ارشيف من : 2005-2008
يوم الغدير: التبليغ بالولاية في الكتاب والسنة
أخذ يوم الغدير، يوم تعيين خليفة النبي الأكرم(ص) والبيعة له بالولاية على المسلمين من بعده(ص)، مكانته المرموقة، وتبوَّأ سدة الحجة الدامغة، من خلال مصدَرَي التشريع الأساسيين، كتاب الله تعالى أولاً، وسُنة نبيه(ص) ثانياً، فمن جهة المصدر الأول كانت الآية الكريمة الواردة في سورة المائدة "يا أيها النبي بلِّغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس"، هي الركن الأساسي الذي ينص على تبليغ الناس بولاية الإمام علي(ع) من بعد النبي(ص)، أما من جهة المصدر الثاني، وهو السنة النبوية الشريفة، فإن الحديث المباشر عن النبي(ص) بولاية الإمام علي(ع) قد تواتر عنه في أكثر من مناسبة، ومنها مناسبة يوم الغدير حيث قال(ص): "من كنت مولاه فعلي مولاه".
آية التبليغ وتفسيرها
اعتنى علماء التفسير ـ ومنهم العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان ـ في معرض شرحهم وتفسيرهم المتعلق بالآية الكريمة التي تتحدث عن التبليغ "يا أيها النبي بلغ ما أنزل اليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس"، بجملة من الأمور التي لا بد من تبيانها لإيضاح بعض الشبهات والآراء التي تفسر الآية الكريمة بغير واقعها أو مورد نزولها، ومنها، أن الآية متصلة بما قبلها وما بعدها، أي أنها تتحدث عن أهل الكتاب وخشية النبي(ص) من تبليغهم الدعوة، أو أنها نزلت في بداية البعثة، أو حول معناها وهو أن المقصود بالتبليغ هو أصل الدين أو مجموعه، فأوضحوا رداً على ذلك بالتالي:
ـ عدم اتصال الآية بما قبلها من الآيات، وعدم اتصالها بما بعدها أيضاً، فتلك الآيات تتحدث عن أهل الكتاب، واليهود عند نزول سورة المائدة (التي تتضمن آية التبليغ) كانت شوكتهم قد كسرت، وخمدت نيرانهم، وخضعوا مع غيرهم للجزية بعد أن دخلوا في السلم، وقد بلَّغهم النبي(ص) الكثير من الأمور التي كان وقعها عليهم شديداً، ولم يخف منهم أو يخشاهم، كتبليغه التوحيد ونفي الوثنية، وعليه ـ بحسب الطباطبائي ـ لا ينبغي الارتياب في أن الآية لا تشارك الآيات السابقة عليها واللاحقة لها في سياقها، ولا تتصل بها في سردها، وإنما هي آية مفردة نزلت وحدها.
ـ عدم نزول هذه الآية في بداية البعثة، فالنبي(ص) أجلُّ من أن يستنكف عن تبليغ الرسالة، والسياق القرآني الذي كان يأمره بتبليغ الدعوة يدل على ذلك: "يا أيها المدثِّر قُم فأنذر".
ـ عدم كون المراد من التبليغ هو أصل الدين أو مجموعه، لأنه بذلك يصبح معنى قوله "وإن لم تفعل فما بلغت رسالته"، نظير: "وإن لم تبلِّغ الدين فما بلغت الدين"، وهذا مخالف لبلاغة القرآن الكريم.
ويخلص العلامة الطباطبائي بعد تفصيل مسهب يفند فيه كل الآراء التي تنسب الآية الى غير مورد نزولها، الى أن هذا يؤيد ما وردت به النصوص من الفريقين (الشيعة والسنة) حول نزول الآية في أمر ولاية علي(ع)، وأن الله أمر بتبليغها، وكان النبي(ص) يخاف أن يتهموه في ابن عمه ويؤخر تبليغها وقتاً الى وقت، حتى نزلت الآية فبلغها بغدير خم، وقال فيه: "من كنت مولاه فعلي مولاه".
حديث التبليغ
عُدَّ حديث الغدير الذي نص على ولاية الإمام علي(ع) حديثاً متواتراً، وهو منقول من طرق الشيعة والسنة بما يزيد على مئة طريق، وقد رُوي هذا الحديث عن جمع كثير من الصحابة، ومنهم عمر بن الخطاب وسلمان الفارسي وعبدالله بن عباس وغيرهم، وقد أجمع عليه أئمة أهل البيت(ع)، حيث جاء في تفسير العياشي، عن حنان بن سدير عن أبيه، عن أبي جعفر(ع) قال: "لما نزل جبرائيل على عهد رسول الله (ص) في حجة الوداع بإعلان أمر علي ابن أبي طالب (ع) "يا أيها الرسول بلِّغ ما أنزل اليك من ربك فإن لم تفعل فما بلَّغت رسالته والله يعصمك من الناس"، قال: فمكث النبي (ص) ثلاثاً حتى أتى الجحفة فلم يأخذ بيده فَرَقاً من الناس. فلما نزل الجحفة يوم غدير خم في مكان يقال له "مهيعة" فنادى: الصلاة جامعة. فاجتمع الناس فقال النبي (ص): من أولى بكم من أنفسكم؟ فجهروا فقالوا: الله ورسوله. ثم قال لهم الثانية، فقالوا: الله ورسوله. ثم قال لهم الثالثة، فقالوا: الله ورسوله. فأخذ بيد علي (ع) فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، فإنه مني وأنا منه، وهو مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي".
في سياق متصل يقول العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان: إن يوم التبليغ بالولاية الذي جاء النص به في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه(ص)، هو المقصود في قوله تعالى "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً".
عدنان حمّود
الانتقاد/ العدد1247 ـ 28 كانون الاول/ ديسمبر2007