ارشيف من : 2005-2008
صورة عام 2007 في العراق.. مساحة التفاؤل تطغى على مساحة التشاؤم
بغداد: عادل الجبوري
اذا كان عام 2006 قد شهدت اربعة احداث كبرى مثلت منعطفات هامة في مسيرة الوضع العراق العام، فإن عام 2007 كان حافلا بأحداث ووقائع كبيرة وكثيرة، يمكن للمتتبع والقارئ لها بدقة وتمعن ان يستنتج انها في جانب منها افراز لاحداث عام 2006 البارزة، التي تمثلت بتفجير مرقد الامامين العسكريين في الثاني والعشرن من شهر شباط/ فبراير من ذلك العام، واختيار نوري المالكي القيادي في حزب الدعوة الاسلامية رئيسا لاول حكومة عراقية منتخبة استنادا الى الدستور الدائم بعد الاطاحة بنظام صدام، ومقتل زعيم تنظيم القاعدة في العراق ابو مصعب الزرقاوي بغارة اميركية بمنطقة هبهب التابعة لمحافظة ديالى في السابع من شهر حزيران/ يونيو، ومن ثم صدور حكم بإعدام صدام حسين وتنفيذ ذلك الحكم في الثلاثين من شهر كانون الاول/ ديسمبر.
مرقد الامامين العسكريين فتح الباب واسعا لاحتقان وتشنج طائفي ترتب عليه عمليات قتل واختطاف وتهجير وانتهاك لحرمة اماكن العبادة والمراقد الدينية المقدسة في مختلف مناطق العراق، وأنذر بفشل العملية السياسية وانهيار الدولة العراقية الجديدة، ولعل ذلك كان من بين اخطر واكبر التحديات التي وجدت حكومة المالكي نفسها وجها لوجه معها، والذي اثبتت احداث ووقائع العام 2007 انها نجحت بمقدار لا بأس به في اجتياز ذلك التحدي، وكان لخطة فرض القانون في العاصمة العراقية بغداد التي تم الشروع بتطبيقها في الرابع عشر من شباط/ فبراير الماضي الى جانب خطط مماثلة في محافظات اخرى اثر كبير في حدوث تحسن كبير في الوضع الامني بعموم البلاد، انعكس على ارض الواقع من خلال مصاديق ومؤشرات ودلائل عديدة من بينها الانخفاض الملحوظ في العمليات الارهابية المختلفة كالقتل على الهوية والاختطاف والتهجير القسري، وبحسب اخر الارقام والاحصائيات الرسمية للحكومة العراقية فإن العمليات الارهابية انحسرت بنسبة 75-80% مقارنة بأواخر عام 2006 وبدايات عام 2007، الى جانب ذلك فإن اعدادا غير قليلة من العوائل النازحة قسرا قد عادت الى منازلها، وكذلك توجيه ضربات مؤثرة للكثير من بؤر وقواعد الجماعات الارهابية في الانبار وديالى وبغداد والموصل وكركوك وصلاح الدين، وتصفية الكثير من القيادات والكوادر العليا لتنظيم القاعدة عبر القتل والاعتقال.
ولعل هناك عوامل عديدة ساهمت في احداث مثل ذلك التحول منها زيادة عديد القوات العراقية من الجيش والشرطة وتحسين قدراتها القتالية والتسليحية، والاتجاه الى تسليح العشائر وتشكيل مجالس صحوة في مختلف المناطق الساخنة على غرار مجلس صحوة الانبار الذي شكله الشيخ عبد الستار ابو ريشة، الذي لقي حتفه في عملية ارهابية استهدفته امام منزله في الانبار منتصف شهر ايلول/ سبتمبر الماضي، وزيادة التنسيق والتعاون الامني بين العراق وعدد من الدول المجاورة التي تذهب كثير من المؤشرات الى ان القسم الاكبر من العناصر الارهابية والتمويل والدعم المالي واللوجيستي يأتي منها كسوريا والسعودية.
ولكن لم يكن ذلك التحسن ليعني انتهاء التهديد الحقيقي للارهاب بالكامل، فقد شهد عام 2007 اعمالا ارهابية عديدة استهدفت اماكن عبادة ومؤسسات ودوائر حكومية وشخصيات سياسية ودينية وعشائرية ومسؤولين كبارا في الدولة، ففي الثالث عشر من شهر حزيران/ يونيو الماضي تعرض مرقد الامامين العسكريين لتفجير اخر مماثل للتفجير الاول، وخلال ذلك العام استشهد عدد من وكلاء المرجع الديني الكبير اية الله العظمى السيد علي السيستاني في محافظات النجف والديوانية والبصرة وكربلاء، الى جانب رجال دين اخرين، وتعرض عدد من المحافظين والقادة العسكريين للاغتيال، ومنهم محافظ المثنى ومحافظ الديوانية وقائد شرطتها، وكذلك قائد شرطة بابل، الى جانب اغتيال الشيخ عبد الستار ابو ريشة، وعدد من شيوخ ووجهاء العشائر المنخرطين في مجالس الصحوة في بغداد والانبار وديالى، من بينهم الشيخ فصال الكعود محافظ الانبار الاسبق الذي اغتيل مع عدد من رفاقه جراء تفجير انتحاري اثناء حضورهم في احد مؤتمرات المصالحة الوطنية في فندق المنصور ميليا بالعاصمة بغداد.
برغم ذلك فإن الحكومة العراقية كانت حريصة على استغلال وتوظيف المتغيرات الايجابية في الوضع الامني لتحقيق اكبر قدر من الانفتاح والتواصل مع المحيط العربي والاقليمي والدولي، او لتفعيل ذلك الانفتاح ليشجع ويدفع على تعاون ودعم عربي واقليمي ودولي لمواجهة الارهاب في العراق والتصدي له.
