ارشيف من : 2005-2008
حراك سياسي لإعادة الحوار بين فتح وحماس للبدء بتهدئة جديدة
غزة ـ عماد عيد
برزت ملفات الوضع الفلسطيني دفعة واحدة من جديد إلى الواجهة من خلال عدة تحركات على أكثر من صعيد، كان مركزها العاصمة المصرية القاهرة وغزة التي تسيطر عليها حماس وعاصمة الكيان الصهيوني، إضافة إلى عاصمة السلطة الفلسطينية رام الله.
فقد شهدت العاصمة المصرية عدة زيارات لشخصيات من بينها شخصيات فلسطينية وصهيونية، وتركز الحديث خلال هذه الزيارات على ملف الجندي الصهيوني الأسير جلعاد شاليط. غير أن هذا الملف ما هو إلا واجهة لهذه الزيارات، وإن الجوهر الحديث في هذه الزيارات تركز بشكل أساسي حول الحوار الفلسطيني ـ الفلسطيني وإمكانية عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الحسم العسكري الذي سيطرت بموجبه حماس على قطاع غزة قبل أكثر من ستة أشهر، وما يقتضيه من فك للحصار وفتح للمعابر وإعادة اللحمة إلى المجتمع الفلسطيني.
على أن الزيارة الأهم في هذا السياق هي زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل إلى القاهرة المقررة بداية الشهر المقبل، أي في مطلع السنة الجديدة، وهي الزيارة الأولى له من الفترة التي سبقت سيطرة حماس على القطاع وتوتر العلاقة بين الجانبين بسبب هذا الحسم. وبحسب مصادر مطلعة في حركة حماس وأخرى مصرية فإن هذه الزيارة ستتركز حول الملفات الرئيسية والخلاف الفلسطيني، غير أنها ستتطرق أيضا إلى إتمام اتفاق تهدئة بين الفلسطينيين والصهاينة تشمل قطاع غزة على وجه التحديد، ووقف إطلاق الصواريخ مقابل وقف الاغتيالات والتصعيد الصهيوني الذي يستهدف فصائل المقاومة، خصوصا الجهاد الإسلامي، وعدم توسعة هذه الاغتيالات لتشمل حركة حماس كما يهدد الكيان الصهيوني.. إلى جانب ملف الجندي الصهيوني شاليط وإمكانية إتمام صفقة تبادل أسرى بين حماس والكيان الصهيوني. وقد جاء الحديث عن هذه الزيارة في ظل الكشف عما قيل انه صفقة تبادل أسرى مقترحة بين الجانبين على وشك الانجاز، وإن تقدما كبيرا طرأ في مواقف الطرفين بشأن الموضوع بعد الموافقة على إطلاق سراح أربعمئة أسير فلسطيني معظمهم من الأحكام العالية على دفعتين، الأولى تتألف من ثلاثمئة أسير، بعدها ينقل الجندي شاليط إلى مصر، فتقوم "إسرائيل" بإطلاق سراح مئة آخرين.. ثم تبدأ الأطراف في الحديث عن تهدئة ومن ثم البدء في حوار فلسطيني ـ فلسطيني لإزالة الخلاف في صفقة أشمل من تبادل الأسرى فقط.
هذا التطور نفته حركة حماس واعتبرت انه من صنع الإعلام الصهيوني بعد أن فشل العدو في تحديد مكان الجندي شاليط، ولمعرفة أي مواقف جيدة من قبل حماس والفصائل الآسرة للجندي، مع التأكيد من قبل حماس أن المواقف والشروط الفلسطينية لم تتغير، لكن هذا الملف قد يشهد تطورا أو حراكا بعيد زيارة مشعل إلى القاهرة. واللافت أن هذه الفبركة الإعلامية ـ حسب حماس ـ أتت في ظل حملات إعلامية مرافقة ضد مصر تتعلق بإدارتها للحدود المصرية الفلسطينية، واتهامها بسوء الإدارة بل والتعاون مع عناصر من حماس وإمدادهم بالسلاح والتعاون في قضايا التهريب وتسليم الولايات المتحدة الأميركية ما سمته بأشرطة فيديو تثبت هذا الأمر وما ترتب عليه من تهديد أميركي بوقف مئتي مليون دولار من المساعدات إلى مصر مقابل تحسين مصر أداءها على الحدود، وهو الأمر الذي نفته مصر نفيا قاطعا.. وقالت بعض المصادر ان مصر اشترت جهازا لكشف الأنفاق على الحدود المصرية مع قطاع غزة من شركة أميركية لمساعدتها على القيام بدور فاعل اكبر على هذا الصعيد وإحباط الحملة الصهيونية، غير أن هذه الحملة تعدت هذا الهدف لتصل إلى قضية شاليط ودفع مصر للضغط على حماس لانتزاع مواقف مرنة على هذا الصعيد، إضافة إلى ملف التهدئة الشاملة والموقف الفلسطيني من ذلك، بما يصل إلى تأمين الحدود الجنوبية للكيان مع قطاع غزة بوقف إطلاق الصواريخ.
