ارشيف من : 2005-2008
نور الولاية: في بعض الآداب القلبية للاستقبال
اعلم أيها السالك إلى الله أنك إذا صرفت وجهك الظاهر من الجهات المتشتتة لعالم الطبيعة وتوجهت إلى النقطة الواحدة فقد ادّعيت فطرتين من الفطر التي خُمّرت بيد الغيب واختفيت في ذاك. وقد خمّر الحق تعالى طينتك بها بيدي الجلال والجمال، وقد أظهرت هاتين الحالتين الفطريتين بصورة ظاهرة دنيوية وأشهدتهما بها، وأقمت البينة على عدم احتجابك من نور هاتين الفطرتين الإلهيتين. والبينتان هما صرف الظاهر عن الغير والتوجه إلى القبلة التي هي محل ظهور يد الله وقدرة الله. وهاتان الفطرتان الإلهيتان إحداهما هي التنفّر عن النقص والناقص، والثانية هي العشق للكمال والكامل. وهذان اللذان أحدهما أصلي ذاتي والثاني تبعي ظلّي من الفطر التي خُمرت بها جميع عائلة البشر من دون استثناء أحد منهم. ففي جميع سلسلة البشر مع اختلافهم في العقائد والأخلاق والطبائع والأمزجة والأمكنة والعادات، في البدوي منهم والحضري والوحشي والمتمدن والعالم والجاهل والإلهي والطبيعي، هاتان الفطرتان مخمرتان، وإن كانوا هم محجوبين عن هذه الفطرة ويختلفون في تشخيص الكمال والنقص والكامل والناقص. فذاك الوحشي السفّاك الفتّاك القتّال يرى الكمال في أن يغلب على نفوس الناس وأعراضهم، ويرى السفك والقتل كمالاً فيصرف فيه عمره. وذاك الطالب للدنيا الطالب للجاه والمال يرى الكمال بالمال والجاه فيعشقهما.
وبالجملة فصاحب كل مقصد يرى مقصده كمالاً وصاحبه كاملاً ويعشقه ويتنفّر عن غيره. فالأنبياء عليهم السلام والعلماء بالله وأصحاب المعرفة قد جاؤوا ليخرجوا الناس عن الاحتجاب ويخلصوا نور فطرتهم من ظلمات الجهل ويفهموهم الكامل والكمال، فإنهم بعدما عرفوا شخص الكمال والكامل فالتوجّه إليه وترك غيره لا يحتاج إلى الدعوة، بل نور الفطرة هو أعظم هادٍ إلهي، وهو موجود في جميع سلالة البشر.
وفي هذا المعجون الإلهي، أعني الصلاة التي هي معراج القرب الإلهي، والاستقبال إلى القبلة والتوجّه إلى النقطة المركزية ورفع اليد وصرف الوجه عن الجهات المتفرقة، ادعاء بأن الفطرة قد تيقّظت وخرج نور الفطرة عن الاحتجابات، وهذا الادّعاء حقيقي بالنسبة إلى الكمّل وأصحاب المعرفة، وأما بالنسبة إلينا أصحاب الحجاب فأدبه أن نفهّم القلب أنه لا كمال ولا كامل في جميع دار التحقق سوى الذات المقدسة الكاملة على الإطلاق، فإن تلك الذات المقدسة كمال بلا نقص وجمال بلا عيب وفعلية بلا شوب القوة وخير بلا اختلاط بالشرّ ونور بلا شوب ظلمة، وما يوجد في جميع دار التحقق من الكمال والجمال والخير والعزّة والعظمة والنورانية والفعلية والسعادة فهو من نور جمال تلك الذات المقدسة، وليس لأحد شركة للذات المقدسة في كمالها الذاتي، وليس لموجود جمال ولا كمال ولا نور ولا بهاء إلا بجمال تلك الذات المقدسة وكمالها ونورها وبهائها.
(*) من كتاب "الآداب المعنوية للصلاة" للإمام الخميني (قده).
الانتقاد/ العدد1247 ـ 28 كانون الاول/ ديسمبر2007