ارشيف من : 2005-2008
تهاوي الجنرالات وزلزال فينوغراد الى تقرير لجنة الخارجية والأمن:"إسرائيل" تحاول ترميم جيشها الفاشل ومسح صورة الهزيمة
اتسم العام 2007 في كيان العدو بطابع القلق واستنفار القوى ومحاولة الإجابة عن أسئلة مصيرية مفتوحة، بعدما وجد قادة الكيان أنفسهم بفعل تداعيات السنوات التي سبقتها، وتحديدا العام 2006، أمام واقع وتحديات جديدة تمس أمن كيانهم القومي مباشرة. وبرغم أن الكثير من هذه الأسئلة رافقت العدو منذ نشأته في العام 1948، لكن قادة العدو ومحلليه أخذوا ينظرون إلى الأخطار التي ربما كان طرح بعضها في مراحل معينة افتراضيا أو نظريا، بأنها إما متحققة في ارض الواقع وإما بدأت بالتشكل والتحرك بقوة.
وفي هذا السياق تمحورت الجهود الرئيسة لأجهزة العدو ومؤسساته خلال العام الفائت، حول تكثيف عملية البناء والاستعداد والتدريب.. وصولا إلى الجهوزية التامة لمواجهة الأخطار الفورية والمستقبلية المحدقة بأمن ووجود هذا الكيان، بحيث بدا الكيان كأنه في ورشة لم تكف عن العمل على مدار الساعة. وباطمئنان تام يمكن الجزم بأن لبنان احتل موقعا متقدما خلال السنة الفائتة في مسارات تبلور تطورات داخلية وخارجية في كيان العدو، وفي سلم أولويات اهتمام مؤسستيه السياسية والعسكرية، وفي خلفية العديد من خطوات قادته، وتحديدا رئيس وزرائه إيهود أولمرت.
وبرز الحضور المهيمن لتداعيات هزيمة جيش العدو خلال عدوانه على لبنان في النصف الأول من العام الماضي عبر توالي تساقط جنرالات الحرب، التي سبق ان بدأت بقائد فرقة الجليل والقائد الميداني المباشر للحدود مع لبنان العميد غال هيرش، إلى قائد المنطقة الشمالية اللواء اودي ادم، الى قائد أركان المنطقة الشمالية ونائب قائدها الجنرال أيال بن رؤوبين، الى قائد فرقة الاحتياط "عصبة النار" التي كانت ساحة عملياتها في القطاع الشرقي العميد ايرز تسوكرمان، الى العديد من التغييرات التي وصلت الى ضباط من رتب مختلفة.. وتُوج هذا المسار بالسقوط المدوي لرئيس الاركان دان حالوتس في حادثة هي الاولى من نوعها في تاريخ "اسرائيل". ثم تبع هؤلاء الجنرالات وإن بشكل متأخر، قائد سلاح البحرية اللواء دايفيد بن بعشات. ولا يخفى ما رافق وترتب على كل ذلك من اهتزازات وترددات في مجمل الكيان وداخل مؤسسته الأمنية والعسكرية.
زلزال فينوغراد
مع نهاية الشهر الثالث من السنة الماضية اهتزت أركان النظام السياسي في "اسرائيل" بصدور تقرير فينوغراد الذي تناول اخفاقات القيادتين السياسية والعسكرية خلال العدوان على لبنان، وحسم السجال المصطنع الذي حاول رئيس الوزراء إيهود أولمرت إحداثه في المجتمع الاسرائيلي للتغطية على فشله في ادارة الحرب، عبر محاولة تصوير الآراء التي تحدثت عن فشل وهزيمة بأنها ليست سوى وجهات نظر في مقابل وجهات نظر اخرى. الا ان التقرير أطلق حكما مدويا ومباشرا تلخص بمقولة ان "اسرائيل" خاضت حربا فاشلة في ظل قيادة فاشلة.
