ارشيف من : 2005-2008
حكومة السنيورة تغرق لبنان أمنياً في الفوضى بعد تأزيمها الوضع السياسي
جعلت حكومة فؤاد السنيورة غير الدستورية من الأمن المتردّي والسائب والمتخفّف من كلّ عقال، شعاراً لها خلال العام 2007، وكادت أن تُغْرقَ البلد في الفوضى على الرغم من صور الدم التي أحاطت به من كلّ جانب، بعد أن امتهنت خرق الدستور والتلاعب به بحسب أهوائها ومصالحها، وهو الضابط الرئيسي لحركة الدولة.
فقد حقّقت حكومة السنيورة "انجازات" كبيرة على الصعيد الأمني لم تسبقها إليها أيّة حكومة بما فيها تلك التي ارتهنت لواقع الحرب اللبنانية، وتمثّلت بإطلاقها يد ميليشياتها لارتكاب جرائم متعدّدة بحقّ طلاّب المعارضة في جامعة بيروت العربية، واندلاع معارك مخيّم نهر البارد بين الجيش اللبناني وتنظيم "فتح الإسلام" المموّل مادياً وتسليحاً من بعض الأطراف الداعمة لها والمنضوية فيها، ومقتل عدد من المواطنين الأبرياء في تفجيرات منظّمة وقعت في غير منطقة، واستهداف قوّات "اليونيفيل" العاملة في الجنوب للمرّة الأولى ما أدّى إلى مقتل عدد من عناصرها، وتفشّي ظاهرة تنظيم "القاعدة" في عدد من المناطق وتخطيطه لتنفيذ أعمال إرهابية، واغتيال النائبين وليد عيدو، وأنطوان غانم، واللواء فرنسوا الحاج.
ومن البديهي القول، إنّ الأزمة السياسية التي أوقعت قوى 14 شباط/ فبراير، لبنان بها برفضها قيام حكومة وحدة وطنية تعكس الحضور النيابي لكلّ الأطياف والتيّارات السياسية والحزبية وتمثّل مختلف شرائح الشعب، ساعدت بشكل كبير على توسّع هذا الانفلات الأمني، باعتبار أنّ الأمن سياسي في الدرجة الأولى، لتكون النتيجة الموجعة أنّ لبنان وشعبه دفعا ثمن أخطاء تعنّت فريق يدار آلياً من سفارة الوصاية الأميركية في عوكر، وبما يخالف شعاراته التي رفعها لمواجهة الوجود السوري، علماً أنّ أكثرية قوى 14 شباط/ فبراير كانت مطيعة لسوريا ومستفيدة منها في كلّ المجالات وتخدم لبنان باسمها.
فتح النار على المعارضة
واستهلّت حكومة السنيورة حملة الدفاع عن وجودها وعملها في الحكم، بأنْ أعطت تعليماتها للميليشيات التابعة لها في تيّار "المستقبل" والحزب التقدّمي الاشتراكي و"القوّات اللبنانية" وما يسمّى بمناصريها، لكي تفتح نيران أسلحتها الحربية على مؤيّدي المعارضة خلال الإضراب العام والشامل الذي نفّذته المعارضة الوطنية اللبنانية يوم الثلاثاء في 23 كانون الثاني/ يناير على مختلف الأراضي اللبنانية، فقتل ثلاثة أشخاص وجرح العشرات. وأتبعته ميليشيات السلطة بعد يومين، أيّ يوم الخميس في 25 كانون الثاني/ يناير، بافتعال إشكال بين طلاّب جامعة بيروت العربية في محلّة الطريق الجديدة، تطوّر إلى خارج الجامعة في ما يشبه الكمين المنصوب سلفاً حيث فتحت نيرانها وبصورة ظاهرة، وعلى مرأى من القوى الأمنية، على الطلاّب والمارة، وكانت المحصّلة سقوط أربعة شهداء للمعارضة وعشرات الجرحى وقطع طرقات ورعب وخوف وقلق لدى اللبنانيين من عودة الحرب إلى ديارهم. والشهداء هم: محمود خليل شومان، وحسن محمود مرتضى وعدنان شمص، ومحمّد نجاح غازي.
