ارشيف من : 2005-2008
أساتذة كولومبيا في طهران للاعتذار الى نجاد وزيارة بوش محكومة بالفشل
طهران ـ "الانتقاد"
لم تستطع أمواج الصقيع والثلوج التي لفت أنحاء ايران في الاسبوع الماضي ان تمنع مئات الآلاف من مواطني محافظة يزد ـ او دار العبادة كما يسميها اليزديون ـ من الخروج لاستقبال ضيفهم العزيز الذي انتظروه طويلا. حرارة اللقاء مع قائد الثورة الامام الخامنئي أنست اهل صحراء يزد رياح البرد، فخرجوا أطفالا وشيوخا نساء ورجالا يهتفون "صلوا على محمد.. جاء نائب المهدي".
ورد القائد التحية بأحسن منها في لقاءات حاشدة مع الطلاب والعلماء والإداريين وأسر الشهداء الذين زارهم بشكل مفاجئ في بيوتهم, ومدح شجاعتهم ومثابرتهم وإيمانهم وعلمهم وتضحياتهم في الثورة والحرب والسلام، لكونهم نموذجا للوحدة والانسجام الوطني بمختلف طوائفهم ومذاهبهم.
خطابات الإمام الخامنئي في يزد توزعت على محاور عدة: النظري حيث حلل بشكل عميق أهم انجازات الثورة والإمام الخميني، وهي اعادة الثقة بالنفس عند الشعب وعدم رضوخه للتبعية الخارجية وأنظمة الاستبداد في الداخل, كاشفا عن تفاصيل استراتيجية الاميركيين في مواجهة الثورة الاسلامية، حيث أعدوا ونفذوا خطة بعد وفاة الإمام الخميني لمدة عشر سنوات وكانت ذات جوانب نفسية وإعلامية وسياسية وأمنية، الاساس فيها زرع اليأس في نفوس عامة الناس وجذب النخب العلمية والسياسية والاجتماعية للعمل ضد الثورة والنظام الاسلامي، وممارسة التهديد والحصار كي يتراجع الشعب عن سعيه للتطور والتقدم والاستقلال، ويشعر بالعجز أمام الضغوط فيرجع للذل والتبعية الكاملة للغرب. أضاف سماحته: هذه الخطة فشلت واستطاع الشباب الايراني ان يصمد ويخترق جميع الاسوار ويقوم بإنجازات عظيمة، سواء في المجال النووي او العلمي او الطبي أو العسكري.. وشدد الإمام الخامنئي على أهمية الاستعداد للدفاع والمواجهة، فبرغم تراجع وفشل التهديدات، الا ان العدو لم ييأس وما زال يحاول التأثير والعمل على إضعاف النظام والثورة. مؤكدا أن العلاقات مع أميركا ليست لمصلحة ايران حاليا، خاصة أنه لا يوجد تغيير في السياسات الأميركية العدائية.
وقد خصص القائد مجالا واسعا في خطاباته لتأكيد أهمية الانتخابات النيابية المقبلة في ايران (آذار/ مارس 2008 )، لكونها محطة اخرى تثبت اركان المجتمع المدني ـ الديني في ايران التي تشهد تقريبا انتخابات شعبية عامة دورية منذ انتصار الثورة في العام 1979، وتثبت ان الشعب حر ويمارس آليات ديمقراطية سليمة طالما فاجأت بنتائجها المراقبين في العالم.
على صعيد آخر ركزت وسائل الاعلام الغربية على حادث جرى بين دوريات بحرية لحرس الثورة الاسلامية مع بوارج أميركية في مياه الخليج الفارسي.. ايران أعلنت ان ما جرى كان طبيعيا اذ ان على السفن التي تمر في مضيق هرمز ان تعرف بنفسها ووجهتها، وهذا ما حدث، نافية ان يكون قد جرى اي تهديد او صدام مع البوارج الاميركية.
ولعل ما زاد الارتباك الاميركي كان سقوط مقاتلتين اميركيتين من نوع (اف 18) في مياه الخليج بعد اصطدامهما ببعضهما.
