ارشيف من : 2005-2008

وسط أجواء المراوحة: السبت موعد عاشر لجلسة الانتخاب

وسط أجواء المراوحة: السبت موعد عاشر لجلسة الانتخاب

هل يكون الموعد العاشر لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية الذي حدد في الثانية عشرة من ظهر السبت الثاني والعشرين من الشهر الحالي "مسك الختام" ويؤدي إلى انتهاء الأزمة الرئاسية؟ أم يبقى حلقة في سياق السلسلة الطويلة لإرجاء الجلسات التي ستصل دستورياً إلى الحائط المسدود نهاية السنة الجارية، حيث يخرج مجلس النواب عن طور الانعقاد العادي ويخرج من امكانية تعديل الدستور، على أن يعود إلى طور الانعقاد في الثلاثاء الأول الذي يلي الخامس عشر من آذار المقبل، موعد العقد العادي الأول للمجلس خلال عام ألفين وثمانية المقبل؟ جميع المؤشرات تدل على أن التوافق السياسي ما زال بعيداً، وبالتالي فإن الأزمة مرشحة لمزيد من التأجيل.
وكان آخر موعد لجلسة الانتخاب يوم الاثنين الماضي حيث نزل نواب السلطة والمعارضة إلى مقر المجلس النيابي في الموعد الذي كان محدداً لعقد الجلسة التي لم تعقد جراء عدم تأمين التوافق على التعديل الدستوري وسلة الحل المتكاملة، وجرت مشاورات جانبية كان مسرحها مكتب رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي التقى النائب سعد الحريري بعد أن كان الأخير قد جرّد حملة افتراءات وتهجم على الرئيس بري عبر نواب كتلته النيابية، كما التقى بري النائب وليد جنبلاط  الذي حافظ على الخط البياني الجديد لسياسته القائمة على تغليب مبدأ "التوافق" لإنجاز الاستحقاق الرئاسي.
المؤشرات التي برزت خلال الأيام الأخيرة لا توحي بأن اختراقاً يمكن أن يسجل من خلال جلسة السبت بناءً على ما سبقها من معطيات منها:
أولاً: الزيارة "الاستفزازية" التي قام بها إلى بيروت مساعد وزيرة الخارجية الأميركية ديفيد ولش التي هدفت إلى محاولة ترميم التصدعات التي أصابت فريق السلطة الذي تضعضع بنيانه بعدما لمس ان راعيه الأميركي دخل في تسويات اقليمية لها انعكاسها على الساحة اللبنانية.
ثانياً: الحملة التي شنها فريق السلطة خصوصاً نواب المستقبل ضد رئيس مجلس النواب نبيه بري.
ثالثاً: رفض التعاطي الإيجابي من قبل فريق السلطة مع تكليف المعارضة رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون ملف التفاوض مع هذا الفريق على سلة الحل السياسي.
"العماد عون مفاوضاً"
وعليه لم تخرج الأزمة السياسية في البلاد عن سكة التعثر والمراوحة الناتجة عن ضياع فريق السلطة وتردده في الدخول في تسوية تؤمن شراكة حقيقية، لأن حصولها سيظهره مهزوماً أمام فريق المعارضة بعد تعنته المتمادي على مدى أكثر من عام ورفضه كل المبادرات والحلول التي طرحت، وتراجعه عن اتفاقات وتفاهمات كان يجري التوصل اليها.
والبارز خلال الأسبوع المنصرم كان القرار الذي اتخذته المعارضة بأن يتولى رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب العماد ميشال عون التفاوض مع فريق السلطة بشأن ملف الاستحقاق الرئاسي على أساس السلة المتكاملة التي تضمنتها مبادرة الأخير بشأن الاستحقاق الرئاسي.
وقد أعلن عن ذلك عون بنفسه في تصريح أدلى به بعد ترؤسه اجتماع تكتل التغيير والإصلاح في الرابية، وأبلغه رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط ولجنة المتابعة لمسيحيي السلطة التي تشكلت بعد اجتماع هؤلاء في الصيفي الأسبوع الماضي. كما أعلن عنه نائب الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم عبر دعوته فريق السلطة إلى الذهاب والتفاوض بإيجابية مع عون حول الورقة المكتوبة الموجودة في جيبه.
وهنا تطرح الأوساط المتابعة أسئلة عما دفع المعارضة إلى هذا الخيار بنقل مهمة التفاوض من رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى العماد ميشال عون؟
المصادر تجيب بأن هناك أسباباً دفعت إلى اتخاذ هذا القرار، منها:
