ارشيف من : 2005-2008

التحريض الأميركي الجديد للفريق الشباطي‏ محاولة لشد أزره ومنعه من الانهيار

التحريض الأميركي الجديد للفريق الشباطي‏ محاولة لشد أزره ومنعه من الانهيار

عندما وقف الرئيس الأميركي جورج بوش قبل نحو ثلاثة أسابيع ليعلن بصريح العبارة أنه مستعد "والعالم كله" للاعتراف برئيس ينتخبه فريق 14 شباط بنصاب النصف زائد واحدا، كان التعليق المباشر لأحد أقطاب هذا الفريق ان هذا الكلام جاء متأخراً شهرين عن موعده الطبيعي، فيما كانت الغالبية العظمى من هذا الفريق تلتزم الصمت حيال هذا التعهد الأميركي الجديد حيالها، ولا تبدي أي حفاوة أو اهتمام به، خلافاً لعادتها مع كل إشارة دعم تأتيها من واشنطن.
ولم يكن غريباً أن يبادل هذا الفريق دعوة تأتيه من رئيس الدولة العظمى في العالم بهذا القنوط وبهذه البرودة، وهو الذي تباهى وتفاخر حد التيه في الماضي بهذا "المدد والرفد" الغربي يأتيه بكرةً وأصيلاً.
فالمطّلع على سريرة هذا الفريق وأسراره شعر بأنه بدأ يشعر بالخذلان الأميركي له ولطروحاته وتوجهاته في شأن مستقبل ملف الانتخابات الرئاسية قبل أكثر من شهرين من مهلة انتخاب الرئيس، وبالتحديد عندما عاد النائب وليد جنبلاط من زيارته الأخيرة للعاصمة الأميركية وهو يقيم على قناعة تامة بأن القيمين على الملف اللبناني في أروقة الإدارة الأميركية لن يغطوا خطوة هذا الفريق بالخيار الأخير لديه للإتيان برئيس من نسيجه، وهو خيار انتخاب بنصاب النصف زائد واحدا.
وقد زاد رسوخ هذه القناعة لدى هذا الفريق عندما فوّض الرئيس الأميركي نظيره الفرنسي ساركوزي مهمة إيجاد حل للاستحقاق الرئاسي اللبناني، وكان جلياً أن الوسيط الفرنسي إنما يتبنى في تعاطيه مع هذا الاستحقاق نظرية التفاهم على انتخاب رئيس يحظى بالغالبية الساحقة من أصوات النواب، أي أقرب إلى حد ما من نظرية المعارضة في هذا الإطار القائمة على فكرة التفاهم على رئيس توافقي وعلى تفاصيل مرحلة ما بعد هذا الرئيس، انسجاماً مع مبدأ سلة الحل المتكاملة.
ومن يومها أدرك الفريق الشباطي الى حد بعيد أن المعارضة باتت تملك القسم الأكبر من أوراق اللعبة الداخلية، بما فيها الملف الرئاسي، خصوصاً أن الفريق عينه كان أيقن نتيجة تجارب ورسائل ميدانية وعملانية، أن المعارضة قد نجحت إلى حد بعيد في إقامة معادلة قوة داخلية في طول لبنان وعرضه كانت ستقلب مجرى الأمور رأساً على عقب فيما لو مضت الموالاة في رحلة انتخاب رئيس من لونها أو يتبنى طروحاتها.
وهو واحد من المعطيات الأساسية التي مَثُلت بعناد، وجعلت الإدارة الأميركية تكف أصلاً عن تبني خيار الانتخاب بنصاب النصف زائد واحد وتغطيته، ودفع الفريق اللبناني الدائر في فلكها إلى تبنيه والعمل بهديه، لأنها كانت وما زالت على يقين بأن ذلك سيكون مدخلاً لفوضى دستورية عارمة ستفضي حتماً إلى الإطاحة بحضورها وبكل ما تعتقد أنه مكاسب حققتها على الساحة اللبنانية منذ نحو عامين ونيف.
ولم يعد خافياً ان فريق الموالاة ومعه الإدارة الأميركية وبرغم كل حملات التهويل التي شنوها، لم يستطيعوا تأمين سند دعم مادي ومعنوي ودستوري يشرعن هذا النصاب ويسوّق هذا الخيار الشاق ويخفف من انعكاساته وتداعياته السلبية.
فالمعلوم أن ثمة موجة رفض عارمة نهضت في وجه هذا النصاب منذ أن حاولت الموالاة جعله حقيقة، كان أبرز معالمها:
موجة رفض من داخل فريق الأكثرية عبّرت عنها شخصيات عاقلة تُدرج عادة في خانة الحكماء السياسيين، أمثال النائبين غسان تويني وبهيج طبارة، علماً أن الأخير نشر دراسة قانونية في صحيفة "السفير" تنسف بالشكل والمضمون كل الأسس التي يمكن أن تقوم عليها نظرية نصاب النصف زائد واحد.