وفي مجال آخر سخرت الاوساط السياسية الايرانية من تصريحات الرئيس الاميركي بوش الذي أعلن فيها انه قادم الى الشرق الاوسط لاحتواء النفوذ الايراني وعزل طهران! فقد أظهرت هذه المصادر ان ادارة بوش قد ازدادت عزلة بعد سلسلة الانتكاسات السياسية والعسكرية في أفغانستان والعراق وفلسطين ولبنان، وحتى في الداخل الاميركي.. على سبيل المثال لا الحصر فإن وفدا أكاديميا اميركيا من اساتذة ومدراء أقسام جامعة كولومبيا سيزور طهران في الايام المقبلة لتقديم الاعتذار الرسمي الى الرئيس أحمدي نجاد والشعب الايراني بسبب التصرفات الوقحة لمدير جامعة كولومبيا الذي حاول استفزاز الرئيس الإيراني خلال زيارته الجامعة، عبر سيل من الشتائم والاتهامات السخيفة التي واجهت اعتراض الطلاب والأساتذة حينها.
وكما توقع القادة الإيرانيون فشل مؤتمر الخريف في "أنابوليس" كذلك يعتبرون جولة بوش الشرق أوسطية الجديدة ما هي الا تعلق بحبال الهواء للرئيس الاميركي الخارج من السلطة بلقب "الرئيس الاميركي الأفشل"، فلن تفلح هذه الزيارة في طمأنة "اسرائيل" او القضاء على انتفاضة الشعب الفلسطيني، ولا في شد أزر حلفاء أميركا الخائفين من السقوط السريع لسياسات "الشرق الاوسط الجديد".
وفي مقابل الحديث الأميركي عن عزل إيران واصلت طهران تعزيز علاقاتها الثنائية مع دمشق، حيث عُيّن حجة الاسلام السيد أحمد موسوي سفيرا لإيران في دمشق خلفا لحجة الاسلام الشيخ محمد حسن اختري الذي كان له دور كبير في تعزيز العلاقات الايرانية السورية على مدى 12 سنة كان خلالها سفيرا فعالا في دمشق، التي شهدت منذ أشهر توقيع معاهدة دفاع مشترك بين البلدين، اضافة الى تطوير العلاقات الثقافية والاقتصادية والتجارية بشكل واسع وسريع. السفير الجديد هو عالم دين وأستاذ جامعي ونائب عن اهالي الأهواز في المجلس، وشغل منصب المستشار الحقوقي والبرلماني للرئيس أحمدي نجاد. وقد اقتُرح سفيرا في سوريا من قبل وزير الخارجية منوشهر متكي وموافقة نجاد، في وقت تحاول الادارة الاميركية ومعها العراب الفرنسي ساركوزي الضغط على دمشق ترهيبا وترغيبا لإضعاف علاقاتها بطهران، الامر الذي رفضه السوريون والايرانيون معا بشكل عملي عبر تنسيق وتعاون اكبر في جميع المجالات.. وينتظر ان تشهد العلاقات تطورا مع تعيين مستشار أحمدي نجاد سفيرا جديدا في دمشق.
طهران التي أقفلت مدارسها وإداراتها التجارية بسبب موجة الثلوج، تشهد حرارة دبلوماسية وحراكا سياسيا قويا: القائد يحيي ثقة الشعب بنفسه وبنظامه, القوى السياسية تستعد للانتخابات النيابية، أحمدي نجاد في المجلس يقدم خطة موازنته الجريئة تنمويا واجتماعيا, المواطنون يستعدون لإحياء مجالس عاشوراء الإمام الحسين في محرم, أساتذة كولومبيا جاؤوا للاعتذار, أمن مضيق هرمز والخليج بيد الحرس, الوقود النووي يصل مجددا من روسيا.. ومع هذا كله جورج بوش "آتٍ لاحتواء إيران"!
الانتقاد/ العدد1249 ـ 11 كانون الثاني/ يناير 2008