أما موقف الفصائل من ملف التهدئة فلم يتغير، خصوصا في قضية الصواريخ. وبحسب مصادر مطلعة في مختلف الفصائل خصوصا الجهاد الإسلامي التي تتزعم إطلاق الصواريخ على الأهداف الصهيونية، فإن هذه الفصائل مستعدة لوقف إطلاق الصواريخ بشكل متزامن ومشروط مع وقف "إسرائيل" كل أعمال الاعتداء، وعلى رأسها الاغتيال والاعتقال والتوغلات في الضفة الغربية وقطاع غزة، وليس فقط في القطاع، وهو أمر سيبقى رهنا بالموقف الصهيوني الذي سيبقى يناور للضغط على الفصائل الفلسطينية بكل الوسائل والأدوات، بما في ذلك الاستمرار في استهداف القادة من هذه الفصائل ومطلقي الصواريخ، الأمر الذي ما زال مستمرا بكثافة في قطاع غزة، وقد استهدف بشكل خاص قادة من الجهاد الإسلامي، حيث وجهت الاستخبارات الصهيونية ضربة كبيرة للذراع العسكري للجهاد الإسلامي باغتيال احد عشر قياديا وعنصرا منها في غزة، وعلى رأسهم القائد العام للسرايا ماجد الحرازين ومسؤول وحدة التصنيع كريم الدحدوح، الأمر الذي وصف بالضربة الموجعة، لكنه لم يتسبب في وقف إطلاق الصواريخ، فقد أخذت الحركة على عاتقها قصف سديروت والمجدل وأهداف أخرى شمال القطاع عقب عملية الاغتيال، لكن العدو الصهيوني ما زال يلوح باغتيال المزيد، وقد تتسع هذه العملية لتشمل عددا من القادة من مختلف الفصائل، بما في ذلك حماس التي اكتفت "إسرائيل" بقصف موقعين من مواقع شرطتها في غزة أدى إلى استشهاد أربعة وإصابة آخرين، للضغط على حماس لتضغط بدورها على الفصائل لوقف هذه الصواريخ.. في وقت ما زالت "إسرائيل" تمارس عمليات التوغل في قطاع غزة، وهو ما تركز شرق جنوب القطاع وشرق وسط القطاع وأدى إلى استشهاد نحو ثلاثة عشر مقاوماً من مختلف الفصائل، وإصابة آخرين واعتقالات وعمليات تجريف واسعة النطاق.
وفي المقابل قتل جندي صهيوني وأصيب آخران بجروح جراء المقاومة الشرسة التي واجهها جنود العدو برغم التفوق الكبير للعدو في العدة والعتاد، وقد اعترف العدو على أعلى المستويات القيادية في الجيش الصهيوني بأن ما يواجهه الجنود هناك هو حرب حقيقية. أما فلسطينيا فإن هذه الضراوة في القتال وتحقيق إصابات في معظم عمليات التوغل الصهيونية في القطاع أمر جديد يشير بوضوح إلى التطور في المعدات والتدريبات والقدرة التي يتمتع بها عناصر المقاومة بسلاحهم الخفيف، والتكتيكات المتبعة من قبلهم لصد هذه الاغتيالات.
الضفة الغربية كانت هي الأخرى مسرحا لعدة عمليات صهيونية استهدفت قادة من الجهاد الإسلامي، غير أن عملية استهداف القائد البارز في سرايا القدس طارق أبو غالي فشلت في قتله بعد أن نشر العدو أخبارا أكيدة عن مقتله في هذه العملية. وهذه ليست المرة الأولى التي يستهدف العدو هذا القائد، وإنما الثالثة على التوالي، ويتمكن أبو غالي من الهرب والإفلات بعد مواجهات مع جنود العدو.. غير أن العشرات من الفلسطينيين من بينهم عناصر وقيادات من حماس والجهاد اعتقلتهم قوات العدو الصهيوني في عمليات توغل مماثلة شمال الضفة الغربية وفي مناطق أخرى من الضفة.
على صعيد آخر ما زالت الأوضاع في الأراضي الفلسطينية تراوح مكانها، حيث لا جديد على صعيد الحوار، وما زالت الأوضاع على الأرض تكرس الانفصال بين الضفة والقطاع وبين قيادة رام الله وقيادة القطاع وبين حركة فتح وحركة حماس من خلال القرارات وخلق الوقائع على الأرض ممثلة بالقرارات اليومية الجديدة وغير ذلك، بانتظار حل لهذا الواقع أو مبادرة قد تنهي هذا الواقع المؤلم بالنسبة لكل الفلسطينيين. هذا في وقت يستمر الحصار المفروض على القطاع للشهر السابع على التوالي ويستمر الغلاء في الأسعار واختفاء السلع من الأسواق الفلسطينية بسبب هذا الحصار.
الانتقاد/ العدد1247 ـ 28 كانون الاول/ ديسمبر2007