ارشيف من : 2005-2008

ملف مجالس الصحوة بين الرؤية العراقية ونقيضتها الأميركية

ملف مجالس الصحوة بين الرؤية العراقية ونقيضتها الأميركية

بغداد ـ عادل الجبوري
من المفترض أن تنتهي مع نهاية شهر كانون الثاني/ يناير الجاري العقود المبرمة بين قوات الاحتلال الأميركية وزعماء وقادة مجالس الصحوة التي تشكلت خلال الشهور القلائل الماضية في مناطق مختلفة من العراق، وخصوصا في تلك التي توصف بالساخنة، على غرار تجربة مجلس صحوة الأنبار الذي أسسه الشيخ عبد الستار أبو ريشه الذي اغتاله تنظيم القاعدة منتصف شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي أمام منزله في محافظة الأنبار.
وانتهاء العقود يعني في ما يعنيه توقف الدعم المالي والتسليحي لمجالس الصحوة، فالمعروف حاليا ان القوات الاميركية تدفع بموجب العقود المشار اليها ثلاثمئة دولار اميركي لكل عنصر من عناصر الصحوة عن طريق شيوخ ووجهاء العشائر الذين يقومون بمهمة تعريف وتزكية الاشخاص المنخرطين في تلك المجالس، ناهيك عن ان رواتب أعلى من هذا الرقم تدفع الى الاشخاص الذين هم في مواقع المسؤولية، ومن بينهم شيوخ ووجهاء العشائر أنفسهم. وتشير التقديرات او البيانات الرسمية وغير الرسمية الى ان عدد منتسبي مجالس الصحوة ناهز حتى الآن ثمانين ألف شخص، ويبدو ان ملف مجالس الصحوة يعد واحدا من الملفات الشائكة والحساسة والخطيرة في هذه المرحلة، ويصفه البعض بأنه "أشبه بقنبلة موقوتة لا نعرف وقت انفجارها".
وحساسية وخطورة ذلك الملف ترتبط بجملة عوامل لعل من بينها:
ـ ان مجالس الصحوة تشكلت وما زالت تتشكل بإشراف اميركي بالدرجة الاساس، مقترنة مع الدعم والتمويل المالي والتسليحي والتنسيق الاستخباري. ودور الحكومة العراقية هنا لا يتجاوز دور الشريك او العنصر المكمل، وليس العنصر الاساس.
ـ جزء غير قليل من عناصر مجلس الصحوة كانوا ضمن صفوف تنظيم القاعدة الذي تنسب اليه معظم العمليات الارهابية التي شهدها العراق طيلة الاعوام الخمسة الماضية. ويقول ضابط اميركي كبير يدعى "لوف ان" الذي يعمل في صفوف القوات الاميركية الموجودة في محافظة ديالى: "ان ما لا يقل عن 85% من المتطوعين كانوا يعلمون مع تنظيم القاعدة، وإنهم منجم من المعلومات الاستخبارية بالنسبة لنا لكونهم يعرفون كل شيء حول تحركات الارهابيين".
ـ تشير جملة من الاحداث والوقائع الى ان تشكيلات من مجالس الصحوة ارتكبت اعمالا اجرامية ضد مواطنين مدنيين في مناطق من العاصمة بغداد مثل الدورة والسيدية ومحافظات اخرى كديالى والموصل، كالقتل والاختطاف والتهجير، انطلاقا من اعتبارات طائفية، ما أفقد مجالس الصحوة جزءا من مصداقيتها وجعل العوائل المهجرة والنازحة من مناطق سكنها تتردد كثيرا في العودة برغم التحسن الملحوظ في الاوضاع الامنية بشكل عام.
ـ بحسب مؤشرات عديدة هناك اختراقات خطيرة من قبل تنظيم القاعدة لمجالس الصحوة، وهذه الاختراقات هي التي أدت الى استهداف مقرات وشخصيات قيادية وعشائرية وتشكيلات لمجالس الصحوة او الجهات الداعمة والمساندة لها. وقد حصلت عمليات بسيارات مفخخة وأحزمة ناسفة، الى جانب عمليات اغتيال كثيرة أعلن تنظيم القاعدة مسؤوليته عنها، وكان آخرها اغتيال قائد مجلس صحوة الأعظمية العقيد رياض السامرائي عند مدخل مبنى ديوان الوقف السني، حينما كان يهم بالدخول اليه، اذ جاء شخص قريب له من معارفه بحجة انه يروم مصافحته ليقوم بتفجير نفسه وهو يهز يده مصافحا!