ومن ضمن ما تضمنه التقرير في حينه هو:
ان الجيش لم يرتكز في حينه على خطة مفصلة تستند في جوهرها الى دراسة دقيقة للطبيعة المعقدة للساحة اللبنانية. لافتا الى انه كان يمكن من خلال هذه الدراسة التوصل الى عدة حقائق، منها ان العمليات العسكرية التي قام بها الجيش ستؤدي الى ضرب الجبهة الداخلية الاسرائيلية، في ظل عدم وجود قدرة لديه على توفير علاج ناجع وفعال للقوة الصاروخية لحزب الله من دون عملية برية واسعة وطويلة "ثمنها" عالٍٍ والتأييد لها قليل. واتهم التقرير القيادة الاسرائيلية بأنها وضعت أهدافا طموحة أكثر مما ينبغي.. واعتبر انه كان لدى جزء من القيادة السياسية والعسكرية مفهوم بأن عصر الحروب انقضى، وأن لـ"اسرائيل" والجيش الاسرائيلي قدرة ردع وتفوقا نوعيا كافيين، وأن تحديات القوات البرية ستكون التصدي لنزاعات متواصلة بمستويات قوة منخفضة، (على شاكلة ما واجهه في لبنان قبل عام 2000 وما يواجهه في فلسطين المحتلة).
وحمَّل التقرير كلا من رئيس الوزراء إيهود أولمرت ووزير الدفاع عمير بيرتس ورئيس الاركان دان حالوتس الذي عمل بتهور ولم يضع القيادة السياسية في صورة تعقيد الساحة، مسؤولية ما سماه الإخفاقات الخطيرة للحرب.
أولمرت يتحصن وبيرتس يهوي
ومن ابرز ما تميزت به الساحة الداخلية الاسرائيلية خلال العام الماضي، هو ان شعبية أولمرت تدنت بسبب فشل الحرب على لبنان الى مستوى الحضيض، وهذا مستوى لم يسبق ان هوى اليه رئيس وزراء يتولى منصبه. لكن هذا التدني وفي ظل التقرير الذي حمله المسؤولية مع آخرين، لم يسقطه من منصبه، ليس لأن ذلك لم يكن كافيا، بل ان ما وصلت اليه الامور كان كفيلاً بأن يحدث زلزالا يُصدع اركان النظام السياسي، ولكن أولمرت تحصَّن ببعض المواد القانونية التي تحدد اسقاط الحكومة وفق آليات محددة وفي داخل حزبه الذي يفتقد الى وجود آلية للإطاحة به، وبتأييد بعض الاحزاب المشاركة التي ترى انها قد تكون متضررة من سقوط الحكومة وإجراء انتخابات مبكرة.
وعلى خط موازٍ بادر أولمرت، كما هو معروف ومتبع داخل كيان العدو، الى خطوات سياسية وأمنية يتداخل فيها العامل الذاتي بالموضوعي، لمواجهة تدني شعبيته وملفات التحقيق التي تراكمت في وجهه، وللالتفاف على التقرير النهائي للجنة فينوغراد، بهدف اعادة تعويم نفسه. ومن هذه الخطوات القرار الذي اتخذه أولمرت بتنفيذ عملية عملية عسكرية نوعية في أيلول الماضي ـ في دير الزور ـ في سوريا، ودعمه وموافقته على إطلاق مسار سياسي ذي مقبولية على المستوى الشعبي في مقابل السلطة الفلسطينية، تُوّج في عقد مؤتمر "أنابوليس"، حيث احتشدت الدول العربية والغربية بزعامة الولايات المتحدة في تظاهرة علاقات عامة أفاد منها أولمرت داخليا من دون أن تورطه في التزامات تقيده أو تهدد ائتلافه الحكومي.
ويمكن أن يقال في هذا المجال إن أولمرت تمكن عبر هذا المؤتمر من توفير بوليصة تأمين لائتلافه الحكومي مدة عام على الأقل، ما لم تحصل تطورات مفاجئة. لكن ما نجح في تحقيقه أولمرت لم ينسحب على بيرتس الذي أُطيح به خلال انتخابات تمهيدية لرئاسة حزب العمل، فاز بها إيهود باراك الذي تولى وزارة الدفاع في حكومة أولمرت وبدأ مباشرة الإعداد للمعركة على رئاسة الحكومة.
