ارشيف من : 2005-2008
العدو تحت المجهر: كيف ولماذا تستمر حكومة اولمرت؟
كتب جهاد حيدر
اياً تكن التطورات السياسية او الامنية او الاجتماعية... التي تشكل ارضية ملائمة او سببا كافيا لسقوط احدى حكومات العدو سواء من خلال استبدالها بأخرى او عبر اجراء انتخابات مبكرة، الا ان هناك اليات قانونية ودستورية يبقى لها كلمة الفصل في بقاء او سقوط هذه الحكومة.
وبالتالي لا بد لأي استشراف او تقدير يتناول مستقبل حكومة العدو، ان يستند، فيما يستند اليه، الى تلك الاليات والمصالح الحزبية الضيقة لهذا الطرف او ذاك او لهذا الزعيم او ذاك في تقديم او تأخير موعد الانتخابات العامة.
وعليه يلاحظ ان اولمرت وسائر الطبقة السياسية، التي قادت العدوان الفاشل على لبنان، امتنعت عن تقديم استقالاتها ولم تملك شجاعة الجنرالات الذين اقروا بالفشل واستقالوا من مناصبهم تباعا، برغم ان اولمرت لامست شعبيته الصفر في مرحلة من المراحل واستغل المصالح الحزبية والشخصية للذين قدموا للحكومة غطاءها البرلماني كي تتمكن من الاستمرار، وتسلح ايضا بالاليات القانونية كي يستمر حتى الان. ولم يكتف اولمرت بذلك بل عمد الى تعزيز وضعه الحكومي للالتفاف على اي تطور يطيح به وبحكومته، وضم حزب يسرائيل بيتنا اليميني المتطرف (11 عضو كنيست)، برئاسة افيغدور ليبرمان الى الحكومة المؤلفة من حزب كديما (29 عضوا) وحزب العمل (19) والمتقاعدين (7) وشاس الدينية (12)، ووسع اولمرت بذلك قاعدة حكومته البرلمانية الذي اصبح 78 عضو كنيست، في الوقت الذي يحتاج فيه الى 61 عضو كنيست من اصل 120.
بعد مؤتمر انابوليس طُرح مصير حكومة اولمرت، مرة اخرى، وفي الوقت الذي يكاد يجمع فيه المراقبون على فشل المؤتمر في دفع التسوية على المسار الفلسطيني الاسرائيلي فضلا عن عجزه في التوصل الى اتفاق مبادئ او حتى بيان اسرائيلي فلسطيني مشترك، الا ان الحديث عن هذا الفشل لا يشمل، بالضرورة، تداعيات المؤتمر على تماسك حكومة اولمرت وتوفير اسباب بقاء اضافية لها.
لماذا؟
برغم الاصوات العالية التي يصدرها ليبرمان، احتجاجا وتهديدا بالاستقالة في حال قدَّم اولمرت تنازلات للفلسطينيين ـ ويتبعه في ذلك، الى حد ما، حزب شاس الديني ـ الا ان امرا كهذا لا يبدو على وشك الحصول، وخاصة ان اولمرت اخذ ولم يعط في المؤتمر. فضلا عن ان اولمرت ليس على استعداد، حتى الان، لاتخاذ مواقف تشكل عامل تفجير للحكومة، بل ربما يستغل الاصوات اليمينية المتطرفة التي تصدر من الحكومة لتبرير عدم اتخاذه مواقف محددة يطالب بها مسؤولو السلطة الفلسطينية.
اما من جهة حزب العمل، فقد استطاع اولمرت ان يوفر ذريعة تامة لرئيس حزب العمل ووزير الدفاع ايهود باراك كي يستمر في الحكومة. الذي اعلن في اعقاب انابوليس ان "على إسرائيل أن تكون في أي مكان توجد فيه فرصة للتوصل إلى تسوية أو إطلاق العملية السياسية". وايده في ذلك اعضاء كنيست من كتلته الذين وصفوا الخروج من الحكومة في هذا الظرف بأنه يعني "الموت" لأن "الجمهور لن يغفر لنا". ويلاحظ في هذا المجال ان باراك يحاول ان يصور بقاء حزب العمل في الحكومة بأنه يهدف الى استغلال الفرصة السياسية التي لاحت خلال وبعد انابوليس للتوصل الى اتفاق مع الفلسطينيين، في حين ان خروجه من الحكومة واسقاطها سيشكل اهدارا لفرصة التسوية؟!!.
