ارشيف من : 2005-2008

وجوه الأزمة

وجوه الأزمة

كتب إبراهيم الموسوي
يوجب الاشتباك السياسي الحاصل لبنانياً بين فريقي السلطة والمعارضة أبعد من القراءة السطحية المتعجلة التي تضعه في إطار الخلاف السياسي بين فريقين حول انتخابات رئاسة الجمهورية، والتشكيلة الحكومية، والبيان الوزاري وما إلى ذلك. الأزمة السياسية الراهنة هي أزمة حكم وحكومة ودولة، هي أزمة النظام السياسي اللبناني برمته، وهي أيضاً أزمة المرتكزات الأساسية لهذا النظام وصولاً إلى توجهاته السياسية وخياراته الداخلية والخارجية وعلاقته مع المحيطين العربي والدولي.
لن تحل الأزمة اللبنانية بمجرد الاتفاق على رئيس للجمهورية، فالاتفاق بين الموالاة والمعارضة حاصل ولو ظاهرياً، على العماد ميشال سليمان، وعند نقطة ما، لن تستطيع الموالاة إلا أن تمرر هذا الانتخاب بعد طول مماطلة وتفخيخ للاستحقاق وصولاً إلى تسمية سليمان. المشكلة أبعد من ذلك بكثير، لن تحلّ الأزمة اللبنانية بمجرد الاتفاق على التشكيلة الحكومية وتوزيع الحقائب الوزارية، والبيان الوزاري، وقانون الانتخاب، بل ستبقى هذه المشكلة كامنة دوماً تحت رماد الأزمات، وجاهزة للانفجار فور توافر العوامل المساعدة والبيئة الملائمة.
لم يبنى لبنان على صيغة سياسية مستقرة، وفي أغلب الأحيان كانت  الصيغة نتاجاً لتوازنات هشة وتسويات مؤقتة تعكس مصالح القوى والطوائف وتدخلات الخارج لفترة زمنية محددة، ولا تستشرف آفاقاً حقيقة واستراتيجية لمصلحة البلد ككل.
الاستئثار والافتئات ضد طوائف معينة وشرائح اجتماعية وازنة، ومنطق الغالب والمغلوب، ولو ضمناً، أو منطق الطائفة المميزة، أو تحالف طائفتين، كان هو الطاغي طوال الفترة الماضية من عمر الصيغة اللبنانية.
منطق الاستئثار بالسلطة تحت عناوين ومسميات وذرائع مختلفة ما زال هو السائد منذ أمد بعيد. العنوان الجديد الذي تطرحه حكومة السنيورة سبباً للاستئثار بالسلطة هو الخوف من الفراغ، وشلل البلد وتعطيل المؤسسات، وهي حجة لا تنطلي حتى لا سذج السياسة ومراهقيها.
حكومة السنيورة لم تكترث لفقدانها الشرعية والميثاقية والدستورية، ولا تريد أن تعترف بذلك برغم خروج ممثلي إحدى الطوائف الأساسية في البلد منها. وحكومة السنيورة لم تكترث ولا تكترث أيضاً لغياب الممثلين الحقيقيين للسواد الأعظم من الشارع المسيحي عن الحكومة، ما يخليها من شرعية طائفتين كبيرتين، وهي مصرة على الاستمرار في نهج الاستئثار ومصادرة صلاحيات السلطات الأخرى من دون أن يرف لها جفن أيضاً على طريقة إدارة ظهرها للتظاهرات الشعبية المليونية التي طالبتها بالتنحي عن السلطة.
قد يكون من المفيد لحكومة السنيورة أن تنتج كتيباً وتوزعه على أوسع نطاق، تشرح فيه نظريتها حول الفراغ، ورؤيتها الكاملة لطريقة الخروج منه، لأن هناك مكونات أساسية من طوائف ونخب وقادة هذا البلد لا تفهم فلسفة السنيورة وفريقه في تشخيص حالات الفراغ وتحديد سبل معالجتها.
هل من المعقول، أن السنيورة لا يرى الفراغ المتأتي عن غياب ممثلي طائفتين أساسيتين وقوى سياسية حية عن التمثل في حكومته، هل من المعقول أن فريق السلطة المستأثر لم ينتبه حتى الآن إلى أن شرعيته غير قائمة بفعل هذا الغياب، وهل تكون معالجة هذا الغياب بالاستزادة من الفراغ، غريب.
يبدو أن الفراغ الأكبر هو في عقل السنيورة وفريقه. وإلا لكان التفت إلى هذا الغياب وهو البارع في لغة الحسابات والأرقام.
الكثيرون قالوا إن السنيورة لا يصلح أن يكون رئيس حكومة، والكثيرون قالوا أيضاً إنه لا يصلح أن يكون وزيراً في حكومة، والكثيرون اكتشفوا أن جل كفاءاته تتلخص بقدراته الحسابية، وأن عقليته تناسب أن يكون موظفاً، في إحدى دوائر المحاسبة، قد يأتي من يكتشف قريباً أن السنيورة لا يصلح لهذه أيضاً، لأن الحسابات والأرقام تخضع للمنطق أيضاً، وهو ما لا يبدو أن السنيورة يمتلك الكثير منه هذه الأيام لانجاز أبسط المهام المطلوبة.
عرفناها، لا فراغ في رؤية وحسابات السنيورة ما دام أن الامبراطور الأميركي يمده بجرعات متواصلة وأمصال دائمة، إنه الانتفاخ المتورم من الخارج الذي يعمي عن رؤية الداخل، فضلاً عن الفراغ فيه!
الانتقاد/ العدد 1247ـ 28 كانون الاول/ديسمبر2007

2007-12-28