ارشيف من : 2005-2008
كينيا... انتخابات ومجازر
ما يقرب من 500 قتيل سقطوا في المواجهات الدموية التي أعقبت، في 30 كانون الأول/ ديسمبر المنصرم، ظهور نتائج الانتخابات الرئاسية في كينيا، التي جاءت لمصلحة رئيسها المنتهية ولايته، مواي كيباكي، الذي عاد ورشح نفسه لولاية ثانية، في حين كان منافسه، رايلا أودينغا، المرشح عن الحركة الديمقراطية البرتقالية، يعتبر نفسه أحق بالفوز. وبالطبع، هنالك أضعاف هذا العدد من الجرحى، وأضعاف أضعافه من الهاربين والنازحين الذين يقدر عددهم بـ250 ألفاً. وقد كان من اللافت تسارع المنظمات الإنسانية الغربية إلى الاهتمام بالموضوع بشكل يشي، في ظل إعراض المنظمات نفسها عن الاهتمام بموضوعات مشابهة كثيرة، بالأفضليات التي تحفز القوى والجهات الغربية على "الاستثمار" المتنوع الأشكال في مشكلات إفريقيا والقرن الإفريقي على وجه التحديد. وكان من اللافت، بالمعنى نفسه، ضخامة عدد منظمات الدفاع عن حقوق الانسان التي سارعت بدورها إلى اتهام الشرطة الكينية باللجوء المفرط إلى العنف والإعدامات غير القانونية معتمدة في ذلك على شهادات إفرادية لا تخلو من طابع تحريضي.
الطابع التحريضي نفسه برز في تركيز وسائل الإعلام على التحاق كيباكي بصفوف التحرك الاستقلالي الذي قاده جوموكينياتا ضد الاستعمار البريطاني، وعلى دعوى تأييده سابقاً لدانييل آراب موا الذي حكم كينيا لأربع ولايات متتالية، علماً بأن كيباكي قد خاض الانتخابات الرئاسية مرتين، عام 1992 و1997، ضد موا ولم يتمكن من الفوز إلا عام 2002، بعد أن فقد هذا الأخير حقه بالترشح لولاية خامسة. ولعل أكثر ما يلفت الانتباه إلى الطالع التحريضي هو أن وسائل الإعلام قد أهملت الإشارة إلى أن آراب موا، وهو ينتمي إلى إثنية قليلة العدد، قد جعل من ضرب نفوذ إثنية كيكويو، الأكبر في البلاد (21% من السكان) وذات الدور الكبير منذ الاستقلال والتي ينتمي إليها كيباكي، شعار حكمه الأساسي. وبالطبع فإن كيباكي الصريح في تبنيه لليبرالية الاقتصادية والذي فاز على أساس برنامج إصلاحي في محاربة الفساد المستشري ليس قديساً سياسياً. لكنه احرز نجاحات لا تنكر على المستوى الاقتصادي في بلد منهك بالديون وإملاءات صندوق النقد الدولي والفساد والإيدز الذي يعاني منه أكثر من مليوني كيني من أصل 25 مليوناً. ومهما يكن من أمر، فقد أعلن كيباكي استعداده، فور اندلاع الاضطرابات، لتشكيل حكومة وحدة وطنية. لكن المعارضة البرتقالية رفضت العرض وأصرت على مطلب استقالة كيباكي قبل أية مفاوضات، وعلى إجراء انتخابات جديدة في مهلة تتراوح بين 3 و6 أشهر. وقد أكد زعيمها رايلا أودينغا تقاسم السلطة شرط اعتراف كيباكي بأنه زور نتائج الانتخابات وبأنه كان هو الفائز، مضيفاً بأن المهم هو معرفة الفائز.
وفي الوقت ذاته واصل أودينغا التلويح بالتظاهرة المليونية التي وعد بها والتي لم تتحقق لأسباب يقال انها تعود إلى صعوبة التنقل في ظل الاضطراب الأمني. وبعد الوساطات التي قامت بها مساعدة وزيرة الخارجية الأميركية للشؤون الإفريقية، إضافة إلى الأسقف الإنغليكاني ديسموند توتو، ورئيس الاتحاد الإفريقي، الغاني جون كوفيور، عادت المعارضة وأعلنت استعدادها للقبول بحكومة ائتلافية بدلاً من حكومة الوحدة الوطنية، أو حكومة مؤقتة مهمتها إجراء الانتخابات الرئاسية، دون أن يعرف بعد موقف الحكومة من هذا التطور.
وفي هذه الأثناء يتواصل الاضطراب في كينيا وسط استنفار قوى الأمن واستمرار المعارضة في التهديد بالتظاهر، مع تقاذف التهم بين الفريقين بالمسؤولية عن المجازر وتزوير نتائج الانتخابات. وإلى الاضطراب تضاف مشكلات النازحين وندرة المواد الغذائية بسبب صعوبات التنقل، في وقت تداعى فيه الكثير من الكينيين الذين تشغلهم مشكلات حياتهم اليومية والذين يصفون الفريقين بعدم المصداقية إلى الصلاة من أجل السلام. سلام لا يبدو أنه في المتناول في وقت يسود فيه عدم الاستقرار، ومظاهر الفوضى البناءة، كامل الجوار الكيني، من تشاد ودارفور إلى الصومال والكونغو الديمقراطية مروراً بالتوتر بين إثيوبيا وإريتريا...
ع.ح.
الانتقاد/ العدد1249 ـ 11 كانون الثاني/ يناير 2008