ارشيف من : 2005-2008
لبنان عام 2007: أزمة تراوح على خط الأزمات
شكل عام ألفين وسبعة لبنانيا عام مواصلة الادارة الاميركية وفريق السلطة المرتهن لها تعطيل جميع المبادرات التي هدفت الى حل الازمة السياسية وخصوصا تعطيل جميع الجهود التي سعت الى تشكيل حكومة وحدة وطنية، مرورا بنقل إقرار مشروع نظام المحكمة الدولية من المؤسسات الرسمية اللبنانية الى مجلس الامن ضمن الفصل السابع حيث هدف ذلك الى رهن البلد للارادة والوصاية الاجنبية واستخدام المحكمة سيفا سياسيا مصلتا وفي بازار التسويات، وصولا الى معركة الاستحقاق الرئاسي التي استمرت اشهرا عدة وانتهت بإدخال الادارة الاميركية وادواتها البلاد في الفراغ الرئاسي بما ادى بالبلاد نحو مزيد من تعقيد الازمة وليس حلها. لكن المعارضة تمكنت بالمقابل من منع فريق السلطة ومن خلفه الاميركي من اكمال انقلابه، وحاصرت المشروع الاميركي ووضعت فريق السلطة في الزاوية بعدما صمدت على مطالبها الوطنية ومنعت الفتنة المذهبية التي ارادها الاميركي.
"الاضراب الشامل ..ومنع الفتنة"
البارز في شهر كانون الثاني مطلع العام ألفين وسبعة كان الاضراب الشامل الذي نفذته المعارضة على جميع الأراضي اللبنانية يوم الثلاثاء في الثالث والعشرين من الشهر المذكور حيث نجح الإضراب نجاحا كبيرا، وهو ما أحرج فريق السلطة وداعميه في الخارج، وللرد على هذا النجاح الكبير للاضراب لجأ فريق السلطة ولا سيما "تيار المستقبل" الى محاولة افتعال فتنة مذهبية عبر ما جرى يوم الخميس 25 كانون الثاني في الجامعة العربية، والتي ساعده فيها عناصر من الحزب التقدمي الاشتراكي في وطى المصيطبة عبر قتل الشاب عدنان شمص، اضافة الى قطع طريق الساحل امام المواطنين من قبل الاشتراكي والمستقبل. لكن المعارضة نجحت في تطويق محاولة اثارة الفتنة من خلال اصرارها على سلمية تحركها وعدم الانجرار الى الفتنة التي ارادها فريق السلطة ورعاته الاميركيون كدفعة من الثمن الذي يجب دفعه مقابل مساعدات باريس ـ 3.
مطلع شهر شباط شهد جهودا ايرانية سعودية مشتركة لحل الازمة في لبنان على اساس تشكيل حكومة وحدة وطنية تنال فيها المعارضة الثلث الضامن مقابل اقرار المحكمة بعد تعديل نظامها بما يجعلها محكمة جنائية وليست قابلة للاستغلال السياسي، لكن هذه الوساطة ووجهت بعراقيل اميركية فرنسية ترجمت محليا بالخطب النارية للنائب وليد جنبلاط ورئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع في ذكرى الحريري يوم 14 شباط، وساعدهما في ذلك رئيس الحكومة اللاشرعية فؤاد السنيورة، وهو ما ردت عليه المعارضة بالتلويح بالعصيان المدني.
