ارشيف من : 2005-2008

أي نتيجة؟

أي نتيجة؟

كتب ابراهيم الموسوي
ثمة ديناميات كثيرة تحيط بالوضع اللبناني الراهن، ديناميات محلية واقليمية ودولية، ولكن ليس بالضرورة أبداً أنها ديناميات ايجابية، ويحار المتابع في تفسير هذا الفائض في منسوب الاهتمام الدولي المستجد بالساحة اللبنانية وأحداثها، وصولاً إلى مسألة الانتخابات الرئاسية، هل ثمة خطأ ما في الجغرافيا السياسية، تم اكتشافه فجرى العمل على تداركه أو التعويض عن التقصير السابق، بالتأكيد لا، ولكن يحدث أن لبنان اليوم تحوّل مجدداً إلى ساحة اشتباك سياسي متقدم بين مشروعين متناقضين، مشروع الاستعمار والاحتلال بنسخته الأميركية الجديدة، ومشروع التحرر والمقاومة والممانعة للهيمنة بنسخته العربية الاسلامية الجديدة أيضاً.
لم يستفق بوش ذات صباح ليسمع بأن بلداً جديداً صار موجوداً على خارطة العالم، وبالتأكيد، فإن "ثورة الأرز" ليست هي التي أوصلت نداءاتها إلى قلب واشنطن، الأكيد أن سلسلة الاخفاقات الأميركية الاستراتيجية في المنطقة، دفعت بالرئيس الأميركي إلى محاولة التفتيش عن تعويض معنوي ما، ولو من باب الاعلام، اذا اقتضى الأمر، والأكيد أن طاقم المستشارين الذي يحيط به، مضافاً اليه كمية التقارير المرسلة من السفير النشيط جيفري فيلتمان، وقبله السفير باتل، جعلت بوش يظن انه قد وجد ضالته في لبنان.
ولم يكن ينقص هذه الوجبة من المطبلين الا رموز 14 شباط الذين احتفوا بجون بولتون ليقولوا له إن الطريق سالكة تماماً من واشنطن إلى بيروت، ثم لتأتي قبلات السنيورة لرايس غداة مجزرة الصهاينة في قانا 2006 وبالسلاح الأميركي لتعزز ثقة إدارة البيت الأبيض في الحفاوة اللبنانية الممنتظِرة (بكسر الظاء) لقدوم الاميركيين.
الأخطاء نفسها تحصل في أماكن عديدة، فعشية احتلال العراق، كانت تقارير أحمد الجلبي ونصائح أياد علاوي وتنظيرت كنعان مكية قد ملأت ملفات الإدارة وأروقتها أيضاً .. كانت النصيحة أن شعب العراق سيستقبل "اليانكيز" بالورود، وكانت النتيجة سقوط المحتلين إلى قعر برميل البارود.
طبعاً، فإن ثمة أسباباً أكثر استراتيجية لتفسير هذا الارتفاع الهائل بمنسوب الاهتمام الاميركي الغربي عموماً بلبنان، وهذه الأسباب تتصل بجملة مسائل ليس أقلها انهيار وظيفة الكيان الصهيوني كقاعدة عسكرية متقدمة، وكأداة تأديب ناجعة للأنظمة وحركات المقاومة بعد هزيمة الاحتلال ودحره في العام 2000، والذي توج أكثر فأكثر بالهزيمة الكارثية والفضائحية التي لحقت بالعدو الصهيوني وراعيه الأميركي خلال عدوان تموز 2007، وكذلك فإنه فضلاً عن الأسباب المشار اليها آنفاً لناحية فشل غزو اميركا لافغانستان واحتلالها للعراق، فإن من الأسباب الهامة الأخرى صعود الدور الاقليمي لإيران ومعها قوى الممانعة والمقاومة.. فشل الحصار عليها وعلى سوريا، وهو ما جعل واشنطن تتحرك مباشرة بعد فشل أدواتها المحلية في تحقيق ما يلزم من اختراق للساحة بشكل فاعل وناجح بعد أن راهنت على سقوط لبنان بالكامل في حضن المشروع الاميركي بعد الانسحاب السوري منه قبل سنتين.
واليوم تظن واشنطن ومعها بعض المتوهمين من رموز 14 شباط أنهم قادرون على فرض مرشح لرئاسة الجمهورية بحسب المقاس والمواصفات الأميركية، ولكن هذه المكابرة الجديدة غير المحسوبة أثارت حفيظة، إذا لم نقل اعتراض حلفاء واشنطن الدوليين، لا سيما الأوروبيين وبعض أصدقائها المحليين الذين يرون في الأمر مبالغة في غير محلها أبداً.
هل تستطيع واشنطن اعلاء شروطها وتحقيق رغبات بعض أطراف الساحة الداخلية من رموز 14 شباط، بالتأكيد، وقطعاً، فإن الجواب لا، أولاً، لأن هناك ارادة ممانعة صلبة ومتماسكة للمعارضة اللبنانية، وثانياً لأن رغبات واشنطن ومخططاتها ليست قدراً لا يرد! وعليه فإن المستقبل القريب لن يجلب معه الا فصلاً جديداً من فصول الفشل الأميركي.
"وشوش" الله في أذن بوش ذات مرة فاجتاح افغانستان، وكانت النتيجة فضيحة كاملة، و"وشوش" الله ثانية في أذن بوش أيضاً، فاحتل العراق، وكانت النتيجة كارثة حقيقية، ويظن بوش وبعض حلفائه أن الله سـ"يوشوش" في آذانهم للإمساك بلبنان هذه المرة، كيف تتوقعون النتيجة؟
الانتقاد/ العدد1240 ـ 9 تشرين الثاني/نوفمبر2007

2007-11-09