ارشيف من : 2005-2008

الحركة التشكيلية في لبنان لعام 2007: لوحات تنبض على خط الزلازل‏

الحركة التشكيلية في لبنان لعام 2007: لوحات تنبض على خط الزلازل‏

ربما لم يكن المشهد التشكيلي في لبنان في العام 2007 في أبهى حلله، لكنه دون شك كان معانداً للمشهد السياسي والتوترات الأمنية، فشاهدنا عشرات المعارض في كل المناطق، حتى لو تأثر عدد الجمهور بالمناخ العام.
لن ندخل في عملية احصائية ولا في تقييم للأعمال ومستوى الأسماء، لكن سنسعى إلى بناء صورة للحركة التشكيلية في الـ2007، مع الاعتراف الضمني بأننا لن نستطيع رصد كل الأنشطة.

مصطفى فروخ‏
في لفتة مميزة نُظم معرض استعادي لأحد رواد الحركة التشكيلية في لبنان الفنان الراحل مصطفى فروخ، فعرضت له أعمال من شتى مراحله اللبنانية والأوروبية، ومن المواضيع المتمحورة حول الوجوه إلى المناظر الطبيعية إلى الاسكتشات السريعة المدوِّنة للحظة.. وصولاً إلى رسومه الكاريكاتورية المستندة إلى بساطة الخطوط ومتانة الكتل، ومراعاة الشروط الفنية لناحية الظل والنور والأبعاد.

محترف جورج زعني
يُعرف عن الفنان جورج زعني غزارته في الانتاج وكثرة معارضه واعتماده على تقنية الكوراج وغرابة العناوين، من هنا كان له في العام 2007 أكثر من 4 معارض ضخمة في عدد أعمالها، ولاتة في صياغتها.
مثلاً نتوقف عند معرضه الذي دار  فيه حول محور واحد هو التدخين، فنسج عشرات اللوحات والمجسمات المكتظة بأوراق التبغ وعلب الدخان القديمة وعلب الكبريت وصولاً إلى النارجيلة والفحم و"المنقل".

بيت العنكبوت‏
يعتبر معرض "بيت العنكبوت" من أضخم المعارض وأكثرها جماهيرية في العام 2007، وهو برغم كونه عملاً متحفياً وتجهيزياً، لكنه حاكى الفن التشكيلي في أكثر من نقطة، أهمها اعادة صوغ الغنائم ووضعها في قوالب زجاجية وبين القضبان. كذلك بناء المجسمات وتركيب الآليات وتأليف المؤثرات من حولها. أيضاً على هامش "بيت العنكبو" نظمت أنشطة عديدة في الخيمة المجاورة، فكان معرض للتصوير الفوتوغرافي شارك فيه ثلة من المصورين اللبنانيين بينهم الزميل عصام قبيسي وعلي حشيشو وأسعد أحمد. كذلك نظم عرض لفن الكاريكاتور لفنانين من مختلف دول العالم، وكان عنوانه "احتلال". المعرض شكل فرصة للمهتمين بهذا العنوان في لبنان، حيث من النادر أن تشهد الساحة الثقافية اللبنانية معرضاً كاريكاتورياً بهذا الحجم العالمي، إضافة إلى المستوى الفني الراقي من الجانبين التقني والإبداعي.

الخط
ثلاثة خطاطين إيرانيين عرضوا أعمالهم في قاعة قصر الأونيسكو فبهروا الزائرين والنقاد بفن عالي المقام ودقيق الحرفة ومتين الصياغة، فكان هذا المعرض فرصة للاضاءة على الخط في لبنان الذي يعاني من أزمان كبرى، غيبته عن الساحة الفنية والنقدية.