وإلى جانب ذلك برزت أيضاً معارضة «التكتل الطرابلسي» ورئيسه الوزير محمد الصفدي لهذا الخيار، إضافة إلى أن نائبين من مرشحي فريق 14 شباط للرئاسة هما النائبان بطرس حرب وروبير غانم جاهرا صراحة برفض انتخابهما على أساس نصاب النصف زائد واحدا، وبأنهما لن يذهبا إلى أي جلسة لمجلس النواب لا يحضرها ثلثا أعضاء المجلس. وعليه فقد قيل في هذا الاطار ان فريق 14 شباط بات أعجز من توفير حضور النصاب الذي يتدثر به ليمرر انقلابه، وبالتالي اقتناصه الرئاسة الأولى كما اقتنص في السابق رئاسة الحكومة والحكومة.
 موجة رفض من أصحاب التجربة الدستورية الطويلة في الحكم وفي طليعتهم الرئيس الأسبق لمجلس النواب الرئيس كامل الأسعد الذي أرسل أكثر من بيان صحافي يؤكد فيه لا دستورية أي انتخاب لرئيس بنصاب حضور يقل عن الثلثين، مذكراً في هذا المجال بتجربة انتخاب بشير الجميل في خريف عام 1982 في ثكنة الفياضية، حيث بقيت الجلسة مفتوحة ساعات حتى تأمن نصاب الثلثين.. ومذكراً أيضاً بأن كل جلسات انتخاب الرؤساء السابقين جرت بنصاب الثلثين.
 الغالبية العظمى من الخبراء الدستوريين الموثوقين أكدوا بطلان أي انتخاب بنصاب النصف زائد واحداً.
 موقف البطريركية المارونية الواضح والجلي بعدم تغطية أي انتخاب لا يكون بنصاب الثلثين، برغم أن هذه المرجعية دعمت الكثير من توجهات الفريق الشباطي وغطت مسلكه وأداءه في الكثير من المناسبات.
وعليه، ولأن كل جهود فريق الموالاة الحثيثة أخفقت في نجاحه بسرقة الرئاسة الأولى، ولأنه شعر بأن حسابات الإدارة الأميركية خذلته في اللحظات  المفصلية، ولأنه أدرك أن زمام الأمور باتت في يد المعارضة، وأن الوقت صار عاملاً يلعب لمصلحتها في قابل الأيام، لجأ هذا الفريق إلى اعتناق نظرية "الحد من الخسائر" التي ابتدعها أصلا النائب جنبلاط، وهي النظرية التي على أساسها قبل الفريق عينه بشكل مفاجئ بتبني قائد الجيش العماد ميشال سليمان مرشح تسوية.
وكان واضحاً أن هذا الفريق كان يسعى "لإرشاء" المعارضة بهذا القائد الذي يدرك أنه مقبول منها، ولكن على أساس أن تكون له حرية الحركة في المرحلة المقبلة، أي أن يمسك هو بالحكومة وبالإدارة، وهو أمر لم "ينطلِ" على المعارضة التي شرعت في خوض معركة تحت عناوين جديدة، وهي معركة الحلّ المتكامل الذي يؤمن حصانة للرئيس المقبل، ويوفر في الوقت عينه حلاً جذرياً للأزمة الضاربة بعناد منذ أكثر من عام، وتقبض على خناق البلاد والعباد.
وفي هذه المرحلة بالذات عادت واشنطن مجدداً إلى مقاربة الأزمة اللبنانية، ولكن من بوابة منع أي تفاهم أو الحيلولة دون أي تسوية تفضي إلى شراكة وطنية حقيقية وإلى توافق بين المعارضة والموالاة على كل العناوين الخلافية.
ولكن المعلومات تؤكد أن ولش عاش خيبة أمل حقيقية وصدمة كبرى عندما لم يجد الفريق الأميركي في الساحة اللبنانية على عهد الإدارة الأميركية به، إذ وجده على حافّة الإحباط والقنوط وعلى شفا حفرة من الانهيار وانفراط عقده واختفاء "روح المقاومة" لديه، لدرجة أن البعض أورد "مناخات" فحواها أن هذا الفريق أبدى تحفظاً على خطوة تدعم معنوياته وتقوم على أساس البحث بفكرة مجيء وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس إلى لبنان لشد أزره، انطلاقاً من أن مثل هذه الزيارة ستزيد وضعه سوءاً، وأنه لن يتحمل تبعاتها. في حين نُقل عن جنبلاط قوله: "أنا لا أهتم لمجي‏ء ولش ولكلامه، ولن أصدق أن الأميركيين يدعموننا حتى أرى بعيني ومن قصر المختارة الأسطول السادس في البحر قبالة السواحل اللبنانية".
وعليه فإن البعض يبني على هذا الإحباط الذي وجده موفد الإدارة الأميركية إلى بيروت، ليقول عن تأييد بوش المتأخر لنصاب النصف زائد واحد، إنه أتى محاولة للحيلولة دون الانهيار المريع والسقوط المدوي للفريق الأميركي في لبنان.
وفي كل الأحوال فإن هذا الأمر سيطيل أمد الأزمة في لبنان، ولكنه لن يفك أزمة فريق السلطة، ولن يمكنه إلا من بعض الخطوات الهزيلة التي تقوم بها حكومة السنيورة الساقطة.
إبراهيم صالح‏
الانتقاد/ العدد1247 ـ 28 كانون الاول/ ديسمبر2007

2007-12-28