ارشيف من : 2005-2008
حتى يبقى لهم ولنا وطن
كتب إبراهيم الموسوي
إذا سارت الأمور نحو التسوية المرجوة، فيفترض، وفي أقل من أسبوع، أن يتم التوافق على انتخابات رئاسة الجمهورية، وأن يكون للبنان رئيس جديد للجمهورية. الواضح حتى الان أن هناك تقدماً ملموساً باتجاه إنجاز "التسوية التاريخية" حول موضوع الرئاسة تحديداً، دون أن يعني ذلك بأي حال نهاية الأزمة، أو بداية حقيقية لحلها.
تراجع فريق الموالاة بفعل ثبات المعارضة، وحسابات العقلانية الدولية الضاغطة، الأوروبية تحديداً، عن التلويح بخيار الانتخاب بالنصف + واحد، وتقدمت البطريركية خطوة واحدة، وإن كانت مفصلية وهامة لتسمية المرشحين للرئاسة، وتمسك حزب الله والعديد من أطراف المعارضة بمرشحهم للرئاسة.
في هذا الوقت، يستمر تقاطر الموفدين الدوليين الى لبنان، ومن الإنصاف القول إن لبنان لم يشهد في تاريخه مثل هذه الفورة العربية والإقليمية والدولية وحركة الموفدين تجاهه. لبنان اليوم هو محط اهتمام ومتابعة لحظية من معظم الدول العربية الفاعلة وغير الفاعلة، وموفدو السعودية ومصر والإمارات وغيرها من الدول العربية يجوبون العواصم ويجرون الاتصالات. إقليمياً وإسلامياً، فإن تركيا وإيران تمارسان أدواراً في موضوع الوساطة أيضاً.
كذلك فإن المبعوثين الأوروبيين من فرنسيين وإيطاليين وسويسريين وأسبان وبريطانيين يتسابقون على أبواب المسؤولين اللبنانين. لا ننسى دور الفاتيكان المعنوي. الأميركيون حاضرون بقوة عبر موفديهم وسفيرهم جيفري فيلتمان الذي يتحرك في لبنان وكأنه أحد المسؤولين اللبنانيين. والروس ليسوا في غياب.
طبعاً فإن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو عن سر هذا الاهتمام الدولي الشديد والمتابعة اللحظية الحثيثة للوضع اللبناني. وفي هذا الوقت تحديداً. بالتأكيد، فإن فريق الموالاة المستأثر بالسلطة لن يتبرع بأية إجابة في هذا المجال.
لكن الوقائع الدامغة تثبت بما لا يدع مجالاً للشك اصطفاف هذا الفريق في إطار مشروع دولي كبير يتعارض، بل ويتناقض، مع طبيعة البلد، ومنطق سير الأمور فيه، فضلاً عن قدرة بلد صغير مثل لبنان على احتماله.
المشروع الأميركي للبنان سيؤدي حتماً الى تمزيقه، إذا ما استمر فريق 14 شباط منضوياً في إطاره. لا يخدم لبنان أبداً أن يسير عكس السير، ولا يفيده أن ينتظم في إطار مشروع دولي معادٍ وغريب. فريق السلطة يجد سهولة غير مفهومة في التموضع ضمن خطط واشنطن برغم معرفته الأكيدة بمدى استباحتها للسيادة اللبنانية، وهو أيضاً يندفع بسرعة غير مبررة نحو تفهم خطوات الإدارة الأميركية المتصلة بأمن العدو الإسرائيلي، وذلك كله دون أن يكلف نفسه عناء تظهير موقف واحد يبين حرصه على حماية لبنان وضمان أمنه، مقابل العدوان الإسرائيلي وأطماعه الدائمة.
الانتهاكات الإسرائيلية الجوية اليومية لا تعني شيئاً لفريق السلطة، ولا تستدعي منه أية إدانة أو استنكار، والمناورات الحربية التي نفذها عشرات الألوف من الجنود الصهاينة على الحدود اللبنانية مع فلسطين لم تستدع منه أية إشارة، ولم تستفز منه عصبا واحدا. لدى فريق السلطة أولوية واحدة: مواجهة المعارضة ومنعها من المشاركة في تسيير أمور البلد، في وقت تتم فيه أكبر عملية نهب منظم لمرافق البلد تحت عنوان الخصخصة.
لن يستقيم أمر البلد حتى ولو انتخب رئيس جديد، وسيكون هذا الانتخاب محطة عابرة في ملف الأزمة الشائك والمتضخم.
غداً، أي بعد انتخاب الرئيس، إذا ما تم ذلك، فستكون هناك استحقاقات أكثر خطورة في السياسة والاقتصاد، لا يبدو فريق 14 شباط أكثر حرصاً في هذه الملفات منه في غيرها.
نستطيع ربما أن نتفاءل، حين لا تكون أولوية هذا الفريق التي لا يعدوها شيء آخر إزالة الخيم من ساحة الاعتصام في بيروت. فقط حين لا تصبح هذه أولوية لديهم، نستطيع ربما أن نقنع أنفسنا أن هؤلاء يستطيعون أن يكونوا ولو قليلاً خارج حسابات واشنطن وأتباعها، وهم الذين يفاخرون بالتبعية لها!
المطلوب بعض مظاهر الوطنية من قبل شركاء الوطن، حداً أدنى من إشعار الآخرين بالحرص على لبنان والعمل لمصلحته حتى يبقى لهم ولنا وطن!
الانتقاد/ العدد1241 ـ 16 تشرين الثاني/نوفمبر 200