ارشيف من : 2005-2008
الفرص "ة" الأخيرة
كتب إبراهيم الموسوي
كثر في الآونة الأخيرة استعمال تعبير "الفرصة الأخيرة"، و"ربع الساعة الأخيرة"، و"اللحظة الأخيرة" في الإشارة إلى المساعي المبذولة للاتفاق على إخراج للاستحقاق الرئاسي، حتى أن بعض الصحف الرصينة لم تكن محصنة كفاية تجاه اغراء استعمال المصطلح المذكور في مانشيتاتها العريضة.
الكل يعلم أن الموضوع لا يتعلق بفرصة أخيرة أو لحظة أخيرة، والسؤال هو اللحظة الأخيرة أو الفرصة الأخيرة قبل ماذا؟ فالاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية لن يكون بالطبع خاتمة أحزان اللبنانيين، بل هو بداية متواضعة جداً، وإن مطلوبة بشدة لفتح الملفات الأكثر تعقيداً في السياسة والاقتصاد وغيرهما من المشكلات العميقة التي تشكل مجتمعة الأزمة اللبنانية.
الاتفاق على انتخاب رئيس الجمهورية هو بداية وليس نهاية، بداية تعقبها بدايات وعملية مستمرة، مثابرة واعية لفكفكة عقد الأزمة المتعددة الوجوه والأبعاد.
قد يكون مؤاتياً الحديث عن عزل الموضوع اللبناني عن التدخلات والمؤثرات الخارجية المحاربة أميركية وغربية وإسرائيلية، وقد يكون مطلوباً بقوة إحداث فرز حقيقي لإظهار التمايز بين القوى الحريصة على لبنان، والمنضوية في إطار مشروع وطني لبناني يغلّب مصلحة البلد وسيادته وحريته واستقلاله ومنعته، وتموضعه الطبيعي في محيطه العربي وقضاياه الوطنية المحقة، وبين القوى التي تفاخر أو لا ترى غضاضة بالانتساب الى المشروع الأميركي، وتعتبر نفسها جزءاً منه. ومعروف أن المشروع الأميركي يصب حكماً في خانة مصلحة الإسرائيلي الذي ما زال عدواً بحسب الأدبيات السياسية لكل المواقع الرسمية وغير الرسمية اللبنانية باستثناء البعض ممن يعتبرون العدو الإسرائيلي جاراً، والشقيق السوري عدواً، أو الذين يدعون جهاراً نهاراً، ويحيكون مؤامراتهم في كواليس البيت الأبيض وبعض العواصم الغربية لمهاجمة سوريا، فيما لا يرفعون عقيرتهم بكلمة واحدة ضد العدو الإسرائيلي ولو من باب رفع العتب!
الأزمة اللبنانية مختصر لأزمات المنطقة وربما العالم، مفهوم، ولكن غير المفهوم هو أن يتولى بعض أقطاب الرابع عشر من شباط/ فبراير ادخال لبنان وإلحاقه بكل هذه التعقيدات والحسابات الكبرى، بدل التخفيف أو محاولة عزله عنها، ولا أحد يدري من أين تواتي هؤلاء "الشجاعة" على فعل كل ذلك وتوريط البلاد في حسابات ومعادلات خطيرة جداً، في حين يستنكرون على غيرهم من اللبنانيين مقاومة ما يفرض عليهم من معادلات العدوان والاحتلال برغم كون ذلك حقاً طبيعياً وشرعياً مكفولاً في كل شرائع الأرض والسماء وأنظمتها والقوانين والأخلاق.
الفعل العدواني هو فعل اسرائيلي اميركي غربي واضح، وجرائمه حاضره وضحاياه وآثاره غير خافية، ورد الفعل الدفاعي المقاوم لبناني المنشأ والهوية والوجود، فلماذا يدان المواطن الضحية على فعله الدفاعي المقاوم، ولا يستنكر على المجرم الخارجي إيغاله في دمائنا واحتلاله لترابنا وسلبه لمائنا وانتهاكه لسمائنا.
الذين يحسبون أن تبعيتهم لواشنطن ستجعل منهم شركاء لها واهمون، والذين يظنون أن الادارة الأميركية حريصة عليهم أكثر من حرصها على جنودها في المستنقع العراقي مخدوعون. كم من درس مضى ولم يستفد هؤلاء منه، وهل يكونون حسب زعمهم أهم لواشنطن من رؤساء دول وملوك أدارت لهم الادارة الاميركية ظهرها ولم تقبل أن تستقبلهم على أراضيها بعد أن كانوا حلفاءها الاستراتيجيين، وشاه ايران برهان مبين.
الذين شاركوا جورج بوش في كل حفلاته الجنونية غادروا الواحد تلو الآخر، وعلى عجل، وآخرهم كارين هيوز، مسؤولة تلميع صورة إدارة رئيسها في العالم، التي اكتشفت أن صورة رئيسها وبلادها لا يمكن تلميعها بعد أن تآكلها الاهتراء فاستقالت من دورها ومسؤولياتها. أما المراهنون، مغامرةً ومقامرةً، على البيت الأبيض، فلن يلبثوا أن يكتشفوا كم ستسوّد وجوههم حين لا يلقي اليهم سيدهم الأميركي بطوق نجاة، لأنه لا يملكه، وإذا امتلكه فسيبقيه لنفسه فقط.
الانتقاد / العدد 1239 ـ 2 تشرين الثاني/ نوفمبر2007