ارشيف من : 2005-2008
عام 2007 في بانوراما ثقافية روتينية..لا تشبع طموح المثقفين
كتبت فاطمة بري بدير
تختلف اهتمامات الكتّاب والمتابعين حينما يريدون أن يتحدثوا عن حصاد العام 2007، وأنا أقصد حتى في الشأن الثقافي!
فبعيداً عن الحصاد السياسي أو الاقتصادي أو الأمني نجد أن المفهوم الثقافي بحد ذاته يختلف من رؤية لأخرى. ومع نهاية العام تحديداً تابعتُ عشرات الصفحات والمقالات التي حاولت أن تذكّر القارئ والمهتم بأبرز الأحداث الثقافية، فكانت النتائج مختلفة ومغايرة، ذلك أن المهتمّ بالأدب أجرى قراءة أدبية بحتة، والمهتم بالشعر أرادها بانوراما شعرية، وكذلك الأمر مع المسرح والسينما المحلية أو السينما العالمية.. وأكثر من ذلك تابعت بانوراما ثقافية خاصة اقتصرت على الفن التشكيلي وبعض تجليّات لوحاته وخطوطه.
من هذه المقدّمة أفضي الى القول: سنحاول ضمن هذه السطور أن نجري قراءة راصدة لأبرز وجوه الثقافة دون أي تخصيص، من الأدب إلى الفن والدراما والسينما وأنواع أخرى.. فتعالوا نلقِ نظرة على هذه الخارطة الثقافية التي أنجبها العام الراحل.
.. ونبدأ تجوال حصادنا من بيروت، عاصمة الثقافة الدائمة التي خنقتها المناخات السياسية والاقليمية، والتي يشاء طالعها أن يختم العام المنصرم أيامه مع اختتامها فعاليات معرض كتابها العربي والدولي. كان المعرض يتيماً ومهمّشاً إلى حدّ ما.. ولعل وضعه يصلح ليكون عنوان الحالة الثقافية في لبنان.
وحده جواد الأسدي المخرج العراقي المغامر، جاءها ليحقق حلمه المهني، فافتتح في خريفها الماضي مسرحه الحلم الذي أطلق عليه اسم "بابل"، وبدأ بعرض أولى مسرحياته منذ أسابيع. وافتتاح "مسرح لجواد الأسدي" هو بحد ذاته حالة ثقافية مميّزة، لكنها حالة بقيت استثنائية في عام التجاذبات السياسية الأقوى، وما تمخضت عنه من فراغ رئاسي دستوري. وإن كان الفراغ قد وجد مكانه في السلطة والنظام والمؤسسات، فلا عتب إذن على الثقافة وأهلها!
والحديث عن الثقافة المحلية يبقى يراوح مكانه، حيث لا اختلاف عن بقية الأعوام، سواء في معدلات النشر أو الكتابة أو الاصدارات الجديدة، وإنما جاء الاختلاف هذا العام "سينمائياً"، فمن حيث لم يحتسب أحد كرّت سبحة من الانتاج السينمائي، بغض النظر عن مضمونه وأبعاده، لكن الحديث كثر عن السينما اللبنانية التي حضرت بقوة في المهرجانات الدولية وعادت بجوائز متنوعة. ومن هذه الأفلام: "تحت القصف" لفيليب عرقتنجي، و"خلص" لبرهان علوية، و"سكر بنات" لنادين لبكي.
ثمة إشارة لا بد منها هنا، وهي موضوع "استلهام" حرب تموز 2006 في العديد من الأعمال الفنية، السينمائية تحديداً، التسجيلية والوثائقية، وهو استلهام لم يقتصر أبداً على اللبنانيين، بل تعداهم إلى مهتميّن عرب وآخرين غربيين.
ومن الأجواء المحلية الخجولة في مكان والنشطة في مكان آخر، نتحوّل عالمياً لاستجلاء الصورة التي نبدؤها من أهم الأحداث الأدبية:
جائزة نوبل للآداب للعام 2007 ذهبت للكاتبة والروائية البريطانية دوريس ليسينغ، تكريماً لها عن مجمل أعمالها الأدبية التي امتدت أكثر من نصف قرن.
جائزة الغونكور الفرنسية استحقها جيل لوروا عن روايته "أغنية الآباما".
وحديث الجوائز يمتدّ ليشمل عشرات الجوائز التي لا يتسع المجال لذكرها.