"سوق الثلاثاء ...وتدويل اقرار المحكمة"
في اواسط اذار شهد مقر الرئاسة الثانية في عين التينة جولات تشاور مطولة بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس كتلة المستقبل النائب سعد الحريري لكن هذه الجولات التشاورية لم تؤد الى اتفاق بعدما فشل الحريري في اتخاذ "قرارت شجاعة" كان وعد باتخاذها، وتبين ان هذا الحوار اراده الحريري تقطيعا للوقت وصولا الى موعد فتح الدورة العادية لمجلس النواب في اول ثلاثاء بعد الخامس عشر من اذار، فنزل نواب الموالاة الى المجلس في ما يشبه عملية احتلال وأخذ جنبلاط يطلق النار من هناك على حوار عين التينة وعلى الرئيس بري تحديدا متهما اياه باغلاق المجلس امام اقرار مشروع المحكمة، وكان حضور نواب المستقبل طاغيا على الحاضرين وهو ما دفع الرئيس بري الى عقد مؤتمره الصحافي الشهير الذي "بق فيه البحصة" عن المعطلين للحلول، وكان في مقدمتهم جنبلاط وجعجع والسنيورة، وهو غمز من قناة الحريري عندما سأل عن الحضور الكثيف لنواب المستقبل في مجلس النواب.
وتابع فريق السلطة نزوله الى مقر المجلس الى ان بدأ يكشف عن مخططاته بإرسال مشروع المحكمة الى مجلس الامن لاقراره هناك، ومن اجل ذلك رفع نواب السلطة عرائض الى الامم المتحدة خلال شهر نيسان تطالب باقرار المحكمة وفق الفصل السابع دافعين البلد باتجاه الارتهان الكامل للوصاية الاجنبية، وتبع ذلك رسائل من السنيورة الى مجلس الامن في السياق نفسه مقابل تحذيرات من المعارضة بأن هذا الخيار يدخل البلاد في المجهول ما استدعى جولات مكوكية لمساعد بان كي مون للشؤون القانونية نيقولا ميشال على شخصيات في المعارضة والموالاة سبقت اقرار المحكمة في مجلس الامن.
"حزيران ... وفتح معركة الرئاسة"
لم يحقق اقرار المحكمة في مجلس الامن لفريق السلطة اهدافه بالاستثمار السياسي السريع لهذا الاقرار الذي اراده سيفا مصلتا على المعارضة وسوريا فانتقل على مشارف شهر حزيران الى فتح معركة رئاسة الجمهورية من خلال اطلاق مواقف يؤكد فيها سعيه لانتخاب رئيس بالنصف زائد واحد، وهو ما ردت عليه المعارضة محذرة من تجاوز الدستور الواضح لجهة ضرورة توافر نصاب الثلثين. ومع انتهاء العقد العادي لمجلس النواب نهاية ايار حدد رئيس مجلس النواب نبيه بري من حينها ان موعد الجلسة المقبلة هو الخامس والعشرون من ايلول تاريخ بدء المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية.
"سان كلو والتكتل الطرابلسي"
خلال شهر حزيران بدأ الموفد الفرنسي جان كلود كوسران في بيروت التحضير لمؤتمر سان كلو الذي عقد منتصف شهر تموز على مدى يومين بحضور ممثلين من الصف الثاني من فريقي الموالاة والمعارضة، وكانت العلامة البارزة التي خرج بها هذا المؤتمر هو الموقف المبدئي الذي اعلنه التكتل الطرابلسي بلسان ممثله في المؤتمر النائب محمد كبارة والذي اكد ان نصاب جلسة انتخاب الرئيس هو الثلثان، وان التكتل سيلتزم بهذا المبدأ حفاظا على استقرار البلد وعدم ادخاله في الفوضى. وقد احدث هذا الموقف صدمة لدى فريق السلطة, لكن هذا الفريق عمل لاحقا على تصديع التكتل الطرابلسي وبث الخلافات بين اعضائه للتراجع عن موقفه.
"حملة فريق السلطة على قائد الجيش"
خلال شهر آب صدر موقف هام عن البطريرك الماروني نصر الله بطرس صفير يؤكد فيه على نصاب الثلثين في انتخاب الرئيس وكشف لصحيفة "السفير" عدم ممانعته تعديل الدستور لمصلحة وصول قائد الجيش العماد ميشال سليمان لرئاسة الجمهورية اذا كان في ذلك انقاذا للبلد، لكن هذا الموقف استدعى حملة من فريق السلطة على قائد الجيش وخصوصا من مسيحيي هذا الفريق حيث عقد لقاء في معراب هاجم في ختامه قائد القوات سمير جعجع قائد الجيش ورفض تعديل الدستور لمصلحته، كما صدرت مواقف مماثلة عن نواب الحزب الاشتراكي وتيار المستقبل تصف سليمان بالموظف وانه لا يحق له استثمار انتصار نهر البارد في ملف رئاسة الجمهورية.
