ارشيف من : 2005-2008

معرض بيروت العربي والدولي للكتاب: الكتاب بين اليسر والعسر

معرض بيروت العربي والدولي للكتاب: الكتاب بين اليسر والعسر

دهشة أو هول مفاجأة.‏

في نموذج تطبيقي لهذه المعادلة كان معرض بيروت العربي والدولي للكتاب على موعد هذا العام مع حدث أمني كبير تمثل في اغتيال العميد الركن فرنسوا الحاج، ومع ما رافق ذلك من مناخات وأسئلة يشوبها الحذر والترقب.‏

النتيجة الميدانية على معرض الكتاب ظهرت في اللحظات الأولى لافتتاح المعرض حيث "حضور" الراعي الرسمي من خلال الشاشة وهو القاطن على بعد أمتار في "سراياه" القريبة من مكان العرض. أيضاً كان الحضور الشعبي والرسمي شحيحاً قبيل قص شريط الافتتاح، وما ان تم حتى ذاب الجميع في مساحة زادت 20% عن السابق.‏

المشهد الأول‏

الانطباع الأول كان مع يُسر الطريق وسهولة ركن السيارة، الانطباع الثاني أصبح عادياً وهو يتمثل بتلك الآلة الفاحصة للسيارة واحتمال وجود عمل تخريبي.‏

الدخول إلى المعرض يحمل ثنائية في "النيّة"، فنحن هنا صحافيون نراقب، ونترقب، ونتفحص وندقق ونترصد الأجواء والأعداد والتوزيع، وفي المقابل أيضاً نحن قراء نحمل شغف البحث عن العناوين الجديدة، والشروع في طقس ثقافي كادت تلفظه المتغيرات كما لفظت نشاطات مشابهة، ارضاءً للعقل التجاري الصرف.‏

التجوال بين الدور والتدقيق في العناوين يقول بأن حالة النشر في هذا البلد ما زالت مقبولة، مع ما في ذلك من استقطاب للأسماء الكبيرة في الأدب والسياسة والبحث.‏

حتى إذا ما عرّجنا على العنوان الشكلي سنلاحظ أن هناك تطوراً في طريقة تقديم الكتب وعرضها واجتراح سُبل للفت النظر وخلق خصوصية للدار، أيضاً شعرنا بذات الشيء أمام الكتاب نفسه فكان أن سجلنا انطباعنا الايجابي للتصاميم الخارجية للكتب وبذخ بعض الدور على نوعية الأغلفة وطريقة عرضها.‏

اليسر والعسر‏

ما أن عرفنا بسعر كتاب صادر حديثاً حتى ولينا هاربين من ذلك الجناح برمته، حيث كان واضحاً التفاوت بين عنوان الكتاب ومضمونه ونوعية ورقه، وبين سعره الذي يمكننا أن نعتبره مبالغاً فيه بنسبة ثلاثة أضعاف.‏

الأسعار المرتفعة التي لاحظناها في دور عدة وتحديداً في كتبها الصادرة حديثاً، شعرنا بمقابلها ببعض اليسر في الأسعار وتحديداً في تلك الدور التي عرف عنها ذلك، كعالم المعرفة مثلاً، وهي الدار المدعومة من الدولة الكويتية، لكن "الكرم" الكامل كان من جريدة "السفير" التي وزعت سلسلة الكتاب للجميع الذي يصدر عن السفير مرة في الشهر، وزعتها مجاناً، ودون أي رقابة على المستفيد، أو أي سؤال عن غايته، فكان أن "حكّمنا ضميرنا" واخترنا بعض العناوين المتقاطعة مباشرة مع مجال اهتمامنا، ولو لاحظنا ان رجلاً تقدم من الرفوف وأخذ يغرف منها كأنه أمام خزنة مليئة بالدولارات.‏

في الشكل‏

المساحة التي زادت 20 في المئة ظهرت جلية في حجم الأروقة والمساحة التي نالتها بعض الدور، وهو ربما ما ساعدها على الاهتمام أكثر بتجديد ديكوراتها، حيث طابقت غالبية التصاميم الموضوعة مواصفات وتقسيمات قاعة فرانكفورت، الأمر الذي استدعى تحسين نوعية المواد الهيكلية المستخدمة في التصميم، رغبة في رفع المستوى الدعائي والاعلامي للمعرض.‏

