ارشيف من : 2005-2008
عدوان إسرائيلي عسكري يحمل مضامين أمنية وسياسية في غزة
غزة ـ عماد عيد
رويدا رويدا تتضح معالم السياسة الإسرائيلية والأميركية في المرحلة المقبلة تجاه القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، وستمنح زيارة رايس الأسبوع المقبل إلى المنطقة مزيدا من الوضوح على هذه السياسة إزاء الفلسطينيين، في حين أن زيارة الرئيس الأميركي جورج بوش المقررة في الشهر المقبل من شأنها أن تضفي جرعة كبيرة من الوضوح في هذه السياسة.. غير أن هذا الوضوح في الرؤية ليس معناه بالضرورة تحولا ايجابيا كبيرا مقارنة مع المصالح الفلسطينية التاريخية أو الجغرافية، أو حتى المصالح التي يحملها المفاوض الفلسطيني في إطار المفاوضات مع الصهاينة.
وبحسب مصادر مطلعة فإن وزيرة الخارجية الأميركية والرئيس بوش قد يمنحان المفاوضات بين الجانبين قوة دفع جديدة لتقليص هوة الخلاف بينهما في القضايا الجوهرية، لكن الشيء المؤكد أن هاتين الزيارتين لن تحسما هذه الخلافات ولن تردما هذه الهوة، ما يطرح مزيدا من ظلال الشك على مسيرة التفاوض الفلسطينية الصهيونية.. إلى جانب انه يمنح الحكومة الصهيونية فرصة جديدة لتنفيذ أجندتها أو جزء من هذه الأجندة على الأرض من خلال التكتيك العسكري المتغير وفقا للمصلحة الصهيونية وانطلاقا من استغلال حال الانقسام في الساحة الفلسطينية، ما يعني في نهاية المطاف عدم بلوغ الأهداف حتى التي وضعها المفاوض الفلسطيني، وعدم إجراء تغيير كبير على السياسة الصهيونية على الأرض التي تحاول دائما تأكيد تفوقها وقوتها وغطرسة الجيش الصهيوني واستعادة هيبته المفقودة في ظل الانقسام الفلسطيني وفي ظل الخلل الكبير في ميزان القوة بين الجيش الصهيوني وفصائل المقاومة.
غير أن هذا الانقسام وهذا الخلل أيضا لم يدفعا الفلسطينيين إلى رفع الراية البيضاء وفق ما ثبت على الأرض حتى الآن ووفق كثير من المسؤولين في فصائل المقاومة الفلسطينية، فقد أكد أكثر من مسؤول في هذه الفصائل لـ"الانتقاد" أن خلايا وجيوش فصائل المقاومة خصوصا في غزة تسابق الزمن من اجل تنمية قدراتها وإمكاناتها وخبراتها القتالية لمواجهة أي عملية عسكرية صهيونية داخل قطاع غزة، إلى جانب أنها تسعى لإرسال استشهاديين إلى العمق الصهيوني لتنفيذ عمليات تخلخل قاعدة الأمن الصهيونية.
أما على الأرض فقد استمرت القوات الصهيونية في شن مسلسل الاعتقالات في مختلف المدن الفلسطينية في الضفة الغربية، مع التركيز على الشمال وعلى مدينة نابلس التي وقع فيها شهيد في واحدة من العمليات الصهيونية التي استهدفتها. وقد ذكرت المصادر الفلسطينية أن الجيش الصهيوني اعتقل العشرات من الفلسطينيين خلال هذا الأسبوع فقط.
أما في غزة فقد غير الجيش الصهيوني من تكتيكه العسكري المتبع في الآونة الأخيرة، فبعد أن ركز جيش الاحتلال خلال الأسبوعين الماضيين على الغارات الجوية وقتل المقاومين، عاد هذا الأسبوع إلى سياسة التوغلات في جنوب القطاع، وكان أوسع هذه التوغلات ما شهدته منطقتا خانيونس ورفح إلى الجنوب من قطاع غزة، حيث وصل عمق هذا التوغل إلى أكثر من ثلاثة كيلومترات، وهي المرة الأولى التي تتعمق فيها القوات الصهيونية في قطاع غزة هذه المسافة في الأشهر الأخيرة، إذ وصلت إلى شارع صلاح الدين الذي يتوسط القطاع ويربط شماله بجنوبه وأغلقته.
وفي ظل هذه التكتيكات العسكرية الصهيونية فإن توقعات بعض الأوساط تقول ان الفترة القادمة سوف تشهد عمليات عسكرية صهيونية مكثفة في قطاع غزة لإضعاف الفصائل الفلسطينية، خصوصا حركة حماس، لا سيما إذا جرى الحديث عن إمكانية عودة الحوار بين حركتي فتح وحماس، وذلك من اجل إحباط أي محاولات للحوار ولتعميق الهوة بين الجانبين من خلال تبادل الاتهامات. لكن بعض المراقبين يتوقعون أن تشهد المرحلة المقبلة خطوات عملية حول الحوار، فقد علمت "الانتقاد" أن عدة لقاءات عقدت في الداخل والخارج من اجل ذلك، وأن ما يمكن وصفه باستكشاف المواقف جرى في هذه اللقاءات دون الوصول إلى اتفاقات، برغم أن الكثير من القضايا طرحت فيها، وأنه جرى تصنيف القضايا التي تم الحديث حولها وتلك التي سيجري الحديث عنها برعاية عربية، وأنه جرى طرح المطالب. وحسب المعلومات فإن حماس لم تمانع تسليم المقرات الأمنية إلى السلطة وعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه من خلال طرف عربي، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المعابر.
وقد أكدت مصادر فلسطينية محلية أن الرئاسة الفلسطينية أبلغت ضباط حرس الرئيس في غزة ان يستعدوا للنزول إلى المعابر في أي لحظة، وأن بعثة المراقبين الأوروبيين وصلت إلى المعبر أكثر من مرة في الأيام الماضية لفحص المعدات والأجهزة في معبر رفح الحدودي، ما يعني أن تطورا ما يمكن أن يقع على هذا الصعيد في الأيام القريبة، وهو ما يترافق مع الحديث والحوار والتحضيرات له. غير أن محللين يتوقعون أن يكون ذلك مدعاة لتكثيف العمليات الصهيونية في القطاع، ما يعني أيضا أن الحوار يحتاج إلى فترة ليست بالقصيرة حتى تتمخض عنه نتائج يمكن أن تكون ملموسة لدى الشارع الفلسطيني.
الانتقاد/ العدد1245 ـ 14 كانون الاول/ ديسمبر 2007