ارشيف من : 2005-2008
رئيس أركان الجيوش الأميركية في الكيان الغاصب: استُقبل بقلق ووُدّع بقلق مماثل
كتب يحيى دبوق
تعتبر زيارة رئيس أركان الجيوش الأميركية، الأدميرال مايكل مولين إلى الكيان الإسرائيلي، ارفع زيارة يقوم بها عسكري أميركي للكيان منذ ما يزيد عن 12 عاما. وبالتالي يتوجب النظر إلى الزيارة، في نظرة تحليلية ابتدائية، أنها تأتي في سياقات واستهدافات استثنائية، وخاصة أن الإدارات الأميركية المتعاقبة أبعدت مثيلاتها عن الكيان، كي لا يجري تفسيرها في اتجاهات خاطئة بما يشمل التنسيق العسكري المباشر، لما يمثله رئيس أركان الجيوش الأميركية من أداة تنفيذية، وكونه يشغل بحكم منصبه مستشارا عسكريا للرئيس ولوزير الدفاع الأميركيين على حد سواء.
برغم ذلك، لا يبعد اتصال زيارة مولين بالتقرير الاستخباري الأميركي، الصادر عن 16 جهاز استخبارات أميركيا، والذي حدد أن إيران أوقفت برنامجها النووي العسكري في العام 2003. وهو تقرير، مهما قيل في تفسيراته، لا يخدم بالتأكيد السياسات الإسرائيلية إزاء إيران، التي انهارت، باعتراف الإسرائيليين أنفسهم، اثر صدور التقرير.
وتأتي زيارة مولين، في سياقات وظروف زيارة وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس المتوقعة بعد أيام، والتي يفترض بها إضافة إلى البحث في "المسار" التفاوضي بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، كما هو معلن، أن تمهد لزيارة الرئيس الأميركي جورج بوش المتوقع قيامه بها في كانون الثاني المقبل، وهي زيارة جاء إقرارها، كما يظهر أيضا، أنها ارتجلت اثر صدور التقرير الاستخباري الأميركي.
تلقف الاسرائيليون زيارة مولين، وجرى تجميع القادة العسكريين، وعلى رأسهم رئيس أركان الجيش الاسرائيلي غابي اشكنازي، إضافة إلى قادة الاسلحة الثلاثة، الجو والبر والبحر، مع مشاركة لرئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، ورئيس قسم التخطيط في الجيش الاسرائيلي، وتحدثت الانباء والتعليقات الإسرائيلية عن زيارة استماع، اجراها مولين، وليست زيارة اتخاذ قرارات، وضع خلالها القادة العسكريون الاسرائيليون امام مولين خطط التأهيل الجارية التي يقوم بها الجيش الاسرائيلي والاستعدادات التي يجرونها لاستعادة قدراتهم ومعنوياتهم القتالية التي فقدوها في اعقاب العدوان الأخير على لبنان، بما شمل عرضا للقدرات الأمنية والعملياتية لاسرائيل. ومن بين ما جرى إسماعه لمولين، التقديرات الاستخبارية الإسرائيلية فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني والاستعدادات في سوريا وحزب الله والوضع في العراق وباكستان، وما يمكن ان يشكله من اخطار على الولايات المتحدة وإسرائيل، كما جرى التشديد على محاولة اقناعه بأن التهديد الإيراني ما زال قائما. لكن الإسرائيليين، من جهتهم، اكدوا بلسان محلليهم العسكريين ان تأثير الكلام الاسرائيلي على مسامع مولين، كان ثانويا ومحدودا باتجاه تغيير مواقفه المتخذة سلفا، وجل ما تلقوه منه، هو عبارات عاطفية وتهدوية. وحسب بعض هؤلاء المحللين فإن "مولين انهى زيارته القصيرة تاركا إسرائيل في قلق مماثل للقلق الذي جرى استقباله به".
في احوال وظروف أخرى، كانت الزيارة تعتبر مؤشرا على إمكان اقدام الطرفين، الاميركي والاسرائيلي، او احدهما بتغطية ومساعدة من الاخر، بعمل عدواني ما في المنطقة، وفي مقدمتها توجيه ضربة عسكرية لايران أو لسوريا، خاصة في ظل عمليات التأهيل الكبرى التي يجريها الجيش الاسرائيلي لجنوده وقادته العسكريين، والتي كان يمكن أيضا ان تفسر كاستعداد لشن عدوان عسكري ما.
