ارشيف من : 2005-2008

الاعتصام يدخل عامه الثاني احتجاجاً على حكومة تنتهك الدستور: المعتصمون في إقامة دائمة حتى "الميثاقية".. ولو بعد سنتين

الاعتصام يدخل عامه الثاني احتجاجاً على حكومة تنتهك الدستور: المعتصمون في إقامة دائمة حتى "الميثاقية".. ولو بعد سنتين

يدخل اعتصام المعارضة الوطنية في ساحتي الشهداء ورياض الصلح عامه الثاني احتجاجاً على انتهاك حكومة الرئيس فؤاد السنيورة للدستور بمخالفتها مبدأ المشاركة في السلطة أولاً، والاستيلاء على صلاحيات رئيس الجمهورية ثانياً، فضلاً عن تعريض السلم الداخلي للخطر.
المعتصمون في الساحتين يستعدون لقضاء فصل الشتاء الثاني لهم في ساحتي الاعتصام، وقد أنهوا قبل أيام ورشة اعادة تأهيل الخيام لموسم المطر واتخذوا التدابير اللازمة لتفادي الرياح والعواصف، واستحدث بعضهم غرفاً خشبية وزودها بالأسرة والأغطية والتموين، متوقعاً ان تطول الاقامة بعد فراغ السلطة.
وباستثناء هذه التدابير لاحتواء غضب الطبيعة فإن قوى المعارضة لا تزال تمسك غضبها وتصر على الخيار السلمي في حل الخلافات السياسية المستحكمة في لبنان بين فريقين أحدهما يستدعي الوصاية الدولية ويستقوي بها للسيطرة على السلطة، فيما الثاني يرفض فكرة الاذعان للخارج. وترى المعارضة في الاعتصام أنه تحرك ديمقراطي للتعبير عن الرأي وإرغام الطرف الآخر على الحوار.
وخلال عام مضى لا يزال المشهد اليومي يُكرر نفسه في الساحتين، والذين راهنوا على تعب المعارضة خسروا الرهان، لأن الاعتصام يستمد قوته واستمراريته من ثبات المعارضة وتماسك القوى السياسية فيها، ووضوح الأهداف الوطنية الحقة، التي ترى ان لغة التوافق وحدها هي لغة لبنان.
لا تزال تتوسط ساحة الشهداء خيمة كبيرة كانت تستخدم لاستقبال الوافدين يومياً لحضور المهرجان الخطابي اليومي للمعارضة، فيما تتوزع خيام صغيرة على المساحات الفارغة التابعة لساحة الشهداء تستخدم للإقامة والنوم. وقد استحدث المعتصمون ملعبا لكرة القدم وآخر لكرة السلة، فيما تم استقدام آلات رياضية للياقة البدنية.
وتحتوي خيام الاقامة والنوم على مستلزمات الراحة التامة من فرش وأغطية الى جانب مطابخ صغيرة مزودة بأدوات المطبخ الى جانب البرادات والغسالات بما يضمن راحة جميع المعتصمين طوال فترة وجودهم في الساحة من دون الحاجة الى مغادرتها أو انتظار وصول الغذاء والماء أو التموين، وقد اعتاد المعتصمون على حل مشاكل الاقامة بأنفسهم من دون الحاجة الى الامدادات اليومية من الخارج، وربما شكل ذلك أحد أهم عناصر الثبات والاستمرارية.
لا يختلف المشهد في ساحة رياض الصلح عما هو عليه في الساحة المقابلة الا لجهة قربها من السرايا الحكومي حيث يُمعن الرئيس فؤاد السنيورة في المخالفات الدستورية.
وعلى الرغم من تعليق المنبر الخطابي اليومي اثر اندلاع مواجهات نهر البارد بين الجيش اللبناني وتنظيم فتح الإسلام، فإن ساحة رياض الصلح لا تزال تحافظ على برنامجها المعتاد، فعمود النور الموجه نحو القصر الحكومي يضرب الطابق الأخير من السراي، وأناشيد قوى المعارضة ترتفع مساء كل يوم لتذكر حاكم السرايا بأن الاعتصام ساري المفعول حتى العودة الى القانون والدستور.