وفي جعبة العام 2007 المكتبية برز عالمياً كتاب غابرييل غارسيا ماركيز: "سيرة ماركيز" التي صدرت نسختها الأولى في بلده الأم كولومبيا بمليون نسخة دفعة واحدة، وهو أمر لم يحدث من قبل.
الكاتب الأميركي الأشهر الذي رحل قبل أسابيع نورمان ميلر، كتب رواية عن طفولة الفوهرر هتلر وعنوانها "قصر في الغابة"، وفيه ما تخيّله وما سمعه عن طفولة هتلر وعن علاقته بأهله.
وفي ألمانيا لم تهدأ الضجة في الأوساط الأدبية والصحافية والاعلامية بعد إقدام الكاتب غونتر غراس حائز جائزة نوبل، على الاعتراف من خلال سيرته "قشر البصل"، بأنه شارك ذات يوم بفرقة "أس.أس"، وارتدى اللباس العسكري التابع للرايخ الثالث حين كان في العشرين من عمره!
المؤرخ الشهير سايمون مونتيغيور أقدم على نشر معلومات سريّة تنشر للمرة الأولى حول حياة الزعيم الراحل "ستالين": "بدأ كهنوتياً فشاعراً ثم قاطع طريق ثم صديقاً مقرّباً للينين".. والكتاب بعنوان "ستالين شاباً" صدر عن "دار نويف" في أميركا.
ومن العالمية إلى العربية..
استطاع الكاتب المصري وطبيب الأسنان د. علاء الأسواني صاحب رواية "عمارة يعقوبيان" أن يحافظ على اسمه ونتاجه في الصدارة بعد صدور عمله الثاني رواية "شيكاجو"، وقد اعتبرته بعض الأوساط الاعلامية الشخصية الأدبية الأبرز في العام 2007.
الكاتب والروائي اللبناني الياس خوري فاز مؤخراً بجائزة سلطان بن علي العويس الثقافية في دورتها العاشرة، عن مجمل أعماله الأدبية والروائية، وهي الجائزة التي توزعت على سبع شخصيات ابداعية في العالم العربي.
دراما العام 2007
لم تحقق الدراما العربية قفزة نوعية أو تاريخية في العام المنصرم، بل لعلها أكملت طريقاً بدأته منذ سنوات، وإن احتفظت لنفسها ببعض النقاط الخاصة، مثل تهميش الأعمال التاريخية التي شهدت طفرة كبيرة في الأعوام السابقة، وهو أمر بات ملحوظاً ومعترفاً به في العام الماضي.
ومن أهم سمات الدراما عام 2007 هو التزاوج السوري المصري الذي كان في سنوات مضت محطة للاتهامات المتبادلة، فبعد الأخذ والرد اقتنع القيّمون في البلدين بأن التعاون أفضل من العداوة، ونتج عن تعاون 2007 هجرة العديد من الممثلين السوريين إلى القاهرة، وتابع المشاهد العربي الأعمال المشتركة التي نتجت عن هذا التقارب والتعاون (أيمن زيدان، جمال سليمان، تيم حسن، جمانة مراد، سوزان نجم الدين). ولن ننسى أن الدراما السورية في العام 2007 عانت ممّا سمّته "المؤامرة الاقليمية والسياسية ضدها"، وهي المؤامرة التي أدت إلى عدم عرض العديد من الأعمال وإلى قيام الدولة بشراء جزء كبير من هذه الأعمال وتوزيعها وعرضها على القنوات السورية الأرضية والفضائية.
والحديث عن دراما 2007 يجعلنا نعيد ما قاله كثيرون: هذه الدراما تجلّت وبرزت مع مسلسل "الملك فاروق" الذي أنتجه السعوديون أخيراً.. وبعد تهميش مصري لأكثر من عشر سنوات! والمفارقة الثانية كانت في مسلسل "باب الحارة" الذي كشف مزاجاً شعبياً عارماً أوصله إلى رتبة التقديس، وجعل منه أمثولة تدور على كل شفة ولسان، ما دعا شركات الانتاج إلى بدء العمل الفوري على الجزء الثالث استثماراً لهذا النجاح الشعبي!
واللافت أن النجاح الشعبي لمسلسل "باب الحارة" 2007، لم يلتقِ أبداً مع أمزجة النقّاد وأصحاب الشأن، وتجلّى هذا في الجائزة "الثانوية جداً" التي حصل عليها في مهرجان القاهرة الأخير للاذاعة والتلفزيون، وهي جائزة "الأزياء والاكسسوار"!!
