ارشيف من : 2005-2008
ربيع الجنرال
كتب إبراهيم الموسوي
الساعات المقبلة حاسمة على مستوى تحديد ما ستؤول اليه الأمور في موضوع انتخابات رئاسة الجمهورية، ولكنها ليست بالضرورة حاسمة حول ما ستؤول اليه مجريات الأمور في لبنان عامة. لا تشكل الانتخابات بالضرورة صيرورة نهائية، ولكنها، وبالتأكيد، تعتبر مدخلاً ضرورياً لمعالجة الأمور برمتها، فإذا ما اتفق أقطاب المعارضة والموالاة على إخراج انتخابات الرئاسة من المأزق الحالي، فإن ذلك سيولد بالضرورة ديناميات قادرة على اعطاء دفع باتجاه البدء بحلحلة كافة الملفات الأخرى، وهي ملفات شائكة ومعقدة بحق. هذه الملفات تتعلق بالضرورة برؤية كل من المعارضة والموالاة لموقع لبنان وموقفه ودوره في المنطقة والعالم، وفي السياسات والاستراتيجيات التي يتوخى تبنيها، وهو ما يقتضي أمرين:
1 ـ توحيد الرؤية حول الأساسي من الأمور.
2 ـ ملاحظة العامل الإقليمي ودوره في الموضوع.
لا يستطيع لبنان أن ينسلخ عن دوره، ولا عن محيطه الطبيعي، ولا يمكن له أن يتفاعل بشكل طبيعي وفاعل مع ما لا يتناسب مع تاريخه وحاضره ومصالحه، لا يمكن للبنان أن يكون جزءاً من محور أميركي، ولا منضوياً تحت سقف السياسات الدولية الظالمة. للبنان وللبنانيين ان يختاروا، وهم يستطيعون إذا ما أرادوا وبكل تأكيد، أن يختاروا ما هو في مصلحة بلدهم أولاً، بعيداً عن سياسة الأحلاف والمحاور المعادية.
عندما يكون لبنان في إطار سياسة تضع في أولوياتها حرية البلد واستقلاله، وحفظ سيادته، وحماية أراضيه، والتمسك بقوة بمقاومته المظفرة التي سوّرته بالعز وحفظت كرامته وأنجزت تحريره، يكون لبنان المنعة والكرامة، وعندما يصبح لبنان جزءاً صغيراً من محورٍ معادٍ لتاريخه وتاريخ المنطقة وقضايا العرب والمسلمين يكون قد وضع نفسه في سياق معاكس لن يجلب له إلا الويلات والدمار.
استحقاق الرئاسة أمره بسيط، إذا ما وضعت الحسابات الشخصية والطائفية والمصلحية الضيقة جانباً، استحقاق الرئاسة يمر بكل يسر وسهولة إذا لم ينتظر بعض الأقطاب الاشارات والتعليمات من الخارج.
اللائحة التي قدمها البطريرك الماروني بطرس صفير، فيها اسم الجنرال ميشال عون، وبحسب زعيم تيار المستقبل سعد الحريري فإن الجنرال عون هو أب لـ14 آذار ولا غبار عليه وعلى وطنيته، كانت المشكلة فقط أنه متحالف مع حزب الله، أما حزب الله فقد أبلغ صراحة تأييده للجنرال عون كمرشحٍ وحيد عن المعارضة في انتخابات الرئاسة. وسلّم الأمر في هذا الموضوع للجنرال ليفعل ما يراه مناسباً إذا ما ارتأى ترك الباب مفتوحاً أمام أية تسوية مقبلة. لماذا يتم تجاوز الجنرال كمرشح حقيقي للرئاسة من جانب فريق الموالاة، فالرجل يتمتع بشعبية لم تنعقد لأحد غيره في أوساط المسيحيين، وقد أثبت جدارة في القيادة بصموده في وجه أعتى الضغوطات الغربية، وتحديداً الأميركية والفرنسية، لم يجد الرجل أن في السير مع الأميركيين وفك تحالفه مع حزب الله والأفرقاء اللبنانيين مصلحة للبلد.
ولم يجد أن مناوءة سوريا بعدما تركت لبنان مجدياً، وهو ظل وسطياً، منطقياً وموضوعياً في مقاربة الأمور إلا عندما تكون المسائل واضحة في الإضرار بلبنان فقد كان يقف سداً منيعاً لإجهاضها كائناً من كان المسبّب، دولة أو حكومة أو شخصية سياسية.
يودّع الجنرال لحود قصر بعبدا وكرسي الرئاسة قريباً جداً وقد تكرّست في عهده انجازات مهمة، ليس أقلها التحرير عام 2000 ونصر عام 2006، وما بينهما عودة الجنرال عون الى لبنان وإطلاقه ديناميات ومواقف كان لها محطات مشهودة، أبرزها تحالفه مع حزب الله، وصدّه الضغوط والإغراءات الدولية، ليكرّس قامة رفيعة كأحد قادة لبنان السياسيين.
الغد ليس بائساً أبداً، والآفاق مفتوحة، ولا مكان لليأس ما دام هناك مواقف كرامة يصنعها رجال حقيقيون وترعاها وتصونها جماهير وفية أبية.. وحتى لو لم يُتوصل الى توافق حول الرئيس، فإنه لا خوف على لبنان ولا على اللبنانيين، فالأصالة موجودة، والوفاء لم ينقطع لأناس حفظوا المقاومة ودفعوا الدماء والتضحيات الجسام لحفظ الوطن.
غداً سيكتب التاريخ من حفظ الجغرافيا، أما الذين يحفظون ويعرفون أسماء العواصم والمدن الغربية أكثر من مدن لبنان وقراه، أما الذين ليس لديهم أي ماضٍٍ مشرّف، فلن يكون لهم حكماً أي مستقبل زاهر.
الانتقاد/ العدد1242 ـ 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2007