أولاً: من جانب الرئيس نبيه بري بدا واضحاً خلال الأيام الأخيرة أنه تعرض لحملة مفاجئة من فريق السلطة، وتحديداً من وكيله في الحوار النائب سعد الحريري الذي نكث بآخر ما جرى التوصل اليه من تفاهمات أولية مع بري بحضور وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير في عين التينة. وكان هذا النكوث الذي تبعته حملة على بري بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير، لأن للرئيس بري "مرارات" سابقة وعديدة مع نكوث الحريري بالاتفاقات والتعهدات، بدءاً من "اتفاق الرياض" إلى "جلسات الحوار الوطني" مروراً "بجلسات التشاور" ولقاءات عين التينة حول "حكومة الوحدة الوطنية"، ثم جلسات الحوار حول التوافق الرئاسي ولائحة بكركي بشأن المرشحين للرئاسة، وصولاً إلى اللقاء الثلاثي الذي ضم بري والحريري وكوشنير.
وبناءً على هذه التجربة الفاشلة والمريرة وجد الرئيس بري أن الحوار مع فريق السلطة من خلال الحريري لم يعد مجدياً، وبالتالي لا بد من تغيير قواعد العمل على هذا الصعيد، فكان ذلك أحد الأسباب التي دعت بري لإحالة فريق السلطة إلى الجنرال عون.
أما السبب الآخر الذي دفع الرئيس بري الى هذا الخيار فهو "توجيه رسالة جوابية" الى البطريرك الماروني نصر الله بطرس صفير الذي كان انتقد الرئيس بري واتهمه بإغلاق مجلس النواب وعدم الالتزام بلائحة المرشحين التي رفعها اليه، وهو ما وجد فيه الأخير ظلماً كبيراً له، حيث انه عمل على التوافق على المرشح الأقرب للبطريرك في اللائحة وهو ميشال إده، بينما كان الرفض من جانب فريق السلطة.. اضافة إلى أنه حرص في جميع المناسبات على اعطاء بكركي دوراً مركزياً بشأن الاستحقاق الرئاسي. وعندما يحيل بري ملف التفاوض إلى عون، فهو سواء قصد أو لم يقصد، ينقل مرجعية القرار المسيحي من بكركي إلى الرابية حصراً، وبذلك يكون الرئيس بري عرف كيف يرد التحية للبطريرك دون الحاجة إلى شن حملة سياسية عليه، وهو الذي سعى لمنع العديد من الردود القاسية على بيان بكركي وخفف من حدة البيان الذي صدر عن المجلس الإسلامي الشيعي بهذا الشأن.
ثانياً: والسبب الثاني الذي دفع المعارضة الى محورة قرار التفاوض في الرابية، هو كون الاستحقاق الرئاسي برغم بعده الوطني، يحمل أولوية مسيحية. وبهذا الصدد فعون هو المعني الأول به، خصوصاً بعد أن قدم تنازلاً كبيراً عندما تخلى عن ترشحه لمصلحة قائد الجيش العماد ميشال سليمان. وهو أرفق هذا التنازل بمبادرة متكاملة تشمل انتخاب الرئيس والحكومة والعديد من النقاط المطلوب التوافق عليها قبل إتمام الاستحقاق.. وعليه فهو المعني بالتفاوض على المبادرة التي أطلقها.
ثالثاً: قطعت المعارضة بخيارها تسليم عون التفاوض مع فريق السلطة وبشكل نهائي أي اصطياد في الماء العكر حول وجود خلافات داخل المعارضة، وأن أحداً يمكن أن يسير بتسوية بمعزل عما قد يوافق عليه رئيس تكتل التغيير والإصلاح.
وانطلاقاً من هذا القرار بات على فريق السلطة ومن يقف وراءه التفاوض مع العماد عون حول ورقة تفاهم متكاملة ومكتوبة على ورقة وموجودة في جيبه، وهي تتضمن أقل من عشر نقاط تشمل الرئاسة والحكومة والتعيينات الأساسية وقانون الانتخاب على أساس القضاء وبعض البنود الأخرى التي تؤمّن خروجاً من الأزمة إلى شراكة وطنية حقيقية. وهذه الورقة يمكن أن يجري التفاوض بشأنها بين عون والنائب سعد الحريري، حيث ان عون قد تخلى عن ترشحه للرئاسة  وعلى الحريري أن يحسم أمره اذا كان موافقاً على التخلي عن رئاسة الحكومة، وعندها يمكن للرجلين التوافق على السلة التي ستدير لبنان خلال مرحلة انتقالية حتى الانتخابات النيابية في أيار من العام ألفين وتسعة. وتشير الأوساط إلى أن المعارضة في وضعية مرتاحة والحشرة هي لدى فريق السلطة الذي عليه أن يختار بين تسوية حالية بخسائر قليلة له وتسوية لاحقة بخسائر أكبر، وهو أمر تنبه اليه وليد جنبلاط ولم يستطع الحريري هضمه حتى الآن.
هلال السلمان
الانتقاد/ العدد1246 ـ 21 كانون الاول/ ديسمبر 2007

2007-12-19