بعض الذين التقينا بهم خلال جولتنا لم يتركوا الساحة منذ سنة، فهم اعتادوا على المكان، خصوصاً بعدما حولوه الى مقر دائم للإقامة فيه، واستطاعوا خلال الأشهر الثلاثة الأولى من الاعتصام تأمين جميع وسائل الحياة المنزلية، فتم وضع خزانات لمياه الشرب، وتأمين نقل المياه العذبة اليها يومياً، وأقيمت الحمامات في جميع انحاء الساحتين، وتم تركيب أجهزة تعمل على الطاقة الشمسية من أجل تأمين المياه الساخنة للاستحمام. وساهمت هذه الخدمات في اقناع غالبية المعتصمين بالبقاء لأطول مدة ممكنة في الخيام.
وكما في فصل الصيف تم تركيب المكيفات والمراوح، فإن الجهات المنظمة سعت الى تأمين التدفئة لجميع الخيام وذلك من خلال توزيع دفايات تعمل على الغاز وأخرى تعمل على الكهرباء المتوافرة على مدار الساعة عن طريق المولدات التي تعمل  بعد انقطاع التيار مباشرة.
لم يقتصر الأمر عند هذا الحد، فتم تأسيس مكتبة عامة للمطالعة، يرتادها المعتصمون والزوار لقراءة الصحف اليومية، ويسمح نظامها الداخلي باستعارة الكتاب لمدة أسبوع من دون مقابل.
ولضمان استمرارية الاعتصام اتخذت قوى المعارضة تدابير خاصة لتأمين العدد المطلوب من الشباب الذي يسمح للاعتصام بالاستمرارية، وتتوزع قوى المعارضة ادارة ساحتي الاعتصام على المستويات كافة من توفير مستلزمات الاقامة الدائمة للمعتصمين والاشراف على تنظيم الخيام والمحافظة على النظام العام وصولاً الى تنظيم المناوبة للأفراد الى جانب السهر على أمن المخيم ومنع المندسين من التسلل وارتكاب أعمال مخلة بالنظام.
ويعتبر نظام المناوبة الذي اتبعته المعارضة من أهم اسباب ديمومة الاعتصام، وقد اكتسب المنظمون خبرة في هذا المجال، ويؤكدون ان التجربة تسمح لهم بإقامة العديد من الاعتصامات في انحاء أخرى من بيروت وحتى في مدن المحافظات الأساسية.
ومن الأمور اللافتة ان قوى المعارضة تمكنت من المحافظة على أمن المخيم في منطقة تشكل وسطاً مالياً واقتصادياً وسياسياً للعاصمة، وتتقاطع فيه المسؤوليات الأمنية تحديداً، فشارع المصارف يقع تحت أمرة قيادة الجيش التي تؤمن الحماية للسراي، بينما الشوارع المؤدية للمجلس النيابي تقع تحت مسؤولية شرطة مجلس النواب، ويتولى رجال أمن تابعون لمقر الأسكوا تنظيم الدخول الى مقر الأمم المتحدة وعلى مسؤوليتهم الخاصة. وخلال سنة من الاعتصام استطاعت المعارضة وانطلاقاً من ايمانها بالتفاهم مع الجميع من أجل السلم الأهلي التنسيق التام مع الجهات الأمنية ومع أصحاب المؤسسات التجارية والمالية حفاظاً على مصالح المواطنين.
ويؤكد المعتصمون انهم على استعداد لقضاء سنة أخرى واذا اقتضت المصلحة الوطنية أكثر من ذلك، ولا بأس في استمرار الاعتصام حتى الانتخابات البرلمانية المقبلة بعد سنتين، ويبدو أن قوى الاعتصام لن تتردد في ممارسة حقها الديمقراطي في الاحتجاج السلمي على حكومة تفتقر الى الشرعية الدستورية وتتفرد في السلطة والحكم بما يهدد مستقبل لبنان.
قاسم متيرك
الانتقاد/ العدد 1243 ـ 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 2007

2007-11-30