ارشيف من : 2005-2008

انتخابات الرئاسة الأميركية: بكل الوسائل الممكنة

انتخابات الرئاسة الأميركية: بكل الوسائل الممكنة

الحملات الانتخابية للرئاسة الأميركية التي ستحمل إلى البيت الأبيض خلفاً للرئيس بوش، بدأت في الحقيقة مع نهاية حملات الانتخابات السابقة. فرسم البرامج الانتخابية وتعيين فرق الناشطين وإدارة الحملة وتمويلها وتحديد كيفية التوجه إلى الناخبين والرد على الخصوم وما إلى ذلك يحتاج إلى عنصر الوقت. لكن أولى اللحظات الحاسمة في الحملات هي التي تبدأ فيها المشاورات على مستوى كل من الحزبين: الجمهوري والديمقراطي، لترشيح المرشحين عن كل منهما تمهيداً للمؤتمر العام الذي يعقد الصيف القادم، حيث ينتخب كل حزب مرشحه ونائبه لانتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر 2008. وتجري هذه المشاورات تباعاً في كل ولاية على حدة، وقد حدد يوم 3 كانون الثاني/ يناير 2008 موعداً لإطلاق هذه المشاورات في ولاية إيوا، وبعدها بخمسة أيام في ولاية نيوهامشير. لذا فمن الطبيعي أن يتركز الاهتمام على هاتين الولايتين، خصوصاً الأولى، لأن ما يُسجل من نتائج في البداية قد يترك أثراً حاسماً في تحديد النتيجة النهائية، لسبب بسيط هو أن أكثرية الناخبين يحتارون فيمن يختارون ويميلون طبيعياً إلى اختيار الجهة التي يعتقدون أنها الأقوى أكثر مما يعطون أصواتهم على أساس التمثيل الحقيقي لمصالحهم أو لتوجهاتهم السياسية. وهم إذ يفعلون ذلك يتبعون نهجاً تقليديا على خطى وسائل الإعلام التي تتميز في أميركا بأنها تنحاز علناً لأحد المرشحين خلافاً للمألوف في بلدان العالم الأخرى، حيث يفترض أن تبقى الصحافة على الحياد وأن تقصر تأييدها لهذا المرشح أو ذاك على المستوى الضمني. ومن الطبيعي أيضاً أن تتكاثر استطلاعات الرأي، لأن الفوز في الاستطلاع يعني امتلاك القوة، وبالتالي امتلاك المزيد من الحظوة في أعين الناخبين. ومن هنا نفهم السبب في خروج أحد الاستطلاعات بنتيجة مفادها أن جميع المرشحين الجمهوريين يتمتعون بتأييد أقوى من ذلك الذي تتمتع به هيلاري كلينتون عن الحزب الديمقراطي، ليخرج في اليوم التالي استطلاع مضاد يقرر نتيجة معاكسة تماماً.
وبالطبع لا تقتصر المعركة على الإقناع بهذه الطريقة، فالطرائق والأساليب لا حد لها ولا حصر. بعض هذه الأساليب يقضي بأن يكون المرشح من النوع الحركي والبشوش والمتمتع بروح النكتة وسرعة البديهة، الأمر الذي غالباً ما يقود المرشحين المتسرعين إلى الوقوع في هفوات عمدت إحدى الصحف إلى وضع أرشيف خاص بها على مستوى كل مرشح. بعضها الآخر يقضي بأن يكون المرشح بصحة جيدة، لذا لا نفاجأ عندما نسمع رودي غويلياني المرشح عن الحزب الجمهوري، يصرح أمام حشد انتخابي أنه سيكون في وضع جيد جداً بعد أن يقضي أياماً في المستشفى. وبعد المستشفى يعود ليؤكد ان التحاليل أثبتت أنه شفي من سرطان البروستات الذي منعه من الترشح عام 2000. لكنه انزعج من أقوال الصحف التي تحدثت عن إصابته بنوبة برد، مؤكداً أنه لم يشعر بغير صداع مرعب، وأن طبيبه قد نصحه بتناول الأسبيرين وحسب!
هيلاري كلينتون أحضرت معها إلى أحد الاجتماعات كلاً من والدتها (عمرها 88 عاماً) وابنتها (في السابعة والعشرين) لتظهر أنها أكثر اهتماماً بالنساء، وحتى بالجيل القديم، في وقت يطغى فيه التوجه إلى الأجيال الشابّة. ووعدت في الإطار نفسه بزيادة الإنفاق على جميع أشكال حضانة الأطفال لكي تتمكن الأمهات من الذهاب إلى العمل.. كما وعدت بفرص مدفوعة الأجر للموظفين وذويهم، وكل ذاك حرصاً منها على تقديم الدعم للعائلات. لكن ذلك ليس الشعار الرئيس لهيلاري، فهي تقدم نفسها بشكل أساس على أنها ذات خبرة حصلتها نتيجة ممارسة العمل السياسي طيلة 35 عاماً.