"مبادرة الرئيس بري التوافقية"
في الحادي والثلاثين من شهر آب أطلق رئيس مجلس النواب نبيه بري خلال مهرجان الذكرى السنوية لاختطاف الامام السيد موسى الصدر ورفيقيه في بعلبك مبادرته الوفاقية التي حاذر فريق السلطة بداية في قبولها بناء على تعليمة اميركية، وبعد اكثر من اسبوع على اطلاقها حصلت عملية اغتيال النائب انطوان غانم بعد ساعات من عودته الى لبنان ما اعتبر استهدافا لمبادرة الرئيس بري.
لكن الاخير اصر على مبادرته وفي الوقت نفسه كان قد وجه الدعوة الرسمية للجلسة الرئاسية الاولى في الخامس والعشرين من ايلول، وهو مهد للجلسة بلقاء مع البطرك الماروني نصر الله بطرس صفير، وعلى هامش الجلسة التي لم يتأمن نصابها عقد بري جلسة مع النائب سعد الحريري، وكانت هذه الجلسة صافرة انطلاق لجولة من المشاورات الثنائية بين الرجلين استكملت في عين التينة حول امكانية التوافق على انتخاب رئيس جمهورية بالتوافق.
قطعت هذه الحوارات بزيارة للنائب سعد الحريري الى واشنطن حيث اعقبتها مواقف تصعيدية من قبله وهو ما اعتبر تظهيرا للموقف الاميركي الرافض للتوافق بشأن الاستحقاق، وأتبعت هذه المواقف التصعيدية بحملة من قبل فريق السلطة على خطاب الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله خلال يوم القدس، والذي وجه خلاله التهم الى العدو الصهيوني في جرائم الاغتيال لاغراق لبنان في الفتن.
تبع زيارة الحريري الى واشنطن زيارة مماثلة قام بها النائب وليد جنبلاط والتي التقط خلالها بداية تبدل في السياسة الاميركية تجاه قضايا المنطقة وشعر بمناخ تسوية قد ينعكس على لبنان، فعاد إلى لبنان وبدأ يستعد لتظهير مواقف جديدة قبل ان يعود عنها في الايام الاخيرة من العام الماضي.
"لائحة المرشحين"
في هذه الاثناء استؤنف الحوار بين الرئيس بري والنائب سعد الحريري بشأن التوافق على الاستحقاق الرئاسي من دون ان يؤدي الى أي نتيجة، وكان الرئيس بري في هذه الاثناء يرجئ الجلسة الرئاسية من موعد الى اخر، عندها تدخل الجانب الفرنسي بناء لضوء اخضر اميركي واستطاع وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير اقناع البطريرك الماروني نصر الله بطرس صفير باعداد لائحة مرشحين على ان يجري الالتزام بأحد هذه الاسماء.
جرت مفاوضات سريعة بين بري والحريري على اسماء اللائحة من دون ان يجري التوصل الى اتفاق حيث اعرب بري عن ارتياحه للمرشح ميشال ادة، وكان مستعدا للسير به اذا اعطى العماد ميشال عون الضوء الاخضر بذلك، وهو مرشح توافقي وليس منحازا ويريد البطرك صفير وصوله الى سدة الرئاسة، لكن الحريري وضع فيتو عليه وعمل على مجيء النائب روبير غانم، لكنه واجه فيتو المعارضة التي اعتبرت ان الاخير محسوب على فريق السلطة وليس مرشحا توافقيا.