لكن الظروف الصعبة القائمة حاليا بما خص الأميركيين والاسرائيليين على حد سواء، والامكانيات المادية العسكرية الموجودة لديهم المحبوسة في داخل هذه الظروف، والتي تمنعها من تفعيل نفسها، لن تسمح للأميركيين بالقيام بعدوان ما، وخاصة ان الاتجاهات والخيارات الأميركية بدأت تظهر على دفعات، بأن القرار يكاد يستقر، وإن جبراً، نحو خيارات تسووية في المنطقة، تمهيدا لتقطيع الوقت لحين اجراء الانتخابات الأميركية وتسلم الرئيس الاميركي المقبل القرار بداية العام 2009.
على أي حال، إن لم يجر تفسير الزيارة على انها زيارة ترضية لاسرائيل واظهار مواصلة الاهتمام بها وبأمنها برغم صدور التقرير الاستخباري الأخير الذي كبل الإدارة الأميركية عسكريا تجاه إيران، فإن التفسير الأكثر تطرفا تجاه طهران هو في ان يكون قد جرى الاتفاق على اقدام إسرائيل، بمساعدة اميركية عسكرية مباشرة أو غير مباشرة، على توجيه ضربة إلى المنشآت النووية الايرانية، وإن كان التقدير لدى إسرائيل والولايات المتحدة بأن هكذا ضربة لن تنهي الطموح الإيراني نحو امتلاك سلاح نووي، لكن من شأنها، نظريا، ان تؤخر وصول طهران إلى مثل هكذا سلاح لسنوات.
يُعاب على هذا التفسير المتطرف، ان الفائدة المقدر ان تجبيها إسرائيل والولايات المتحدة محدودة جدا، قياسا على الاثمان، وفي احسن الاحوال فإن الفائدة محصورة في تأجيل التهديد الإيراني لسنوات، بينما في مقابل هذه الفائدة النظرية غير المؤكدة اسرائيليا واميركيا، هناك تبعات وانعكاسات سلبية كبيرة جدا، تبدأ من الانعكاسات على المصالح والوجود الاميركي في المنطقة والعالم، ولا تنتهي في الضربات التي ستتلقاها إسرائيل من إيران، أو من غيرها.. ولائحة التداعيات السلبية طويلة جدا، غير قابلة للحصر. ويكفي ان القرار الاميركي المبتعد عن الضربة العسكرية لايران، تأكد أكثر في اعقاب التقرير الاستخباري، وبالتالي لا يمكن لاسرائيل، وإن جرى اخراج عملها العسكري تجاه إيران على انه قرار ذاتي، من دون سحب المسؤولية ذاتها على الأميركيين. بل أكثر من ذلك، إن أي عمل عسكري على إيران كان سيتقرر، إن كان هناك إمكانية لتقريره، قبل اعلان الانزياح الاميركي العسكري عن إيران وولوج باب التسوية معها.
على أي حال، يظهر التعاطي الاسرائيلي خلال الأيام القليلة الماضية، بعد تلقف حجم الصدمة الابتدائي في اعقاب التقرير الاميركي، أن الاتجاه هو في العمل على تعزيز الموقف المتخذ من قبل الإدارة الأميركية التي تصر على مواصلة مساعيها لفرض عقوبات اضافية على إيران، باعتبار ان التهديد الإيراني ما زال قائما برغم ما اوردته الاستخبارات الأميركية. وبالتالي فإن السعي الاسرائيلي يتركز حاليا، على مساعدة الإدارة الأميركية في إقناع الدول التي كانت قد اتخذت موقفا مؤيدا للعقوبات الاضافية بالبقاء على موقفها، ومحاولة حث دول أخرى، برغم صعوبة ذلك، ان تلتحق بركب العقوبات. وفي ذلك تراجع كبير بعد ان فقدت إسرائيل اوراقها في المسألة الايرانية، ولن تستطيع بعد الان ان تعتمد سياسة "العقوبات وإلا".
الانتقاد/ العدد1245 ـ 14 كانون الاول/ ديسمبر 2007