ارشيف من : 2005-2008
نقطة حبر: إشعاع الفكر عند ابن سينا
ذهب حكماء العالم الإسلامي إلى أنه يمكن للنفوس البشرية بواسطة الاتصال بالعوالم الغيبية والأنوار الإلهية والفيوضات اللامنتهية، أن تخرج من مقام العقل «الهيولاني»، أي العقل بالقوة، إلى مقام الفعلية، أي العقل بالفعل، كالنور الذي يخرج الإنسان من درجة الرؤية بالقوة إلى الرؤية بالفعل. فعندما يتصل ذلك النور المجرد العقلي أو الفيض الإلهي بالنفوس البشرية فإنه سيشع في ذاتها صوراً عقلية لا نهائية القدرة والفاعلية. وإشعاع هذه الصور الفعلية في النفوس البشرية يتم من دون واسطة، في حين لا يمكن للنور الحسي أن يبصر إلا عند اتحاد العين بالنور، ما يوجد تباينا بين الأنوار الحسيّة والفيوضات الإلهية، لأن النور الحسي حينما يتصل بالعين لا يمكنه أن يطبع شيئا من المحسوسات في العين ما لم تضف أشياء أخرى.
الشيخ الرئيس ابن سينا يذهب إلى أبعد من ذلك ليقول إن باستطاعة الإنسان أن يكون مظهراً لصفات وأسماء الله الحسنى، ومن هذه الأسماء: العليم والحكيم والخبير.. يقول ابن سينا في رسالة الترغيب في الدعاء: إن من يرغب في أن يكون في عداد الأولياء ومن بين الواصلين إلى الحق تعالى، فلا بد من أن يثابر ويسعى من أجل التسلّح بأسماء الله، كي يستطيع بواسطة هذه الأسماء أن يقلع الهواجس ويقمع الوساوس النفسانية والخيالات الشيطانية، وينير قلبه بالأوراد والأذكار ويستيقظ من نوم الغفلة. ولا بد في بادئ الأمر من أن يتغلب بالتفكر في آلاء الله ونعمائه.
وهكذا نرى أن ابن سينا دعا إلى تحالف الفكر والذكر من أجل التخلص من الرذائل، ومن أجل نزول المدد الغيبي وتحقق الفوز وبلوغ مقام «إن الله لمع المحسنين».
حسن نعيم
الانتقاد/ العدد1247 ـ 28 كانون الاول/ ديسمبر2007