ارشيف من : 2005-2008
عاشوراء والانتصار بلغة الأهداف
باللغة السياسية ـ الادارية، وهذا صحيح من جهة، فالخلود والديمومة واستمرارية الاحياء لعاشوراء ولذكر الامام الحسين(ع) مع انعدام واندثار الذكر للجهة المقابلة، هو الشاهد التاريخي الواقعي لحقيقة الانتصار المعنوي الذي آلت اليه عاشوراء والذي تحقق بفعل التضحيات الجسام التي قدمها الامام(ع) على مذبح الفداء والتقرب الى الله في سبيل احياء دينه ودوام ذكره وتقويم مسار رسالته. لكن الوجهة الاخرى التي قلما تُطرق في حقيقة الانتصار الذي انتجته الدماء الطاهرة التي سفكت في كربلاء عام 61هـ هي وجهة الانتصار بلغة الاهداف، اي بالمعنى الاداري ـ السياسي، وهو حكم لا يصادر النتيجة ولكنه مبني على دلائل وبراهين أقدمها على النحو التالي:
أولاً: ان التقويم لأي حدث أو فعل من حيث النتيجة يبتني على منظومة مبادئ تشتق منها أهداف محددة، بحيث ان التقويم يلحظ الأهداف الموضوعة وليست تقويماً اعتباطياً.
ثانيا: ان الذي يضع الأهداف هو صاحب الفعل بحسب رؤيته المبنية على المبادئ التي يؤمن بها، وهي (اي الاهداف) عبارة عن اسقاط المبادئ على الواقع والمواءمة بين هذه المبادئ الثابتة في سياق اسقاطها على الواقع (المتغير) لانتاج الاهداف الفعلية الصحيحة.
ثالثاً: ان مناقشة الاهداف قبل تقويم تحقيقها او عدمه يجب ان يلحظ الامرين:
- معيارية الاهداف قياساً الى المبادئ.
- الوقائع والظروف.
فلو كانت الاهداف مغايرة للمبادئ فهي عبثية او لهوية، واذا لم تلحظ الوقائع فهي غير واقعية، وقد تكون غير عقلائية.
رابعاً: انه من المتيقن لكل ناظر ومتأمل وباحث ان الاهداف التي حددها الامام الحسين(ع) كانت مبدئية وملتزمة بالمعايير المشتقة من القيم التي يؤمن بها الامام الحسين(ع)، وهي اهداف مرتبطة بحفظ الشريعة وتقويم مسار الحق في امة المسلمين واصلاح الامة، فهي اهداف عليا مقدسة.
خامساً: ان الاشكالية التي يطرحها البعض حول عدم واقعية الاهداف لعدم مراعاتها الظروف والاوضاع وعدم قراءتها الدقيقة لحال الناس والموالين وعلى اساس هذه القراءة غير الدقيقة والتي لم تلحظ كل الوقائع قام الامام الحسين(ع) ملتزماً بادعاءات لاناس خذلوا اباه واخاه من ذي قبل وما لبث ان كرر هو التجربة معهم من دون ان يأخذ تاريخهم بعين الاعتبار، وهذه الاشكالية مردودة من جهتين:
1- ان الامام(ع) لو كان مطمئناً لاقوال ورسائل وادعاءات اهل الكوفة، وكان تحركه بسبب هذه الادعاءات لما ارسل رسوله مسلم بن عقيل يستطلع حال اهل الكوفة قبل مسيره.
2- ان الامام(ع) وقبل تحركه من المدينة المنورة كان حاسماً في تحديد مسار الامور ومآلها، فقد اعلن(ع): "بأني ارى اشلائي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلا"، ومخاطباً النساء: "وأراكن سبايا". اي انه كان يعلم بأن مآله الى الشهادة ومآل النساء الى السبي.
وعليه فإن الامام الحسين(ع) كان مبدئياً في اهدافه، وكان واقعياً في حركته، فإذا اردنا تقويم الاهداف من زاويتين: المبدئية والواقعية فإنها تصبح كذلك، وعندها يتحول الى تقويم التحقق او عدمه (للاهداف) بعد التأكيد على ان الاهداف راعت القواعد الصحيحة.
سادساً: هل حقق الامام الحسين(ع) الاهداف التي وضعها ام اخفق في ذلك؟!
لنعد الى الاهداف التي رسمها الامام الحسين(ع) بنفسه وهو الذي اعلنها وكان دقيقاً في الاعلان عنها:
قال الامام الحسين(ع): "انما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي...".
فالهدف الحصري النهائي المحدّد هو طلب الاصلاح في امة الرسول(ص).
وهذا الهدف يحتمل المضامين التالية:
- ان الخروج هو لطلب الاصلاح وليس للاصلاح المباشر، وطلب الاصلاح يحتمل:
* عدم الفورية.
* لحاظ القابل (وهو الامة).
فالامام الحسين(ع) تكليفه ان يطلب اصلاح هذه الامة التي يجب ان تتجاوب مع حركته الاصلاحية، فلو انه قال اني خرجت لاصلح امة جدي ولم تصلح الامة فالاشكال واقع.
- ان الاصلاح في امة الرسول(ص)، حركة دينية ـ اجتماعية سارية مع الزمن سريان الامة في تشكلها، فالامة التي كانت في زمن الامام الحسين(ع) هي مرحلة من مراحل تشكل الامة وليست نهايتها، فالاسلام كان لما يزال في طور الانتشار والتمدد والامة كانت تتشكل مع الزمن، فالاصلاح الذي طلبته عاشوراء يجب ان يسري مع الامة في صيرورتها بلوغاً لمنتهاها.
سابعاً: وعلى اساس ما تقدم، تظهر الاهداف التي رسمها الامام الحسين(ع) مبدئية وواقعية، اي انها اهداف معيارية صحيحة.
وعلى اساس ما تقدم ايضاً فإن الهدف الرئيسي المرسوم: طلب الاصلاح في الامة هو هدف تدريجي يواكب الامة في حركتها، والمطلوب ان يحصل الاصلاح بفعل النهضة الحسينية على نحو تصل معه الامة الى الاصلاح في نهاية تشكلها، فعندما نصل الى الامام الخميني(قده) وبعد نحو اربعة عشر قرناً نراه يقول: "ان كل ما عندنا من عاشوراء". وعندما يخرج الامام المهدي(عج) في حركته الاصلاحية انطلاقاً من مبادئ عاشوراء بعد ان ينتج احياء عاشوراء عاماً بعد عام اصلاحاً توسعياً في جسم الامة يسمح للامام المهدي(عج) بالخروج لاقامة نهضته العالمية، فهذا يعني ان الهدف المرسوم في عام 61هـ يكون قد تحقق ويكون الاصلاح المطلوب والمنشود قد حصل بالفعل، ويكون الامام الحسين(ع) قد انتصر بتحقيق اهدافه وليس فقط بدوام ذكره، ويكون انتصاراً ادارياً ـ سياسياً كما هو انتصار معنوي.
د.بلال نعيم
الانتقاد/ العدد1249 ـ 11 كانون الثاني/ يناير 2008