ارشيف من : 2005-2008

يوم الغدير يوم تكريسها: الولاية سلطة إلهية لتطبيق أحكام الرسالة

يوم الغدير يوم تكريسها: الولاية سلطة إلهية لتطبيق أحكام الرسالة

تطلق كلمة الغدير ويقصد بها غدير خم، وهو أرض تقع بين مكة والمدينة قرب «الجحفة»، وهي في الواقع مفترق طرق يصل إليه الحجاج بعد إتمامهم مناسكهم.. وكل يتوجه إلى بلده: فطريق يتوجه إلى المدينة، وآخر يذهب إلى العراق، وطريق يذهب إلى مصر وطريق إلى اليمن.
وهذهِ الأرض هي اليوم أرض قفراء لا ضرع ولا زرع، لكنها شهدت حادثة من أهم حوادث التاريخ الإسلامي، وهي تنصيب الإمام علي عليه السلام في الثامن عشر من ذي الحجة في السنة العاشرة للهجرة، ولياً على المسلمين بأمر من الله تعالى.
ففي المناقب الفاخرة للسيد الرضي رحمه الله عن محمد بن إسحاق عن أبي جعفر عن أبيه عن جدّه قال: لما انصرف رسول الله (ص) من حجة الوداع نزل أرضا يقال لها ضوجان، فنزلت هذه الآية: "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس".. فلما نزلت عصمته من الناس نادى: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس إليه، وقام فيهم خطيباً. وبعد أن حمد الله تعالى وأثنى عليه وأخذ منهم الإقرار على الرسالة نعى إلى الأمة نفسه، ثم أخذ بيد علي وقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله.. إذاً هم يعترفون بالآية الكريمة: "النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم". وبعد ذكر هذه القرينة وتأكيد أن الولاية ليست حباً ومودّة فقط، بل تفسير وتطبيق ومضمون للآية، وحينما قالوا: بلى يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فهذا علي مولاه.. ثم رفع يديه قائلاً: اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله.. ثم أمرهم بأن يبايعوا علياً وأن يسلّموا عليه بإمرة المؤمنين.
وإذا لم تكن ولاية النبي كما ولاية أمير المؤمنين محبة ومودة فقط، فما هي إذن؟ هي ما تضمنه الحديث الشريف المتواتر: "بُني الإسلام على خمس: الصلاة والزكاة والحج والصيام والولاية، وما نودي بشيء مثل ما نودي بالولاية".
ما هي الولاية التي هي أهم من الصلاة والزكاة والحج والصيام؟ لأن الحديث يتابع فيقول: "ولو أن أحداً قام ليله وصام نهاره وحجّ دهره وتصدّق بجميع أمواله ولم يكن ذلك بدلالة ولي الله، فلن يقبل الله منه".
ما هي الولاية التي لها في الإسلام هذا الأثر العميق والدور العظيم؟
الولاية مضمون الآية الكريمة: "النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم"، وأولوية رسول الله بأمته وأنفسهم معناها وجوب إطاعته(ص). وقد بيّن رسول الله (ص) نفسه هذا المعنى عند نزول الآية أعلاه، حيث سألوا فقالوا: يا رسول الله، ما هذه الولاية التي أنتم بها أحقّ منّا بأنفسنا؟ فقال: السمع والطاعة في ما أحببتم وكرهتم. فقالوا: سمعنا وأطعنا.. فأنزل الله تعالى:
"واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقَه الذي واثَقَكم به إذ قُلتم سمعنا وأطعنا" (المائدة: 7).
 ووجوب إطاعة الرسول غير وجوب إطاعة الله، وإن كانت مشتقة من إطاعة الله.. فإطاعة الله تعني الإسلام لله والتسليم لأمر الله، وتطبيق قوانين الله الموجودة في القرآن والأحاديث النبوية. وقيامنا بالواجبات وامتناعنا عن المحرمات وامتثالنا الأوامر والنواهي التي جاء بها رسول الله من عند الله هي في الحقيقة إطاعة الله، وليست إطاعة لرسول الله. فإذا قال رسول الله: هذا واجب وهذا حرام، افعلوا ولا تفعلوا، ونحن أطعنا هذا القول وطبّقنا هذا التعليم، فقد أطعنا الله لا الرسول. إطاعة الرسول هي هذه التي جاءت بعد إطاعة الله في قوله تعالى: "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم"، فطاعة الرسول لها معنى آخر يختلف عن معنى إطاعة الله. وهي شيء آخر غير تنفيذ الواجبات والمحرمات والأوامر والنواهي.
إطاعة الرسول كوليّ للأمر وحاكم إنما هي في تطبيق أوامره التنفيذية. الرسول (ص) بعدما بلّغ أمته الرسالة الإلهية أخذ يطبّق تعاليمها على الأمة، وتطبيق هذه التعاليم عبارة عن تشريعات تطبيقية. ولكنه تشريع في إطار التشريع الكبير الذي هو من صنع الله سبحانه وتعالى.
إذاً كان النبي (ص) يأمر وينهي لأجل تطبيق شريعة الله، وهذا ما نسميه "التشريع في الولاية". هنا يتبين معنى وجوب إطاعة الرسول في اطار ولايته، ومن بعده إطاعة علي وأولي الأمر هي إطاعة في حقل التطبيق. ما يعني أن الولاية سلطة إلهية لتطبيق أحكام الله، وبالتالي تحقيق أهداف الدين.
ولأنّ الولاية تشريعات تطبيقية في إطار تشريعات الوحي تبرز الحاجة هنا إلى النص.. الحاجة لأن يكون الدين والتشريع سماوياً وإلهياً لا أرضياً من صنع الفكر الإنساني، لأنّ الإنسان العاقل مهما كان محيطاً ومهما كان واسع الاطلاع يتأثر بالعوامل الأرضية، يتأثر بمصالحه وبمنافعه الفردية والعائلية والإقليمية والعنصرية.. يتأثر بالثقافات السابقة والآمال وبحدود تفكيره. فأي شريعة وأي قانون يكون من صنع الفكر الإنساني حتما يتأثر ببعض ما يتأثر به الإنسان، وبالتالي لا يمكن أن يكون لكل الناس.. قد يكون للأكثرية، وقد يكون للأقلية الحاكمة.. هذا المبدأ يفرض الحاجة الى تشريع إلهي لا يتأثر بشيء مما سبق ذكره، ويكون من عند لله ربّ الإنسان وربّ كل شيء.
وللسبب نفسه الذي يجعلنا نلتمس شريعة سماوية فوق كل تأثير ونقول إن النبي يجب أن يكون من قبل الله، نقول ان الولي بعد النبي يحتاج إلى النص عليه من قبل الله. ولهذا فالولاية مقام عظيم تفترض أن يكون الولي أرفع أبناء أمته على الإطلاق حتى يسمو عن جميع النزعات والمصالح الخاصة، فيكون مصداقاً لقول رسول الله في أمير المؤمنين علي (ع):" علي مع الحق يدور معه كيفما دار". هذا إلى جانب كونه العالم بالشريعة وبأحكام الدين بمستوى أمير المؤمنين الذي وصفه رسول الله (ص) بقوله: "أنا مدينة العلم وعلي بابها".
اسماعيل زلغوط
الانتقاد/ العدد1247 ـ 28 كانون الاول/ ديسمبر2007

2007-12-28