فما هي القصة الحقيقية لبقاء باراك في الحكومة؟
يُشار الى ان باراك قد تعهد قبيل انتخابه رئيسا لحزب العمل بأنه سيستقيل من الحكومة في حال حمَّل التقرير النهائي للجنة فينوغراد، اولمرت المسؤولية عن الاخفاقات في عدوان تموز 2006. ويشكل هذا العهد، نظريا، قيدا على باراك ويعطيه الالتزام به المزيد من المصداقية التي يحتاجها لكسب تأييد الجمهور الاسرائيلي. ولكن القضية ان باراك ما زال يدرك بأن اي انتخابات مبكرة في هذا الظرف ستؤدي الى فوز حزب الليكود برئاسة الحكومة، وهذا ما تظهره كافة استطلاعات الرأي التي تعطي بنيامين نتنياهو تقدما ملحوظا على سواه من المنافسين. وبالتالي فمن غير المنطقي ان يتخذ باراك قرارا يصب في مصلحة اليمين ويبعده اربع سنوات عن رئاسة الحكومة (فترة ولاية الكنيست). واللافت ان باراك كفانا عناء الاستدلال على خلفيته عندما قال خلال اجتماع لكتلة العمل البرلمانية "لن أنسحب من الحكومة فقط بسبب اندفاع الرفاق (في حزبه) بل سأنسحب عندما أرى أن ثمة احتمالاً بالانتصار" في انتخابات عامة.
وكشف باراك عن خلفيته اكثر عندما تحدث امام عشرات النشطاء في حزب العمل عندما دعا الى اعادة سيطرة حزب العمل على مركز الخارطة السياسية في اسرائيل: "220 ألف ناخب انتقلوا الى كاديما، و110 آلاف ناخب انتقلوا الى حزب المتقاعدين. بينما قام 50 ـ 60 ألفا بالابتعاد بعيدا حتى وصلوا إلى حزب إسرائيل بيتنا. يجب اعادة هؤلاء الينا، كما يجب العمل اساسا على الروس، على المتقاعدين وعلى الشباب". وحذر من انه في حال عدم عودة حزب العمل الى الوسط سيحل محله حزب الليكود او كديما.
وانطلاقا من هذا الكلام يمكن التقدير ان باراك يأخذ على الحزب الصفة اليسارية التي حاول بيرتس الصاقها به، ومن هنا نجد ان باراك يحاول في بعض الاحيان التشدد اكثر من كديما والتمايز عن الليكود باتخاذ مواقف اكثر وسطية (بالقياس الى الخارطة السياسية والحزبية في اسرائيل).
وعليه نجد انه في الوقت الذي تعود فيه الاسباب الحقيقية لعدم استقالة باراك من الحكومة وتقديم موعد الانتخابات، الى تقديره بأن نتنياهو وحزب الليكود سيكونان المستفيدان من هذا الامر، نجد انه يغلفه بغلاف سياسي يتصل بالقضايا العامة التي تهم اسرائيل وتحديدا بما يتعلق بمسيرة التسوية التي تجددت انطلاقتها في انابوليس. بينما الحقيقة هي ان باراك نفسه وصف في مرحلة سابقة مؤتمر انابوليس بأنه ليس سوى سيرك سياسي لن يتمتع به سوى المشاركين فيه فقط. وهكذا يجسد باراك امامنا نموذج الشخصية السياسية الاسرائيلية التي درجت على الدمج بين الموقف السياسي الواقعي من القضية المطروحة وبين المصلحة الحزبية بل والشخصية. بحيث يتم اسقاط المصالح الحزبية والشخصية الضيقة في قالب رؤيوي وسياسي عام.
ولا يقتصر الامر على باراك بل ايضا يشمل ليبرمان اليميني الذي اعلن انه باق في الحكومة من اجل ايقاف صواريخ القسام والعملية السياسية التي انطلقت من انابوليس (لاحظوا انه كان يهدد في السابق بالاستقالة من اجل ايقاف وافشال انابوليس، الان: الاستمرار في الحكومة يهدف الى ايقاف انابوليس). ومن اجل الدقة والتوازن لا يعني هذا الكلام انه لا حقيقة للخلافات التي نقرأها او نسمعها وانما الهدف من هذه المقالة هو اظهار كيف تتداخل القضايا العامة بالمصالح الحزبية والشخصية. ومن اجل ابداء الحذر في فهم وتمييز المواقف التي تنبع من خلافات واقعية في الرؤية والموقف وبين المواقف التي تعود حقيقتها الى مصالح حزبية وشخصية وبين المواقف التي تتداخل فيها الابعاد.
مقتطفات
سياسات إسرائيل ازاء ايران انهارت اثر تقرير الاستخبارات الاميركي
لعله من الجارح جدا القول، إن سياسات إسرائيل إزاء إيران انهارت اثر تقرير جهاز الاستخبارات الاميركي، إلا أن إسرائيل تلقت صفعة رنانة. بداية، هذا فشل ذريع للاستخبارات الإسرائيلية، التي لم تلحظ كيف أن حليفها الأهم، الذي سارت معه طريقا طويلا، يتركها وحدها ويغير تقديره.
