ارشيف من : 2005-2008
التحدّي الصعب: المواضيع الانسانية ذات الصلة بالمشاعر والعواطف
أن يعمل كاتب السيناريو على طرح فكرة تاريخية وأخرى انسانية، فإن الأمر في الأولى يبدو أصعب.. لكن الحقيقة أن القصة التاريخية مكتملة العناصر ولا يحتاج الكاتب معها إلاّ لتظهيرها بأسلوبه الخاص. أما الصعوبة والمشقة فهي في طرح الفكرة الإنسانية وتشعّباتها، فالمسائل دقيقة جداً وحساسة، ومن الذي يستطيع أن يمسك بزمام النفس البشرية، وما تعانيه وما تكابده، وماذا عن حكايات الصراع النفسي التي تحتدم داخل كل واحد منا؟
ولئن كانت السيناريوهات التاريخية موجودة وملقاة، تنتظر معالجة المهتمين أو العاملين عليها، فإن القصص الاجتماعية والإنسانية موجودة بشكل أكثف وأقوى، لكن العبرة هي في ذكاء القلم الذي يختار الحديث عنها، فنظراً لحساسية المواقف قد تخطئ وقد تصيب، وقد ينجح العمل وقد يكون مآله الفشل.
من كل هذا التقديم أفضي إلى استعراض العمل النموذج، وهو مسلسل سوري بسيط، سها عنه الكثيرون وسط زحمة الأعمال الرمضانية، لكن بعد انتهاء الموسم الرمضاني تسنّى لي متابعته بهدوء أكبر..
يحمل المسلسل عنوان "على حافة الهاوية" وهو للكاتبة السورية المميّزة أمل حنا، ومن إخراج المثنى صبح.
عمل القائمون بالعمل على إقحام العديد من أسماء الصف الأول من الممثلين السوريين والممثلات، فالأدوار تتوزع على جمال سليمان وكارليس بشار وعباس النوري وباسل خياط وسمر سامي وأيمن رضا وشكران مرتجى وغيرهم.. والعقدة الأساسية لكل العمل هي المشاكل التي يعاني منها الأبناء نتيجة الخلافات الزوجية، والطلاق تحديداً..
براعة الكاتبة استطاعت أن ترسم لوحة من العلاقات بين أبناء بناية واحدة، وشلة أصدقاء واحدة.. والأكثر بطولة هو باسل خياط المصاب بالكثير من العقد النفسية والتأتأة بسبب قسوة والده وبخله وتعامله الظالم معه والهوّة التربوية الكبيرة التي تفصله عن عائلته.
نادر الصديق الحميم والمقرّب يعاني ويكبح مشاعره بسبب انفصال والديه (جمال سليمان وسمر سامي) وإن كانت مشاكل الذكور مقدوراً عليها، فالمشاكل الأكبر هي عند البنات، لوليا.. فتاة طُلقت أمها منذ طفولتها.. تعاني الكثير من زوجة أبيها وتحمل في داخلها كرهاً عميقاً وحقداً كبيراً على والدتها.
صديقتها كذلك تملك نفس المقدار من الكره والحقد لأمها.. التي تخلّت عن زوجها المريض وتركته لتتزوج آخر..
أحياناً نقول لأنفسنا، قد لا يكون الطلاق بهذه الفظاعة، لكن حينما نرصد إحساس النفس البشرية التي تعاني وتكابد ـ عند الأولاد تحديداً ـ يصبح المرء ينظر بمنظار آخر..
لوليا عانت الكثير نتيجة تخلي أمها عنها، وأبوها لم ينصفها كثيراً، تحاول التعويض في صداقاتها ودراستها، ويصل الأمر بها للزواج وهي بعد في عمر المراهقة، والزواج يفضي إلى عالم متشابك من المشاكل..
صديقتها الأخرى تواجه المشاكل المدرسية والخصومات، لأنها فتاة مراهقة تعاني من وحدتها مع أبٍ مريض يُحاول الانتحار كلما سنحت له فرصة.. وأمها تواكب رفاهية الحياة مع زوج آخر..
هكذا بكل بساطة، تدخل الكاتبة إلى عالم النفس البشرية، لتغوص فيها وترصد إحساسها المتناقض، من الحب إلى الكره إلى الحقد إلى الشفقة إلى اللؤم.. يشعر المشاهد أنه أمام مرآة تكشف له نفسه من الداخل وما يجيش فيها من مشاعر وأحاسيس..
ومعالجة اجتماعية وإنسانية من هذا النوع تطرح أكثر من اشكالية:
ـ هل يكون انعكاس الطلاق على الأبناء الذكور أقل تأثيراً منه على البنات؟
ـ أوليست المشاكل النفسية التي نمرّ بها في مراحل معيّنة تأتي نتيجة لما نعانيه أو نشعر به أو نكابده من حرمان أو أحلام؟
وللحقيقة فإن المسلسل يطرح أكثر من سؤال، ويقدّم أكثر من واقع معيش عند جيل المراهقين والمراهقات، وفي العلاقات الزوجية كذلك، وقد أجادت الكاتبة في حبكة بنائها الدرامي الذي وصل الأمور ببعضها لتخرج الصورة كما خرجت.
"على حافة الهاوية" عمل جدير بالمتابعة، ليضع المشاهد في موقف المتأمّل والمتسائل، ما الذي تفعله التفاصيل الصغيرة بنا؟ والى أين قد نصل في حياتنا وعلاقاتنا، نتيجة لواقع معيّن.
والمسلسل يعرض حالياً على قناة MBC وعلى تلفزيون قطر بعد أن تمّ عرضه على قناة دبي حصرياً خلال شهر رمضان المبارك.
فاطمة بري بدير
الانتقاد/ العدد1247 ـ 28 كانون الاول/ ديسمبر2007