منافسها الديمقراطي الأسود البشرة، باراك أوباما، الذي يقود حملته تحت شعار التغيير، سارع إلى الرد معتبراً أن الأميركيين يحتاجون إلى الانتهاء من الألعاب السياسة أكثر مما يحتاجون إلى أشخاص مهرة في هذه الألعاب، وأن التغيير أهم من الخبرة، الأمر الذي أوقعه في ورطة عندما ردت هيلاري بأن التغيير غير ممكن من دون الخبرة. وعلى الرغم من هذا النصر فإن هيلاري لم تتمكن من التظليل على مشكلتها المتمثلة بعدم استقرارها على رأي ثابت بخصوص الانسحاب من العراق.. فبعد أن كانت قد عارضت فكرة الانسحاب الكامل في غضون خمس سنوات، عادت وتحمست لفكرة الانسحاب الكامل في غضون سنة واحدة، على أساس سحب فرقة أو فرقتين أو أكثر شهرياً من أصل الفرق العشرين الموجودة هناك. ومن قنابل الموسم الانتخابي أن الجمهوريين وهيلاري أيضاً كانوا يدخرون ضربة قاضية لأوباما الذي كان فيما يبدو على صلة في أيام مراهقته مع عالم المخدرات، ولعلمه بذلك شن حرباً استباقية بأن قام هو نفسه بفتح الحديث حول الموضوع. وكانت النتيجة أن أسهمه ارتفعت فوراً في موازين الاستطلاعات.. لكنه، أي باراك "حسين" أوباما، محرج جداً، ليس بسبب اسمه الإسلامي وحده، بل بسبب ما يوجه إليه من انتقادات تتهمه بالميل ضمنياً إلى الإسلام. تهم لم يكن بمقدوره أن يرد عليها بأكثر من التأكيد أنه وُلد في أسرة بروتستنتية. وبالطبع يحتل الإسلام موقعاً مميزاً في المعركة الانتخابية، فالمرشح الجمهوري توم تانكريدو فقز إلى الحلبة متحدثاً عن ضرورة اللجوء إلى قصف وقائي لمكة أو للمدينة اذا ما تعرضت الولايات المتحدة لهجوم نووي! كلام أقل ما يقال فيه أنه يتضارب مع معطيات الواقع النووي، كما يتضارب مع الدعاوى الأميركية الرسمية حول الاعتدال والتطرف، لا لشيء إلا للاستثمار الانتخابي في مسألة العداء البدائي للإسلام من قبل أوساط في الشارع الأميركي، أو لاستجداء الدعم من الجهات المؤثرة المعروفة بحقدها على الإسلام. وفي إطار مشابه يتحسر تانكريدو لأنه لم يتمكن يوم كان محافظاً لنيويورك، من طرد 400 ألف أجنبي يعيشون في المدينة دون أن تكون بحوزتهم إجازات إقامة شرعية. وقد حرص تانكريدو على إعداد شريط فيديو يصور فيه إرهابيين يفجرون متجراً مليئاً بالأطفال ويحمل تبعة ذلك إلى تهاون الكونغرس وبوش تجاه الهجرة غير الشرعية التي تسمح بدخول الإرهابيين إلى أميركا. وفي هذا المجال يشكل الاستثمار في العداء للمهاجرين قاسماً مشتركاً عند المرشحين الجمهوريين، وخاصة عند ماك كين وميث رومني ومايك هوكابي الذي حصل على دعم غير منتظر من جيم غيلكريشت الذي شكل على حسابه الخاص ميليشيا مسلحة مهمتها منع تسلل المهاجرين من المكسيك إلى الولايات المتحدة. وفي هذا المجال يؤكد المراقبون أن الجمهوريين قد يستفيدون في البداية من هذا النهج الذي يؤمن لهم تأييد المتعصبين الأميركيين، لكنهم يخسرون في النهاية لمصلحة الديمقراطيين الذين يتمتعون بالتأييد من قبل أكثرية الأميركيين من ذوي الأصول اللاتينية.
يبقى في غمرة التنافس على كسب الأصوات، أن حرب العراق هي الناخب الأول في أميركا، فجميع المرشحين الجمهوريين، باستثناء ميث رومني، يتنصلون من حرب بوش على العراق.. ومايك هوكابي اعتبر أن العقلية المتعجرفة في البيت الأبيض تجر الوبال على أميركا، وسط إحساس عام بالسعادة مع اقتراب العام 2008، لأنه العام الأخير لجورج بوش في قمة السلطة.
عقيل الشيخ حسين
الانتقاد/ العدد1247 ـ 28 كانون الاول/ ديسمبر2007

2007-12-28