"العشرة الأواخر من المهلة الدستورية"
وأمام هذا الواقع بدا التصعيد المتبادل هو سيد الموقف حيث هدد فريق السلطة بانتخاب رئيس بالنصف زائد واحد خلال الايام العشرة الاواخر من المهلة الدستورية التي تنتهي عشية الرابع والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر فيما حضرت المعارضة خياراتها البديلة والجذرية التي سترد من خلالها على اقدام فريق السلطة على انتخاب رئيس بالنصف زائد واحد، وسارت الامور على هذا الاساس حتى الموعد الاخير للجلسات خلال المهلة الدستورية والذي حدده الرئيس بري في الثالث والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر. لم تنعقد الجلسة التي لم يتأمن نصابها نتيجة غياب التوافق ولم يلجأ فريق السلطة الى خيار النصف زائد واحد لعدة اسباب كان ابرزها ان رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط شعر حينها ان أي مواجهة بين المعارضة والسلطة على الارض سيكون هو وساحته في الجبل، الحلقة الاضعف فيها، وعليه أراد تجنيب نفسه ضربة قاتلة في الجبل، فكان موقفه المؤيد للتوافق والرافض بشكل مستجد للذهاب الى خيار الانتخاب بالنصف زائد واحد. وليل الثالث والعشرين كان رئيس الجمهورية العماد اميل لحود ينهي كامل ولايته الدستورية من دون ان يلجأ الى تشكيل حكومة ثانية، وكان بيانه الاخير بدعوة الجيش لاستلام الامن على جميع الاراضي اللبنانية.
وعشية انتهاء المهلة الدستورية كان رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب العماد ميشال عون يطلق مبادرة وفاقية من دون ان تلقى الصدى الايجابي من فريق السلطة، وذهبت مع الريح نتائج لقاءاته مع النائب سعد الحريري في باريس وبعدها في الرابية.
"الفراغ ..ومناورة السلطة بترشيح سليمان"
يوم الرابع والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر كان اليوم الاول الذي يشهد فيه لبنان فراغا في رئاسة الجمهورية، وقيل ان هذا الفراغ جرى الاتفاق على جعله منظما حيث لم يلجأ فريق السلطة الى خيار الانتخاب بالنصف زائد واحد، ولم تلجأ المعارضة الى تشكيل حكومة ثانية على ان تلتزم حكومة السنيورة اللاشرعية بعدم استخدام صلاحيات رئيس الجمهورية وتبقى في نطاق تصريف الاعمال، وهو ما تعهد به الاخير على درج بكركي. وامام هذا الواقع ما كان من الاميركي الا ان وجد فريق السلطة يتصدع ويشارف على الانهيار فبادر الى اعطاء كلمة السر لفريق السلطة بالعمل على مناورة ترشيح قائد الجيش العماد ميشال سليمان لرئاسة الجمهورية ظنا منه انه بذلك يضع الجيش وجها لوجه مع المعارضة، لكن مفاجأته كانت بموافقة المعارضة على ترشيح سليمان وقبول العماد ميشال عون التنازل عن ترشيحه لمصلحة سليمان على ان يأتي الحل في سياق سلة متكاملة تشمل الرئاسة والحكومة وقانون الانتخاب، وجرى تكليف العماد عون من قبل المعارضة بالتفاوض بشأن الحل مع فريق السلطة لكن هذا الفريق ومن خلفه الاميركي رفض التوافق ولا يزال، وترافق الرفض الهادف الى ابقاء فريق السلطة متماسكا مع اعطاء الادارة الاميركية جرعة تعويم لحكومة السنيورة غير الشرعية ودفعها الى مصادرة واستخدام صلاحيات رئيس الجمهورية، وهي الخطوات اللادستورية التي اختتمت بها هذه الحكومة اللاشرعية والفريق المرتهن للمشروع الاميركي العام الفين وسبعة من دون ان تلوح في الافق مع بداية العام الجديد اية بوادر تشير الى ان الازمة في طريقها للحل في القريب العاجل، وخصوصا مع استمرار التعقيدات الاقليمية والخلافات العربية.
هلال السلمان
الانتقاد/ العدد 1248 ـ 4 كانون الثاني/ يناير 2008