ودفع الاستهتار في التحقيقات في هذه الحوادث وخصوصاً في جريمة قتل عدنان شمص على الرغم من أنّ قاتليه معروفون بالأسماء ولم يجر تقديم أحد منهم إلى التحقيق، إلى وقوع جريمة خطف وقتل الفتى زيّاد منير غندور، والشاب زيّاد حسين قبلان، يوم الاثنين في 23 نيسان/أبريل كردّ فعل كرّسه الخروج عن الانصياع للعدالة والقضاء.
وتوجّت المهزلة الأمنية بإصدار المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي بياناً قلبت فيه الوقائع لمصلحة السلطة الشباطية التي تتبع لها، مستندة الى معلومات مغلوطة قدّمها لها "فرع المعلومات".
"فتح الإسلام"
وفي هذه الأثناء كانت تحرّكات نشوء تنظيم "فتح الإسلام" خارج مخيّم نهر البارد قبل أن تستقرّ فيه، موضع اهتمام الأجهزة الأمنية الرسمية التي كان بعضها على علم بكيفية دخول أفراد هذا التنظيم ولا سيّما السعوديون واليمنيون والتونسيون والجزائريون منهم، بطرق شرعية وبتأشيرات قانونية وجوازات سفر رسمية إلى لبنان من مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت، ولكنّها لم تعمل على كبح جماح تسلّلهم إلى خارج المخيّم المذكور إلاّ بعد تمكّنهم من تفجير عبّوتين داخل حافلتين لنقل الركّاب في محلّة عين علق قرب بكفيا في المتن الشمالي وذلك صباح يوم الثلاثاء في 13 شباط/ فبراير، ما أدّى إلى مقتل ثلاثة أشخاص وجرح 23 آخرين.
ونشأت أحاديث كثيرة عن وقوف ميليشيات قوى 14 شباط/ فبراير خلف هذا التنظيم الذي فاقت أعداده الخمسمئة بزعامة الأردني الفلسطيني شاكر العبسي، لاستخدامه كخطّ دفاع عنها، وفي إيقاع فتنة داخلية بين اللبنانيين أنفسهم. ولم ينفع اتهام وزير الداخلية غير الشرعي العميد المتقاعد حسن السبع، للمخابرات السورية بالضلوع في تفجير عين علق عند توقيف مجموعة من المشاركين فيه يوم الثلاثاء في 13 آذار/ مارس، في رسم غشاوة على أعين اللبنانيين، لمشاركته في هذا الاتهام الذي دلّت التحقيقات، ومن ثمّ توالي الأحداث الأمنية في مخيّم نهر البارد، على عدم صحّته وعلى مجافاته للحقيقة، وخصوصاً أنّ وصول عناصر من هذا التنظيم إلى بنك "البحر المتوسّط" المملوك من آل الحريري، في فرعه في بلدة أميون الشمالية، لقبض رواتبهم، فضح الجهة الحقيقية التي تقف خلفه وتموّله وتغذّيه بالمال.
وأدّى تقاعس "فرع المعلومات" في قوى الأمن الداخلي عن التنسيق مع مخابرات الجيش اللبناني في ملاحقته غير المدروسة لعناصر التنظيم بعد خروجهم من المصرف المذكور، و"الإطباق" على رفاقهم المختبئين تحت أنظار مخبري وعناصر هذا الفرع الأمني، في إحدى الشقق في مدينة طرابلس، إلى حصول ردّ فعل قاس من قبلهم، حيث تمّ ذبح عسكريين من الجيش اللبناني وهم نيام، وهذا ما أشعل اشتباكات عنيفة بين الجيش وهذا التنظيم الإرهابي، بدءاً من يوم السبت في 19 أيار/ مايو، استعملت فيها مختلف أنواع الأسلحة.
ومدّت سوريا يد العون للجيش اللبناني وزوّدته بما يعينه على الخروج من هذه الحرب منتصراً، فيما تلكأت دول الوصاية الأميركية والفرنسية عن تقديم المساعدات العسكرية له، ولم تفعل حكومة السنيورة شيئاً تجاه الجيش الوطني سوى التفرّج على حرب طويلة، بدلاً من أن تأتي له بالسلاح من الأميركي الذي لزّمها الحكم.