وارتباطاً بتلك العوامل آنفة الذكر وغيرها فإن الحكومة العراقية تتوجس كثيرا من مجالس الصحوة برغم اقرارها واعترافها الصريح في مناسبات مختلفة بأن تلك التشكيلات كان لها الدور الكبير والحاسم في بعض الأحيان في التصدي لتنظيم القاعدة والقضاء عليه في مناطق مختلفة. بيد ان مسؤولين كبارا في الحكومة وسياسيين في قوى سياسية فاعلة في الساحة يؤكدون ان ذلك الدور الكبير والحاسم لا يلغي ولا ينفي ولا يقلل من حجم المخاوف والهواجس المثارة عن طبيعة وحقيقة ولاءات مجالس الصحوة، وإمكانية استيعاب عناصرها ومنتسبيها ضمن اجهزة وزارتي الداخلية والدفاع العراقيتين، وطريقة ومنهج القوات الاميركية في تشكيل تلك المجالس وقبول الأفراد فيها.
ولوحظ في مرات عديدة ان الحكومة العراقية تصر على ان تكون مجالس الصحوة تحت نظرها وإشرافها، وهي أعلنت عن استعدادها لتخصيص الاموال والاسلحة والتجهيزات اللازمة لها.. كما أعلنت مؤخرا على لسان مسؤولين أمنيين فيها ان اجهزة وزارة الداخلية والدفاع من الممكن ان تستوعب عشرين ألفا من عناصر الصحوة، ما يعني ان ستين ألفا آخرين سيُستغنى عنهم بالنسبة للحكومة بأدنى تقدير.. لكن من غير الواضح ما هي حقيقة التوجه الاميركي بهذا الشأن.
وهناك تصورات ورؤى لأطراف عراقية بشأن ملف الصحوة تتمحور حول ضرورة دمج عناصر مجالس الصحوة في الاجهزة الامنية والعسكرية الحكومية بعد فرزها وتمحيصها والتمييز بين الغث والسمين منها ـ مثلما يقولون ـ وإخضاعها للسياقات التنظيمية والإدارية المتعارف عليها في اجهزة الدولة ومؤسساتها، من حيث التخصيصات المالية والتجهيز والاوامر وخطط العمل والتحرك، وفك ارتباطها بقوات الاحتلال بأقرب وقت ممكن. إذ ان ايجاد الصيغ والمخارج العملية والمناسبة لذلك من شأنه الحفاظ على المكاسب التي تحققت بواسطة مجالس الصحوة، وفي الوقت ذاته يحول دون تحولها الى قوى مسلحة خارج هياكل الدولة.
ولا شك في ان الاجندة الاميركية بشأن هذا الملف تختلف كثيرا وتتعارض مع اجندة الحكومة العراقية، فلا يستبعد ان تفكر الادارة الاميركية وتخطط لاستخدام مجالس الصحوة في مرحلة لاحقة أداة لضرب قوى داخلية، او حتى خارجية.
اضافة لذلك هناك من يعتقد ان القوات الاميركية يمكن ان تستخدم مجالس الصحوة للضغط على ايران وإزعاجها، وإن كان ذلك بصورة غير مباشرة، من خلال استهداف الاطراف والقوى التي تفترض ان لها علاقات طيبة بإيران او تتلقى نوعا من الدعم منها.. زد على ذلك محاولات واشنطن احداث تغييرات جذرية في الخارطة السياسية للكيان السني عبر ادخال أرقام فاعلة ومؤثرة فيه، تمهيدا لاستبعاد وتهميش اطراف وقوى وشخصيات مثيرة للجدل والمشاكل.. وغالبا ما تتبنى منهجا متطرفا ومتشنجا في التعاطي مع الواقع.
الانتقاد/ العدد1249 ـ 11 كانون الثاني/ يناير 2008

2008-01-11