ارشيف من : 2005-2008

الجريمة..!

الجريمة..!

كتب إبراهيم الموسوي

الجريمة البشعة التي أودت بالعميد فرنسوا الحاج مدير العمليات في الجيش اللبناني ومرافقه تركت الكثير من التساؤلات المفتوحة على قلق مقيم من المعنى الحقيقي لها زماناً ومكاناً واستهدافاً.
معظم الأوساط اللبنانية تلقت نبأ الاغتيال كصدمة كاملة، فالجريمة النكراء تكاد تكون استثنائية بكل المعايير، إذ أنها المرة الأولى التي يُغتال فيها ضابط رفيع في قيادة الجيش اللبناني بعملية تفجير يبدو واضحاً أنها كانت مخططة ومدروسة بعناية فائقة، وموقع الجريمة استثنائي أيضاً كونه في أحد أهم المعاقل المحصّنة أمنياً لأنه قريب من موقعين حساسين وبالغي الأهمية، ولهما رمزيتهما الشديدة الدلالة:
الأول هو القصر الجمهوري في بعبدا حيث يقيم رئيس الجمهورية اللبنانية، والثاني وزارة الدفاع الوطني التي تضم قيادة الجيش في اليرزة، وهي منطقة تكاد تكون شبه عسكرية لناحية الوجود الكثيف للثكنات والمواقع العسكرية والقطع الحربية وقيادات الألوية وأجهزة المخابرات.
أما ثالث الاستثناءات التي يمكن ايرادها حيال الجريمة فيتصل بالزمان أي التوقيت، فالتوقيت يأتي في فترة بالغة الحساسية لجهة اتجاه الأنظار إلى قائد الجيش الحالي العماد ميشال سليمان كمرشح توافقي لرئاسة الجمهورية، بعد أن أشهرت المعارضة الوطنية تأييدها له، وهي التي كانت سبّاقة فيما مضى في تسميته للرئاسة على لسان زعيم التيار الوطني الحر الجنرال ميشال عون خلال محادثاته مع زعيم تيار المستقبل سعد الحريري في باريس مؤخراً.
إذاً، فإن الاستهداف الاستثنائي ينطوي على مضامين خطيرة واستثنائية أيضاً، فالمقصود هو القضاء على أي أمل بإمكانية استعادة لبنان عافيته واستقراره  السياسي والأمني في هذه المرحلة، من خلال استهداف مؤسسة الجيش، وبالتالي الوطن، فالمؤسسة العسكرية الأولى والأم، كانت دائماً أمل اللبنانيين جميعاً وخيارهم في نشدان الأمن، وعندما تتعرض المؤسسة لهذه الصدمة الأليمة فإن الرسالة الإجرامية تقول أمراً واحداً، إن البلد بلا سقف أمني، وإن كل مواطن معرض للخطر.. هي دعوة مفتوحة لليأس!
الاستهداف الآخر الذي لا يقل أهمية والذي تقوله رسالة الاغتيال ان الجيش مستهدف في توجهاته المبدئية وعقيدته القتالية والتزاماته وخياراته الوطنية، وخاصة أن كلاماً كثيراً وخطيراً وعلنياً تم التداول به حول ضغوط وطلبات أميركية لتغيير عقيدة الجيش التي تشدد على العداء لـ"اسرائيل" وتدعم خط المقاومة للاحتلال كشرط أساسي قبل الانفتاح الجدي على المؤسسة العسكرية وإيلائها الدعم اللازم، ولقد كانت معركة نهر البارد أحد أهم الأمثلة على الشح المتعمد والتقتير في المساعدات الأميركية للجيش، والتي كان بعضها فاسداً أو منتهي مدة الصلاحية. طبعاً، فإن آخر ما تريده الإدارة الأميركية وحليفتها "اسرائيل" هو جيش لبناني قوي ومقتدر ويملك توجهات وطنية تتناقض مع ما تخططه واشنطن وتل أبيب للبنان والمنطقة، وبالتالي كان مفهوماً أن يحاول العدو الإسرائيلي اغتياله في بلدته رميش الجنوبية من خلال تفجير سيارته لسنين خلت.
الاستهداف الثالث، يتصل بالخيارات الوطنية الحقيقية للشهيد الحاج والتي لا تنفك عن خيارات المؤسسة التي ينتمي اليها، ولكن الحاج كان يتمتع باستقامة ومناقبية عزّ نظيرها في تمسكه بالمؤسسة العسكرية وخياراتها الوطنية، سواء بمواجهة العدو الاسرائيلي من الخارج، أو دعاة التقسيم وإضعاف المؤسسة الوطنية الأهم من الداخل، وبسبب هذه المواصفات العالية، فقد كان الشهيد مرشحاً مثالياً لتولي قيادة الجيش خلفاً للعماد ميشال سليمان حال توليه رئاسة الجمهورية، وقد رشحه لهذا الموقع أيضاً الجنرال ميشال عون بشكل أساسي، وهو ما قد يكون أزعج بعض أصحاب الحسابات الفئوية والحزبية الضيقة في الداخل أيضاً.
مهما يكن فإن السؤال الأكبر يتعلق بالمستفيد من هذه الجريمة وما ولدته وستولده من تداعيات على مجمل الوضع السياسي في لبنان، ويبقى سؤال آخر لا يقل أهمية، وهو الموقف الذي ستتخذه الحكومة غير الشرعية ممثلة بفريق السنيورة المستأثر تسلطاً وعنوة بالسرايا الحكومي، فما الذي يبقى لهذه السلطة لكي تستمر فيه برغم ثغراتها الكثيرة، وبعد جملة الاغتيالات التي حصلت في عهدها، وبعدما أنشأت جهازاً أمنياً وأنفقت عليه عشرات الملايين من الدولارات من دون أن تستطيع أن تقدم إنجازاً أمنياً واحداً، أو تلقي القبض على مشتبه، أو تتهم جهة محددة من خلال أدلة ملموسة، إذا كانت هذه الحكومة تعجز عن تولي الأمن وحماية الناس فالأجدى بها أن ترحل وتترك المجال لغيرها كي يقوم بالمهمة، إلا إذا كانت المسألة كما قال عنها الجنرال عون "جريمة محمية"، فساعتئذٍ، على الوطن والمواطنين السلام!
الانتقاد/ العدد1245 ـ 14 كانون الاول/ ديسمبر 2007

2007-12-14