم الجميل الانخراض الكامل والعلني في القوات اللبنانية باعتبارها إرث والده بشير الجميل، ويهدف جعجع من وراء هذا الاستدراج لتعويم نديم الجميل في محاولة مكشوفة الأهداف ستؤدي نتائجها الى خلق منافس سياسي للجميل الأب ولسامي الابن.
ويعتقد الجميل ان التحضيرات الخاصة بالمؤتمر العام الاستثنائي السابع والعشرين لحزب الكتائب حصنت المؤسسة السياسية المسيحية الأولى من المحاولات الهادفة الى تهميشها أو استمالة كوادرها وعناصرها، وبحسب الجميل فإن المؤتمر وضع هيكلية ادرية وتنظيمية على مستوى لبنان وفي بلاد الاغتراب ستمكنه من مواجهة الاستحقاقات الداخلية المقبلة.
في المقلب الآخر، فإن حزب القوات اللبنانية لم يتخذ بعد وضعيته النهائية بالرغم من مرور سنتين على خروج جعجع من سجن اليرزة. وبحسب وصف قدامى القوات فإن جعجع لم يشكل عنصر توحيد في القوات أبداً، فمنذ سيطرته على القيادة بلغت الانقسامات رقماً قياسياً، وزادت هذه الانقسامات بعد دخوله السجن وانتقال السيطرة على جسم القوات وعلى اداراتها السياسية الى زوجته ستريدا جعجع التي هدت المؤسسة النظامية وأسست لحزب سياسي يشبه أحزاب الزعامات.
وقد وجد جعجع صعوبة في تجاوز ما بنته زوجته، كما وجد صعوبة أكبر في التنصل من "جورج عدوان" الذي يعتبر حصة جنبلاط في القوات، وبحسب وصف خصوم جعجع هو الاختراق الجنبلاطي الكبير للقوات الذي ساهمت فيه ستريدا جعجع وأقنعت رئيس الحزب التقدمي بترشيح عدوان عن دائرة الشوف على لائحته مقابل ان يتم تكريس عدوان الرجل الثاني في القوات بعد جعجع.
أيضاً لم يتمكن جعجع من اقناع رفاق دربه في القوات ممن خاضوا معه الى جانب بشير الجميل ”معركة توحيد البندقية المسيحية“، وكانت ”الانتقاد“ نشرت مؤخراً معلومات تسربت من اجتماع خاص عقده قائد القوات اللبنانية في معراب لمجموعة من أركان القوات الأمنيين والعسكريين المخلصين له طرح فيه مشروع القوات للمرحلة المقبلة الذي يقوم على ”وحدة القيادة السياسية“، وينص هذا المشروع على التخلص من المرجعيات المسيحية بمختلف الوسائل المشروعة وغير المشروعة بالعلن أو بالسر لمصلحة مرجعية واحدة تمتلك الشرعية وتكون قادرة (ليس بالضرورة مفوضة) على تقرير مصير المسيحيين.
سيحاول سمير جعجع العمل على اختراق الكتائب من الداخل وسحب جمهورها نحو القوات بالوسائل السياسية، لكنه شدد على خيار المواجهة مع التيار الوطني الحر لتقليص نفوذه مسيحياً وتشويه صورته الاعلامية في مرحلة أولى من خلال ربطه بالمحور السوري الايراني، وصولاً الى افتعال المشاكل الأمنية معه في مرحلة لاحقة لارباكه وجره الى مواقع لا يحسن التصرف فيها.
قاسم متيرك 
الانتقاد/ العدد1246 ـ 21 كانون الاول/ ديسمبر 2007

2007-12-19