تفجيرات واغتيالات
وعادت موجة التفجيرات تضرب لبنان من دون أن تكلّف حكومة السنيورة نفسها من خلال "فرع معلوماتها" عناء توقيف متورّط واحد، فانفجرت عبوة ناسفة في مرأب للسيّارات مجاور لمجمّع"ABC" التجاري في محلّة الأشرفية مساء يوم الأحد في 20 أيار/ مايو فقتلت امرأة وجرح عشرون شخصاً، وانفجرت عبوة ناسفة موضوعة تحت سيّارة في محلّة فردان في بيروت مساء يوم الاثنين في 21 أيار/ مايو فجرح عشرة مواطنين، وانفجرت عبوة ناسفة موضوعة تحت درج أحد المباني في مدينة عاليه مساء يوم الأربعاء في 23 أيار/ مايو، وأسفرت عن جرح 16 شخصاً، وألقيت قنبلة صوتية على حاجز أمني تحت جسر البربير، مساء يوم الأحد في 27 أيّار/ مايو فأصيب ثلاثة عسكريين ومدنيان بجروح طفيفة، وانفجرت عبوة موضوعة داخل حافلة صغيرة لنقل الركّاب في محلّة سدّ البوشرية، مساء يوم الاثنين في 4 حزيران/ يونيو نتج عنها إصابة سبعة أشخاص بجروح، وانفجرت عبوة ناسفة في المنطقة الصناعية في ذوق مصبح، مساء يوم الخميس في 7 حزيران/ يونيو أدّت إلى مقتل مواطن وجرح أربعة آخرين.
اغتيال النائبين عيدو وغانم
واستشهد النائب وليد عيدو ونجله خالد واثنان من مرافقيه وستّة مدنيين في انفجار سيّارة في محلّة المنارة، عصر يوم الأربعاء في 13 حزيران/ يونيو، كما طاول تفجير عبوة ناسفة داخل سيّارة "مرسيدس" مسروقة النائب الكتائبي أنطوان غانم خلال مروره في محلّة حرج ثابت في سنّ الفيل عصر يوم الأربعاء في 19 أيلول/ سبتمبر، فاستشهد ومعه ستّة آخرون بينهم مرافقان شخصيان له، وجرح 62 شخصاً.
اغتيال اللواء الحاج
وعند الساعة السابعة والدقيقة العاشرة من صباح يوم الأربعاء في 12 كانون الأول/ ديسمبر انفجرت سيّارة من نوع "ب.أم.ف 320" مفخّخة بـ35 كيلوغراماً من مادة الـ"ت.أن.ت" الشديدة الانفجار في محلّة بعبدا ما أدّى إلى استشهاد مدير العمليات في الجيش اللبناني ومرشّح المعارضة لمنصب قائد الجيش، اللواء الركن فرنسوا الحاج ومرافقه خير الله علي هدوان وجرح خمسة آخرين.
"اليونيفيل"
وبلغ التدهور الأمني ذروته بتعرّض قوّات" اليونيفيل" التابعة للأمم المتحدة في جنوب لبنان لعملية إرهابية للمرّة الأولى منذ تعزيز وجودها بعد الحرب الإسرائيلية الأميركية المشتركة على لبنان في شهر تموز/ يوليو من العام 2006 بناء للقرار الدولي الرقم 1701.
فخلال مرور دورية تابعة للكتيبة الإسبانية العاملة في قوات الطوارئ الدولية على طريق سهل الدردارة في الخيام، عصر يوم الأحد في 24 حزيران/ يونيو، تمّ تفجير سيّارة مفخّخة فقتل ستّة من أفراد الدورية. وتبعه بتاريخ 17 تموز/ يوليو تفجير عبوة بدورية للكتيبة التنزانية عند جسر القاسمية، وألقت القوى الأمنية القبض على شخصين من تنظيم "جند الشام" للاشتباه بهما.
علي الموسوي
الانتقاد/ العدد 1248 ـ 4 كانون الثاني/ يناير 2008