تموز
حضرت حرب تموز 2006 بقوة في معرض مشترك بين الفنانين يوسف غزاوي وزوجته سوزان شكرون، لكن هذا الحضور لم يكن في مواضيع اللوحات، بل في اللوحات نفسها، ذلك أن الطيران الصهيوني استهدف محترف الفنانين وهدمه على بكرة أبيه.. فما كان من غزاوي وشكرون إلا أن وقفا بجانب الجرافة التي تنتشل الركام حتى يحصلا على بعض من أعمالهما المحطمة، وهكذا كان.. ومن تلك الأعمال المنتشلة والمكسرة والممزقة كان المعرض في الأونيسكو أشبه برد فعل صارخ على حقد الطائرات.
أيضاً حضرت حرب تموز في معرض المصور الفوتوغرافي أسعد أحمد الذي قدم مجموعة من الصور المواكبة ميدانياً ليوميات الحرب.. فقدم على طريقته قراءة ثانية للحرب فيها أوجه جديدة، إنما ضمن المصطلحات الثابتة للصمود والتمرد والاصرار.

عبد الرحمن قطناني‏
المعاناة الفلسطينية مع العدو الصهيوني ومع الأنظمة "المعتدلة"، وكذلك معاناة الفلسطينيين في مخيمات لبنان، كانت جميعها محوراً رئيسياً للمعرض الكاريكاتوري للفنان الفلسطيني الشاب عبد الرحمن قطناني، الذي عرف كيف يرتشف المشهد من منبعه، فيطرحه دون الوقوف عند تمنيات هذا الفصيل أو ذاك. وقد استطاع قطناني أن يعبر بريشته عن خفايا الأحاسيس وهول الظلم ويوميات الصمود، والهواجس الدائمة حول فكرة التوطين.
معرض عبد الرحمن قطناني أعاد إلى الأذهان تجربة الشهيد ناجي العلي الذي لم تكن تبعده المسافة الجغرافية عن التقاط نبض الناس، وتحديداً نبض الشعب الفلسطيني في الداخل والشتات.

عاصم أيوب‏
في صالة جمعية الفنانين اللبنانيين للرسم والنحت، عرض الفنان عاصم أيوب مجموعة كبيرة من لوحاته الدائرة في فلك الطبيعة الصامتة، فقدمها ضمن أسلوب خاص وطريقة في التنفيذ لها خصوصيتها لناحية الصياغة والألوان، وإن كانت المدرسة التكعيبية حاضرة في ترجمة الأشياء إلى أشكال هندسية.

أسامة بعلبكي‏
في صالة صافينا قدم الفنان الشاب أسامة بعلبكي معرضه الثاني في مجموعة لوحات ناضجة ومكتملة الشروط لناحية التقنية والفكرة وخلق الخصوصية التي تطبع اللوحة ببصمة صانعها.
تنهل لوحة بعلبكي من التراث السريالي المبسّط ودون فذلكات لونية، بل انتمت مجمل اللوحات إلى ثنائية الأسود والأبيض.
حتى في اللوحة الواقعية المأخوذة من يوميات الجزار، نلاحظ الغربة والغرابة، خاصة حين نرى الراديو إلى جانب قطعة اللحم المجدولة بالعظم.
معرض أسامة بعلبكي كان محطة جدية ومهمة هذا العام، ساهمت مع بعض المعارض الأخرى في ضبط الموسم التشكيلي ورفع مستواه في ظل أجواء عامة فرضت على تشكيليين كبار الانكفاء.

عبد المولى العويني‏
تكمن خصوصية لوحة الفنان عبد المولى العويني في كونه طياراً متقاعدا، لذلك نلحظ عملية الاقلاع والهبوط في اللوحة حتى لو كانت جل أعماله تجريدية. وكذلك استوقفتنا طريقته في النظر بعين الطيار إلى الأرض، حيث تتحول المدن والحقول إلى مجرد مربعات هندسية، وهو ما أحسن العويني ترجمته.
أيضاً استوقفنا هذا العام معرض لطلاب معهد الهادي التابع لجمعية المبرات الخيرية، حيث أدهشنا الطلاب الصم والبكم في طريقتهم في التعبير ونضج وعيهم التشكيلي وعلاقتهم بالألوان والأفكار.
طبعاً هناك معارض أخرى بين الرسم والنحت والتصوير الفوتوغرافي، لكن ما ذكرناه يشي بتنوع وكم لا بأس به في بلد كلبنان يعيش على خط الزلازل.
عبد الحليم حمود
الانتقاد/ العدد 1248 ـ 4 كانون الثاني/ يناير 2008

2008-01-04