ارشيف من : 2005-2008

هذا العام يشبهنا

هذا العام يشبهنا

كتب نصري الصايغ‏
1 ـ عام متهم بري‏ء!
عندما تراجع العام الفائت، تود أنه لم يكن. إنه عام الاجترار، إنه عام دامٍٍ، من أعوامنا العربية الدامسة: عراق يتدلى على منصة القتل، فلسطين انقسمت إلى ضحيتين، لبنان نص لانقسام مستعاد بمفردات التعايش الانشطاري، وبلاد عربية تستكمل شوط النهايات وتمارين التخلي عما تبقى لهم من عروبة.
عام، كأنه لم يكن: فقد وعيه. نزف أيامه، استقر في انعدام الوزن، لا معجزة تنقذه، ولا صلاة تجديه، ولا جزاعة تنجيه.
عفواً، العام الفائت براء من كل تهمة، هو بري‏ء جداً، نحن حمَّلناه عجزنا وإحباطنا وتكرارنا وتراخينا وتخلينا وانقساماتنا. إذاً، عذراً أيها العام الفائت: اتهمناك بما فينا. حمَّلناك أخطاءنا، فامض معافىً إلى آخرتك، وحاول ألا تتذكرنا، لقد كنا في صدد ترميم صورتنا عبرك... ولم ننجح.
2 ـ الحق على أميركا
ما أسهلنا، علينا دائماً أن ننسب ما ينتابنا إلى أميركا، سابقاً كنا ننسب هزائمنا إلى إسرائيل، إنه خلف منطقي، والدليل: لا حاجة للبرهنة على عدائية أميركا. عداؤها مزمن، انحيازها معلن، تورطها مكشوف، إنها ضدنا بلا مواربة، وهي تقاتلنا في الثقافة والسياسة والدبلوماسية والاقتصاد والتجارة والسلاح... والسلع الغذائية وأقراص الدواء، هكذا هي من زمن بعيد.
وإسرائيل، ليست جديدة علينا. منذ نشأتنا الأولى، منذ نعومة أظافرنا السياسية، ونحن نعاين قتلها وقصفها وسحلها واحتلالها، فما الذي تغيَّر فيها؟ ربما، فقط، منسوب عدوانيتها ووحشيتها.
إنما، ينتابنا مرض إيطالي، يفتك بنا: «الحق على الطليان»؛ «حروب الآخرين»، «المؤامرة»، إلى آخر مسلسل العجز عن تحمل المسؤولية.
لعله، علينا أن نسأل: هذه هي أميركا، فكيف نواجهها: وهذه هي إسرائيل، فكيف نقاومها، وعندها، يتحتم الجواب: أين أصبنا وأين فشلنا؟ أين تقدمنا وأين تراجعنا؟ أين بذلنا الجهد وأين مارسنا التخلي؟ متى كنا عرباً عرباً، ومتى كنا عرباً أميركيين؟ متى كنا مع فلسطين ومتى كنا ضدها وعليها؟
عندما نتراجع أمام أميركا، يكون الحق علينا. عندما نخضع يكون العيب في خضوعنا. وعندما نصبح سماسرة التفاوض بين إسرائيل والفلسطينيين على منصة الصيرفة الأميركية، يكون التهاون حصتنا والعار جائزتنا.
أما عندما نقول، هذه هي أميركا العظمى فما العمل؟ أننتحر؟ أننطح الصخرة أم نفلح البحر؟ وجواباً عن ذلك، في البرهان والتجربة، أن أحداً من هؤلاء انتحر أو نطح الصخر أو فلح البحر. بالبرهان، كانوا أكثر ليناً من عشبة.
أميركا العظمى، بكامل جبروتها، قد ترتكب ما فوق التصور من العنف، ولكنها لا تملك من القوة، لتجعل شعوباً، بكامل قوتها، خاضعة لإرادتها، ثم إن المطلوب، ليس هذه المواقف النهائية البطولية، فبين هذا الحد وبداياته، يكفي أن الاعتماد على الرفض، والبناء على اللا هوأول الرفض، يبدأ من بناء السياسة على قوة الشعب لا على قمعه.
3 ـ سياسة الجدران العالية
