ارشيف من : 2005-2008

الخديعة...

الخديعة...

كتب إبراهيم الموسوي
سواء طالت الفترة الزمنية التي تفصلنا عن رؤية الحل العتيد الذي سيؤدي إلى انتخاب رئيس للجمهورية أمراً ناجزاً أم لا، فإن هناك خلاصات لا يمكن تجاوزها أبداً بعد هذه المواجهة المديدة والمستمرة بين فريقي السلطة والمعارضة، فريق السلطة ممثلاً بجماعة 14 شباط مني بهزيمة فادحة بسبب التحاقه بالمشروع الأميركي الذي أصابته هو الآخر خسارة استراتيجية بعد احتلاله العراق، وبدأت تمظهرات خسارة هذا الفريق تطفو على السطح، وشاهدها الأدبيات السياسية التي بدأت ترد على ألسنة قادته ورموزه، أو المواقف التراجعية التي تستعجل انجاز تسوية من البعض أو ترتيب وترطيب الأجواء لدى البعض الآخر في محاولة مستميتة لتحديد وتحجيم الخسائر التي لحقت ويمكن أن تلحق بهم.
لا يمكن لفريق السلطة هنا أن يراهن على ضغوط خارجية، وحذاقته في ادارة اللعبة السياسية. صحيح أن التفاوض والحوار يفترضان مرونة متبادلة بين الفريقين، ولكن مواقف ووقائع الأمس التي انخرط بها الشباطيون أكبر بكثير من امكانية تجاوزها، وبالتالي إغفال مترتباتها في الحل المفترض.
المعنى ببساطة مطلقة، أن الأزمة السياسية اللبنانية الراهنة لم تنشأ عن خلاف سياسي بالمعنى التقليدي للكلمة، بل كانت وليدة التحاق الفريق الشباطي بالمحور المعادي لتاريخ لبنان وحاضره ومصلحته الوطنية، ورهانه على حرب عدوانية مدمرة قادها العدو الصهيوني، لا بل إن هذا الفريق، وقف يجاهر في ذروة العدوان وطيلة 33 يوماً بأنه يريد الحل الشامل، وهو ما كان يعني وقتها انهاء المقاومة ونزع سلاحها، لم تكن المشكلة يومها لدى هؤلاء في العدوان الصهيوني وأعمال الإبادة الجماعية للقرى والسكان والتدمير الممنهج للبنى التحتية، أما الآن فإن تليين اللهجة وتبديل الخطاب لم يعد يجدي كثيراً. ثمة أثمان حقيقية يجب أن تدفع، وهي لا تتصل بحسابات المعادلة السياسية الداخلية، بقدر ما تتعلق بالتوجهات الوطنية الكبرى.
هل ينتظر فريق 14 شباط بعد كل الذي جرى أن تأتي التسوية المرتقبة له بمكاسب أو بموافقة المعارضة على استمرار الافتئات ومصادرة تمثيل الآخرين، المنطق البسيط يفرض أن يمنع هذا الفريق من الاستمرار في إدارة مقدرات البلد على الطريقة المفجعة التي أدار بها دفة الحكم حتى الآن.
ثمة انعطافة استراتيجية اميركية هامة، سببها الخسارة الجسيمة في المنطقة أعادت ترتيب السياق الاقليمي الدولي للسياسات والتوجهات ومعها الوقائع والأدوات، فإيران اليوم ليست كما كانت قبل عام، وكذلك سوريا. لم تعد ايران محاصرة بتهديدات الحرب، وتراجعت همة وقدرة واشنطن وحلفائها على شن الحرب بفضل صمود الجمهورية الاسلامية وصلابة موقفها من التهديدات، وكذلك بفضل المتغيرات التي أحدثتها سلسلة مواقف روسية وصينية وحتى غربية من التهديد الأميركي بالحرب، وما قد يترتب عليها من آثار مدمرة على العالم اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً.
سوريا أيضاً لم تعد محاصرة وتحت التهديد بالاجتياح، لا بل أن الولايات المتحدة خطت خطوات متقدمة باتجاه إعادة الاعتراف بدمشق كلاعب محوري في المنطقة، وطغت حسابات المصالح مجدداً على كل حسابات التحالفات الظرفية والتفصيلية.
لهم هم أن يتساءلوا اليوم عن التمجيد الذي كان يغدقه جورج بوش على "ثورة الأرز" وعن الاتصالات شبه اليومية لكوندي وأركان ادارة البيت الأبيض بالسنيورة وأركان 14 شباط، لهم أن يتساءلوا أين ذهبت الوعود والعهود المقطوعة لهم، فليتأملوا قليلاً عساهم يرتجون نتيجة، أما إذا لم يكن ما حدث كافياً فيمكنهم الاستعانة بمعظم عرب أنابوليس الذين استدعتهم واشنطن على عجل لحشد التأييد ضد ايران ثم أفرجت الاستخبارات الأميركية عن وثيقة تدحض المزاعم حول سعي طهران لامتلاك السلاح النووي، وبالتالي تبطل مفاعيل الشحن والحشد لقرع طبول الحرب، هؤلاء العرب رفعوا عقيرتهم بالنداء الخديعة.. الخديعة.. ولكن عقل واشنطن اليوم في مكان آخر!
إذا لم يستوعب هؤلاء الدرس، فذاك شأنهم، قيل في القديم إنه إذا خدعت مرة، فالعار على من خدعك، وإذا خدعت مرتين فالعار عليك. كم عار حمله هؤلاء وسيحملونه من واشنطن وخداعها لهم.
الانتقاد/ العدد1244 ـ 7 كانون الاول/ ديسمبر2007

2007-12-07