وفي هذا الجانب فقد عقدت عدة مؤتمرات في داخل العراق وخارجه، منها مؤتمر شرم الشيخ، ومؤتمر اسطنبول، ومؤتمرات بغداد الثلاثة، تمحورت موضوعات البحث والنقاش فيها حول تعزيز المصالحة الوطنية وسبل التصدي للارهاب ودعم العراق اقتصاديا، ورفع مستويات التمثيل الدبلوماسبي بين بغداد والعواصم الاخرى، وردم الهوة مع فرقاء دوليين مؤثرين في الشأن العراقي، كما حصل في ثلاث جولات من المباحثات بين الجانبين الاميركي والايراني تمت برعاية عراقية في العاصمة بغداد، واثمرت عن نتائج لا بأس بها تركت بصماتها واضحة على الوضع العراقي.
الى جانب ذلك فإن دينامية السياسة الخارجية العراقية بدت فاعلة على اعلى المستويات، من خلال تحركات وجولات كل من رئيس الوزراء نوري المالكي ورئيس الجمهورية جلال الطالباني، ونائبيه عادل عبد المهدي وطارق الهاشمي، ورئيس البرلمان محمود المشهداني، وزعيم كتلة الاغلبية في البرلمان العراقي السيد عبد العزيز الحكيم، اضافة الى مسؤولين كبار في الدولة من وزراء واعضاء برلمان على عدد من الدول العربية والاقليمية والاوروبية والاسيوية لشرح ابعاد الواقع العراقي ونيل المزيد من الدعم والاسناد السياسي والاقتصادي والامني.
في مقابل ذلك فإن بغداد شهدت زيارات لعدد غير قليل من زعماء الدول وكبار المسؤولين فيها.
وقد اثمرت التحركات الفاعلة على صعيد السياسة الخارجية عن اطفاء جزء كبير من ديون العراق، وتوسيع افاق التمثيل الدبلوماسي ورفع مستوياته، وتزايد حجم الاستثمارت الاجنبية في البلاد.
بيد ان ذلك كله لم يمنع من تعرض الساحة الداخلية الى ازمات متلاحقة اثرت سلبا على اداء الحكومة وفاعلية البرلمان، وادت الى حد ما الى تعثر العملية السياسة وتلكؤها، مثل انسحاب بعض الاطراف من الحكومة مثل جبهة التوافق العراقية والكتلة الصدرية، والقائمة العراقية، وتعليق بعض الكتل البرلمانية كالكتلة الصدرية وكتلة جبهة التوافق عضويتها في البرلمان، الى جانب انسحاب حزبي الفضيلة والتيار الصدري بصورة متتابعة من كتلة الائتلاف العراقي الموحد، والانسحابات في كتلة اخرى، والتجاذبات والاختلافات والخلافات الحادة بين مختلف القوى السياسية حول بعض القوانين المثيرة للجدل المعروضة على طاولة مجلس النواب من قبيل قانون المساءلة والعدالة، وقانون النفط والغاز، وقانون الموارد المالية، وقانون مجالس المحافظات.
وكذلك تعرضت الساحة العراقية لهزات عنيفة بسبب اعمال عنف ومواجهات مسلحة وقعت في اكثر من محافظة عراقية، مثل ما عرف بأحداث الزيارة الشعبانية في كربلاء، واحداث الديوانية، واحداث البصرة.
وفي اتجاه معاكس شهد عام 2007 ابرام اتفاقيات وتحالفات من قبيل الاتفاق الرباعي بين الحزبين الكرديين الرئيسيين وكل من المجلس الاعلى الاسلامي العراقي وحزب الدعوة الاسلامية، والاتفاق بين السيد عبد العزيز الحكيم والسيد مقتدى الصدر، والاتفاق الثلاثي بين الحزبين الكرديين والحزب الاسلامي العراقي بزعامة طارق الهاشمي، مضافا الى ذلك فإن المشهد العام لم يخلُ من حدوث قدر من الخلافات والتجاذبات بين حكومة اقليم كردستان من جهة والحكومة المركزية من جهة اخرى حول شرعية ودستورية العقود النفطية المبرمة من قبل حكومة الاقليم، وقضية كركوك وتطبيق المادة 140 من الدستور العراقي الدائم، وموضوع الاتفاقية الامنية بين العراق والولايات المتحدة الاميركية التي من المفترض ان تستكمل صياغاتها من قبل واشنطن وبغداد خلال فترة اقصاها نهاية شهر حزيران/ يونيو المقبل.
ليس هذا فحسب بل ان الازمات والتجاذبات الخارجية مثل ازمة حزب العمال الكردستاني بين تركيا واكراد العراق، والازمات المتلاحقة بين طهران وواشنطن بسبب قيام الاخيرة باعتقال دبلوماسيين ايرانيين عاملين في العراق، مثل تلك الازمات والتجاذبات القت بظلالها على الوضع العام في العراق.
كل تلك الوقائع والاحداث وغيرها، رسمت خطوطا متقاطعة والوانا متداخلة لصورة المشهد العراقي العام، ما جعلها تبدو مشوشة الى حد كبير وتحيط بها كتلة من الضباب، بحيث يصعب وصفها بالصورة المتشائمة، وفي ذات الوقت لا يمكن القول انها صورة مشرقة وناصعة وتبعث في كل جوانبها وزواياها على التفاؤل، وان كانت مساحة التفاؤل تطغي على مساحة التشاؤم.
الانتقاد/ العدد 1248 ـ 4 كانون الثاني/ يناير 2008