عندما أعلنت الحكومة في «إسرائيل» عن نيتها وخططها لبناء جدار الفصل العنصري، بين الفلسطينيين، دبَّجَ العرب بيانات، ثم، لا حياة لمن تنادي. النصوص السياسية العربية من غبار، لا وزن لها، برغبة كاتبيها. صدر عن المحكمة الدولية رأي استشاري يعتبر الجدار غير قانوني، تبلَّغ العالم القرار  ـ الرأي، واستقرت الحكمة العربية في الصمت، فيما واصلت «إسرائيل» بناء الجدار.
العرب، أجز م أن يقفوا أمام محدلة أو أمام حجر باطون، فكيف يقفون أمام ترسانة إسرائيل وصداقة إسرائيل لأميركا؟ معذورون.
إنما، حصل أن اكتشفت في ما بعد، أن العرب في أنظمتهم على الأقل، يؤمنون بسياسة التعايش مع الجدران، ثم بسياسة تدعيم الجدران، ثم بسياسة تقديس الجدران.
تذكرت، أنهم كانوا ضد سايكس ـ بيكو وضد التقسيم الاستعماري لهذه الأمة، ولكنهم عندما استقلوا بما أورثه الاستعمار لهم من كيانات استغرقوا في إقامة المتاريس على الحدود. فكل الحدود العربية، جدران سميكة من الأسلاك الشائكة والبوليس والمخابرات وقطع الطرقات وإقامة الحواجز. ثم، رأيت أن الحواجز والجدران نشأت بين الأنظمة وأحزابها، ثم بين السلطة وناسها، بحراسة الشرطة والمخابرات، ثم رأيت الجدران تشوشب بين الطوائف والمذاهب والاعراق، فصار العرب، بعد قرن على التقسيم، أشد المتحمسين لتركة الاستعمار والمتساهلين مع وعد بلفور (معليش: فلتكن إسرائيل وطناً قومياً لليهود، ولنعترف بذلك، وفي ما بعد نرى إن كان بالإمكان اعطاء الفلسطينيين، مخيمات وطنية قابلة للموت أو للحياة).
لذلك، عندما استكمل بناء الجدار في بغداد، بين الاحياء المتقاتلة قلت: هذا تراث عربي جديد، سيجري تعميمه على العواصم والمدن العربية، وقد يكون لبنان، مرشحاً... لولا.
4 ـ هل من عام جديد؟
علينا أن نعد الأيام، لاستقبال 365 يوماً جديداً، من جهتي سأصرف وقتي في البحث عن مثقفين يبحثون في هذه العتمة عن ضوء ما. سأطالبهم برسم مسافة حاسمة بينهم وبين السلطات المالية والاعلامية والسياسية والطائفية. سألح عليهم بضرورة ممارسة السيادة على النفس والاستقلال عن الآخر، والتحرر من قيود التكرار والهوى. وسأطالب نفسي بعدم الوقوع في إثم الاتباع. فالمثقف إما أن يكون مستقلاً ليلتزم، أو يكون موظفاً فيستزلم.
سأقاوم نزوعي إلى اليأس والملل والتبلُّد. لأنني أرى أن الحياة العربية رحم الولادات الجديدة، لمستقبل جديد.
ألم نشهد عصر المقاومة؟ وهذا العصر، لن يكون عمره عاماً واحداً، أليس المستقبل العربي هو بمقدار ما يصدق مع المقاومة، فكراً وعملاً وجهداً وصبراً واقتصاداً... وممانعة وقوة وصلابة وقتالاً... للمحتل؟
إننا شهدنا الولادة...
غداً نشهد لأنفسنا إذا أحسنا التنشئة.
غداً يُشّهد لنا، أن شعب العرب على نقيض مسيرتهم الماضية.
بهذا الإيمان، ما زلت على قيد الحياة.
من دونه... الأفضل لي أن استقبل بـ«الله يرحمك».
الانتقاد/ العدد 1248 ـ 4 كانون الثاني/ يناير 2008

2008-01-04