صورة مختلفة للجيش
مباشرة بعد انتهاء العدوان على لبنان بفشل ذريع، بادر جيش العدو الى تشكيل لجان تحقيق تجاوز عددها الخمسين، تناولت كل المجالات بهدف استخلاص العبر وسد الثغرات وتعزيز القدرات ورفع المعنويات والاستعداد لمواجهة الأخطار المقبلة. ونتيجة لذلك بادر الجيش الى ورشة ترميم تهدف الى إعادة بناء جيش مغاير لما شهدناه خلال عدوان تموز، وإعادة إنتاج صورة مغايرة عنه بنظر جمهوره والعالم العربي وأمام الرأي العام الدولي.
وتميزت السنة الماضية بتدريبات مكثفة لم يسبق ان شهد الكيان مثيلا لها على مستوى الكم والنوع في فترة زمنية محدودة كالتي مضت، على خلفية ان الفشل في حرب تموز كشف عن حقيقة ان الجيش "بحلته القائمة" غير قادر على مواجهة التهديدات والتحديات التي يواجهها كيان العدو، خاصة بعدما لم ينجح في إعادة تشكيل الواقع السياسي والأمني الاقليمي بصورة تخدم مصلحة كيان العدو والإدارة الاميركية في المنطقة.. وهو الذي عبرت عنه وزيرة الخارجية الاميركية كونداليزا رايس "بناء شرق اوسط جديد".
وفي هذا السياق كشف رئيس اركان جيش العدو غابي اشكنازي عن رؤية المؤسسة الامنية والعسكرية لتطورات المنطقة، بأنها تنطوي على امكانية حصول تغيرات مفتوحة على احتمالات عدم الاستقرار واضطرار "اسرائيل" الى خوض حرب على أكثر من جبهة.. هذا الى جانب تنامي قدرات حزب الله وسوريا على حد سواء وفق تقدير الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية. وأوضحت مواقف رسمية اسرائيلية في هذا المجال ان حزب الله ضاعف ترسانته عما كانت عليه قبل عدوان تموز، في الوقت الذي تواصل فيه سوريا تحديث منظومتها العسكرية والاستفادة من تجربة حزب الله في مواجهة الجيش الاسرائيلي.
كما كُشف مع انتهاء العام الماضي عن مدى الاهتمام الكبير للمؤسسة الامنية الاسرائيلية بالتطورات السياسية الداخلية في لبنان، وتحديدا الاستحقاق الرئاسي وما يرافقه من طروحات ومواقف، الى حد تقييم الاجهزة الامنية ان امتلاك المعارضة اللبنانية، بمن فيهم حزب الله، في تشكيلة أي حكومة مستقبلية قرار الفيتو ـ من خلال تمثيلهم بأكثر من ثلث الحكومة ـ يعتبر أمرا حساسا بالنسبة الى "اسرائيل" يوازي حساسية انتشار الجيش اللبناني وإعادة تفويض قوات اليونيفيل في الجنوب اللبناني.
فشل الحرب فشل لقيادة الجيش
وكما في بداية العام كذلك في نهايته، كان للبنان بصمته في الساحة الإسرائيلية، إذ حمّل تقرير لجنة الخارجية والأمن الذي صدر في 31/12/2007، مسؤولية فشل الحرب على لبنان لقيادة الجيش التي عانت من عقم في التفكير وانعدام الرؤية والفشل في قراءة خارطة المعركة. وكان صريحا ومباشرا بالقول ان الجيش أخفق في تحقيق الهدف المركزي لهذه الحرب. كما أوضح التقرير ان الجيش فشل تحديدا في نقل المعركة إلى عمق أراضي العدو وتجنيب الجبهة الداخلية أي خطر، والامتناع عن تحويل الحرب إلى حرب استنزاف وحسمها سريعا في الميدان.
جهاد حيدر
الانتقاد/ العدد 1248 ـ 4 كانون الثاني/ يناير 2008