وعلى ما يبدو فإن "باب الحارة" ليس العمل الوحيد الذي استثمر أصحابه نجاحاته، فها هو المخرج السوري المتألق حاتم علي يتوّج نجاحه في مسلسل "الملك فاروق" بإعلانه في مؤتمر صحافي عقده في إمارة دبي، في فندق فور سيزنر، عن إنشاء شركته الانتاجية الخاصة.
الاعلان هذا جاء في الأيام الأخيرة من السنة الماضية، وفيه أُعلن عن البدء بتنفيذ مسلسل خاص من رؤيا وخيال وفكرة حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، بكلفة ستة ملايين دولار فقط لا غير.
ومن حديث الدراما إلى حديث الجوائز والمؤتمرات والمعارض والمسرحيات التي لم تخلُ صفحاتها من نقاط وإنجازات عديدة وأنشطة متنوعة إلى استعراض سريع لأبرز الغيّاب والراحلين عام 2007:
غابـــــوا:
ـ غيّب الموت كاتب السيناريو المصري عبد الحي أديب منتصف حزيران الماضي عن عمر يناهز الثمانين، وعن حصاد من السيناريوها والأفلام تضاهي سنوات حياته.
ـ غيب الموت أيضاً الفنان الكوميدي يونس شلبي في شهر تشرين الثاني عن عمر 66 عاماً، بعد بداية ناجحة جداً في المسرحية الشهيرة "مدرسة المشاغبين" في العام 1973، وانتهاء بالفيلم السينمائي "طيور الظلام".
ـ رحيل الشاعرة العراقية الكبيرة نازك الملائكة في القاهرة بعد أكثر من نصف قرن على اطلاقها فضاءات الشعر الحر والحديث.
ـ الشاعر العراقي سركون بولص أيضاً والمخرج العراقي عدنان إبراهيم الذي تعرض لعملية اغتيال في العاصمة السورية دمشق مؤخراً.
وهذه الجولة السريعة على حصاد الغيّاب تكتفي بالمساحة العربية، نظراً لكثرة أسماء الراحلين في عالم الثقافة الغربية على امتدادها الأميركي والأوروبي.
وهكذا يكون العام 2007 قد أسدل ستارته على عام من الخيبات السياسية الاقليمية، وعلى احباط فكري مزمن، جعل من الأوضاع الراهنة أوضاعاً تساير الواقع وتتماشى معه. مع كل الأمل والتمنيات بأن يكون عام 2008 عام تحقيق الأهداف والأحلام والمشاريع المزدهرة والناجحة.
في الطب والصحَّة
أُغلق العام 2007 على اكتشاف علمي وطبي مهم جداً ستكون له أبعاد إنسانية عظيمة إذا ما تحقق فعلياً، حيث تحوّل حلم زراعة الأعضاء في المختبر لاستخدامها عوضاً عن الأعضاء المبتورة إلى واقع وحقيقة!
هذا الحلم تحقق مع الإعلان عن اكتشاف في مجال الخلايا الجذعية التي تعتبر أساساً لكل خلايا الأعضاء البشرية. حصل ذلك بعد نجاح فريق ياباني وآخر أميركي بإعادة برمجة خلايا الجلد البشري لانتاج الخلايا الجذعية القادرة على التحوّل إلى خلايا عصبية أو قلبية، أو تصبح خلايا وظيفية متخصّصة مماثلة لخلايا أكثر من 200 عضو بشري آخر.. وهذا يعني التوصل إلى علاجات للكثير من الأمراض مثل السرطان والسكري والزهايمر.
تكنولوجيا
شهدت نهاية 2007 واحدة من أغرب العمليات التي لا يمكن تشبيهها إلاّ بقصص الخيال العلمي، لكنها حقيقة واقعة. فقد اعتقلت الشرطة النيوزيلندية شاباً في الـ18 من عمره، يترأس عصابة إلكترونية دولية تمكنت من التغلغل في أكثر من 3.1 مليون جهاز كومبيوتر حول العالم، وتوظيفها في سرقة نحو 25 مليون دولار من حسابات الأفراد المصرفية. جرت عملية الاعتقال بعد تحقيقات دولية شاقة أشرف عليها مكتب التحقيقات الاتحادي الأميركي "أف.بي.آي".
الانتقاد/ العدد 1248 ـ 4 كانون الثاني/ يناير 2008