لم تتجسد المشاركة بين جهازي الاستخبارات فقط في تبادل التقديرات، إنما أيضا بالكشف عن البرنامج النووي الإيراني. والأمر لا يتعلق بتغيير مفاجئ؛ تقدير استخبارات قومي يتبلور خلال وقت طويل. تلعثم رؤساء الاستخبارات والمستوى السياسي، كما لو أنهم يعلمون بذلك قبل حوالي شهر على بلورة التقدير الجديد في الولايات المتحدة، يجب أن يثير القلق. ومن الواضح أن التطورات في الولايات المتحدة حُجبت عن الموساد، والاستخبارات العسكرية (أمان)، ولجنة الطاقة الذرية ووزارة الخارجية.
إن كانت أجهزة الاستخبارات والمستوى السياسي في إسرائيل لا تعلم ماذا يحصل في واشنطن، فكيف يمكن الوثوق بأنهم يعرفون ماذا يحدث في طهران؟ فكما لم تكن الاستخبارات الإسرائيلية على علم بأن ليبيا كادت توشك على حيازة سلاح نووي وتفاجأت عندما اكتشفت أن الولايات المتحدة نجحت بإبعاد معمر القذافي عن برنامجه.
وحاليا، ستزيد الاستخبارات الإسرائيلية من مساعيها لإثبات أنها محقة وان إيران لم تجمد برنامجها النووي العسكري. لكن إن كانت حقا تملك معلومات قوية، تتعارض والتقديرات الأميركية، لكان رئيس الموساد مائير داغان سارع إلى تزويد حلفائه في واشنطن بها.
يمكن أن تخطئ الولايات المتحدة الأميركية بتقديرها، لكن هل يمكن بالضبط لإسرائيل أن تخطئ. ويوجد أيضا احتمالات: ربما المعلومات وأساس المعطيات الموجودة لدى الدولتين متشابهة، لكن هناك من سعى في إسرائيل لـ"انضاجه" بهذه الطريقة ليمنحه تفسيرا متشدّدا، كي يخدم مصلحته السياسية أو الأمنية.
استنادا إلى تقديرات الاستخبارات في إسرائيل بلورت الحكومات على مدار السنوات الأخيرة سياسة، تنص على أن إيران هي تهديد قائم. بعد ذلك تدفقت مبالغ طائلة للموساد، لـ"أمان" ولسلاح الجو من أجل تقدير ومعالجة هذا التهديد. حتى أنه أنشئ مكتب خاص من أجل ذلك، برئاسة الوزير "أفيغدور ليبرمان".
طُلب من إسرائيل في الوقت الحاضر تغيير الاتجاه والفحص بدقة، إن كان يوجد مكان للاستمرار بالنهج القائم وكأنه لم يحدث شيء. الأفضل السير مع الولايات المتحدة والتأكيد على ما لا يستحق الاهتمام به: حيث سياسة العقوبات تحقق إنجازات. والدليل على ذلك، أن إيران قررت تجميد برنامجها النووي العسكري. يجب الاستمرار بالعقوبات، ومن المفيد لإسرائيل التنازل عن مفهومها العنيف القائم على ان ضربة عسكرية قاصمة ستحل هذه المشكلة. ربما كان رئيس الموساد السابق "أفرايم هليفي" محقاً بذلك، حيث دعا للحوار مع إيران.
هآرتس - يوسي ملمان/6/12/2007
بوش طلب من الاستخبارات معطيات لتبرير الهجوم فأتوه بما قطع الطريق عليه
عندما دعا رئيس الولايات المتحدة، جورج بوش، الادميرال مايكل ماكونل في ربيع 2007 للتباحث معه بعد تعيينه "مديرا للاستخبارات القومية"، عبر عن تفاجئه وغضبه من وجود نواقص في المعلومات الاستخبارية حول المشروع النووي الايراني، وطالبه بأن يضاعف الجهود من اجل الحصول على معلومات حديثة واكثر شمولية. الكونغرس بدوره طرح مطلبا مشابها. بوش أمل بأن يوفر له التقرير الجديد أساسا استخباريا قويا وتبريرا لانهاء فترته الرئاسية في أواخر 2008 مع انجاز دراماتيكي: مهاجمة المواقع النووية الايرانية.
ماكونل نفذ تعليمات الرئيس، حيث ارسل في تشرين الثاني للبيت الابيض والكونغرس "تقويما استخباريا قوميا" حول ايران. ولكن مثلما حدث في قصة بلعام الذي جاء للحصول على المباركة فخرج ملعونا، لم يوفر التقرير المذكور لبوش الارضية الاستخبارية المنشودة لتبرير هجمته. بل ادى في الواقع الى ابعاد الادارة عن قرار الهجوم على ايران. وخلاصة التقرير هي ان ايران قد جمدت مشروعها السري في عام 2003. ومع ذلك يؤكد التقرير ان ايران تستطيع استئناف هذا البرنامج في أي لحظة ترغب فيها بذلك.
هآرتس/يوسي ميلمان/– 13/12/2007
الانتقاد/ العدد1246 ـ 21 كانون الاول/ ديسمبر 2007