ارشيف من : 2005-2008

خسارة مزدوجة

خسارة مزدوجة

كتب ابراهيم الموسوي
مرة جديدة يتم تأجيل موعد انتخاب رئيس الجمهورية بفعل غياب التوافق السياسي بين فريق السلطة والمعارضة اللبنانية، صحيح أن التوافق على اسم الرئيس العتيد، وبالتحديد العماد ميشال سليمان، حاصل، غير أن هناك جملة استحقاقات لا تقل أهمية عن شخص الرئيس لا تزال تنتظر التوصل إلى اتفاق حولها أيضاً.
الموالاة التي طرحت اسم العماد سليمان للرئاسة بعد أخذ وردّ ومشاورات، تحاول اليوم أن تحصر المعارضة في اتفاق من بند واحد هو اسم الرئيس، في حين أن الاتفاق على الحكومة رئيساً ووزراء وبياناً وزارياً وكذلك حول القانون الانتخابي هو من المبادئ الأساسية التي تتمسك بها المعارضة في هذه اللحظة التأسيسية من تاريخ لبنان.
طبعاً، فإن لفريق الموالاة حساباته ورهاناته ومكابراته التي لا تريد أن تعترف بالخسارة، فضلاً عن أن تدفع أثمانها، في حين أن أسياد هذا الفريق في العواصم الكبرى الفاعلة من باريس وصولاً إلى واشنطن، قد راجعوا حساباتهم جيداً وأجروا تعديلات في آرائهم السياسية بما يتناسب مع متطلبات الواقع السياسي وما تقتضيه المرحلة.
التواضع والإقرار بالهزيمة ليسا من أفضل صفات فريق الموالاة، والواقعية السياسية ليس لها نصيب كبير في قاموس أغرار السياسة الجدد، لكن المؤسف أن ما يجري الآن من مكابرة فريق السلطة يستنزف البلد وأهله ويضعف مناعته، ويضيع فرصة حقيقية ووقتاً ثميناً للشروع في إعادة البناء.
الثقة، هي كلمة السر المفقودة مع فريق الموالاة، بعد سلسلة من المواقف الناكثة بكل ما كان يتم التوصل اليه، والواقعية السياسية التي يرفض معظم أقطاب فريق 14 شباط التحلي بها في هذه اللحظة، تضيّع عليهم هم أيضاً فرصة أن يوافقوا اليوم على ما قد يتوسلون غداً للتوافق حوله، هذا إذا لم ترفع المعارضة سقف شروطها للحل، والمطالبة بضمانات أكبر.
بورصة مواقف فريق السلطة لها عنوان واحد، التذبذب، فما يتم الاتفاق عليه بالأمس يتم نقضه اليوم، بل ويتم التنكر له بالكامل، ومبادرات المعارضة المطروحة لإنجاز تفاهم سياسي حقيقي وعميق تواجه بالرفض، ما يطرح سؤالاً جوهرياً حول مدى صدقية جماعة 14 شباط لإنجاز الحلول، وما إذا كان هؤلاء ما زالوا يمنّون النفس بتغييرات ما ستأتي وتساعدهم على تحسين شروط التفاوض، والحد من الخسائر المرتقبة. ولكن المفارقة أن هؤلاء يتعاطون بمنطق المكابرة في حين أنهم يقيمون في الخسارة.
ليست المعارضة في وارد التعاطي بمنطق الغالب والمغلوب، ولا هي لجأت إلى استعمال هذه اللغة أيضاً، وهي التي استطاعت بفضل تماسك موقفها أن تجهض المشروع الأميركي. المعارضة اليوم تريد إعادة بناء البلد وفق حسابات سياسية داخلية تتعلق بمراعاة التركيبة اللبنانية من دون استبعاد أحد أو هضم حقوقه، وجماعة 14 شباط ما زالوا يديرون كل شيء على طريقة المزرعة والملكية الخاصة.
هل يستطيع هؤلاء الاستمرار في هذه السياسة، سياسة إدارة البلد على طريقة الشركة الخاصة، وهل تستمر المعارضة في استخدام منطق الحلم والتفهم ومراعاة هؤلاء.
 من الواضح أن المعارضة تملك من أوراق القوة والخيارات البديلة ما يغنيها عن الدخول في مناكفات مع هؤلاء، ولكن الصحيح أيضاً أن إعادة بناء الهيكل السياسي اللبناني تقتضي ضرورة إشراك الجميع.
فريق السلطة لم يعد واحداً، ومواقف أقطابه باتت بالغة التنوع إلى حد الافتراق حول قضايا أساسية، والمعارضة الموحدة منطقاً وموقفاً، لا تزال تسعى للحلول، فهل يتلقف هؤلاء اللحظة الراهنة النادرة التي تتقاطع أيضاً مع اهتمام دولي إقليمي بالمتغيرات اللبنانية، أم يستمرون في سياسة إدارة الظهر، والانقلاب على الاتفاقات؟ سؤال لن يطول انتظار الاجابة عنه طويلاً بعد كل الذي جرى، سؤال كلما طال انتظاره أكثر، كان على فريق السلطة أن يستعد لدفع مزيد من الأثمان نتيجة ارتكابه حماقة المكابرة بعد الخسارة، وهذا ما يحمّله مسؤولية خسارة مزدوجة على مستوى فريقه السياسي، وعلى مستوى الوطن ككل أيضاً.
الانتقاد/ العدد1246 ـ 21 كانون الاول/ ديسمبر 2007

2007-12-19