من الملاحظ أيضاً تلك المساحة الواسعة للكافيتيريا، وكذلك المكان الواسع المستحدث للأطفال وألعابهم، وهي خطوة ذكية تتوخى استمالة الأطفال في وقت مبكر.‏

عالم الأطفال‏

عام بعد آخر تتسع المساحة المخصصة للطفل، وتزداد الوسائل الدعائية والبصرية لنيل رضاه، فبعد أن كنا نعدد على الأصابع تلك الدور، ها هي اليوم تدخل بقوة إلى المعادلة وبطبعات فاخرة وأسعار مقبولة، وما عزز من نجاح الخطوات هو الديكور الذي أخذت بعض الدور بإيلائه الاهتمام اللازم. فمثلاً ها هي دار الآداب تقدم بوسترات كبيرة، هي عبارة عن قطع خضار كالخيار والكوسى مثلاً، وهي دعاية تتناول قصة للأطفال يدور مضمونها حول الخضار.‏

أما دار المؤلف فهي من الأقوى هذا العام، لتمكنها من عدة عناصر في آن، فمن حيث المحتوى هناك مجموعة سلسلات موجهة للطفل بشكل جميل وتربوي هادف، ومن حيث الشكل اختارت دار المؤلف أن تزين المساحة المخصصة لها بمجسمات كبيرة تمثل عناصر الغابة من شجر وورود وفراشات وعصافير، وكذلك هناك أشجار بلاستيكية تتدلى منها الثمار الملونة.‏

فنون‏

بين هذا الجناح وذاك، تستوقفك في المعرض مساحات لونية مختلفة، وخارجة إلى حد ما عن السياق العام، وهي تلك الأجنحة المخصصة للفنون التشكيلية والحرفية والتراثية، وهو أمر مستحب ومساعد على إراحة النظر من ناحية، ومن ناحية أخرى هي خطوة لتقريب الفن من الناس.‏

في جناح "علي، فكر، فن" نتوقف أمام مجموعة من العناصر البصرية الأخاذة، فهنا تتحول الكلمات الخالدات المستمدة من التراث الديني الاسلامي، إلى تحف فنية، مشغولة بحرفية عالية وذوق تشكيلي يجمع اصالة التراث بالمدارس الحديثة دون أن تشعر العين بنقلة كبرى.‏

إحدى الدور اختارت الرسوم الكاريكاتورية للجذب، في حين اختار دار الريس اليقطينة كعادته للفت الانتباه.‏

في جناح "المحترف" نتقدم أمام الجدار الأحمر وما عليه من شعارات بصرية لنكتشف أننا أمام مؤسسة تعنى بالتصاميم الاعلامية والاعلانية والتي يُدرج الكتاب ضمن لائحتها.‏

أمام جناح "نوادر" فنتوقف لنتأمل اللوحات النادرة المرسومة منذ سنوات طويلة تتجاوز المئة عام، وهي في مجملها تستلهم الشرق كمكان، وفكر أيضاً، وفي "نوادر" هناك مساحة للوثائق القديمة والمجلات التي كانت تصدر مطلع القرن الماضي كمجلة الدبور مثلاً، وهي التي عرفت بتوجهها الساخر اللاذع وبرسومها الكاريكاتورية الجريئة.‏

في مكان آخر من المعرض لفتتنا لوحات تجسد البيئة اللبنانية للفنانة ماري ايلين أبي صعب، التي اكتشفنا انها ترسم من خلال وضع الريشة في فمها بعد أن أصابها مرض عضال عطل حركة أوصالها.‏

انه معرض بيروت العربي والدولي للكتاب، وفي سنته الحادية والخمسين، يعلن أن بيروت ما زالت عاصمة للكتاب، حتى ولو أطلت عليها السحب السوداء من وقت لآخر.‏

عبد الحليم حمود‏

الانتقاد/ العدد1246 ـ 21 كانون الاول/ ديسمبر 2007‏

2007-12-19