ارشيف من : 2005-2008

سمر صبيح ... نهاية أسر وبداية إبعاد

سمر صبيح ... نهاية أسر وبداية إبعاد

غزة ـ فادي عبيد
وقفت مع ابنها براء الذي وضعته في السجن وهي مقيدة تستنشق هواء الحرية المعبق بأزهار الوطن.. وقفت على ارض غزة لأول مرة منذ أن أبصر طفلها النور.. هي سمر صبيح فلسطينية ضمتها جدران السجن الصماء لثمانية وعشرين شهرا بتهمة حب فلسطين والانتماء لحماس.. محنتها انتهت لكن محنة  114 أسيرة بقين في السجن تحت سياط الجلاد ما زالت قائمة.
الأسيرة المحررة سمر صبيح في العشرينيات من العمر، من سكان مخيم جباليا شمال قطاع غزة، لم يمض على الإفراج عنها سوى ثلاثة أسابيع، بعد أن قضت 28 شهراً داخل (سجن تلموند) الصهيوني، التقيناها وزوجها رسمي الأسير المحرر أيضاً في منزلهما الصغير غرب مدينة غزة.
وعن بداية قصتها مع الاسر قالت سمر انها كانت تسكن في قرية ارتاح قضاء طولكرم في منزل عائلة زوجها، وبتاريخ 29/9/2005 وصل عدد من الجيبات والآليات العسكرية الى المنزل، وبدأوا بالمناداة عبر مكبرات الصوت على سكان المنزل بالخروج ودققوا في الهويات وعندما وصلوا لبطاقتها قاموا باعتقالها برغم معرفتهم انها حامل.
الساعات الأولى للاعتقال وحسبما تقول سمر كانت أصعب اللحظات التي عاشتها طوال حياتها، فمنذ نقلها إلى مستشفى هداسا عين كارم في مدينة القدس المحتلة للتأكد من حملها، وإلى حبسها في زنازين المسكوبية، وهي تحاول أن تفسر ما يجري حولها؛ بعد أن بدد المحتل أحلامها التي كانت تراودها بشأن مستقبل ابنها أو ابنتها كأي امرأة تنتظر أن تعيش مرحلة الأمومة.

وحيدةً
وعن الظروف التي عاشتها في العزل الانفرادي، قالت سمر: "أنا قضيت 66 يوماً في ظروف ما بتوصف؛ الضوء خافت، لا تهوية ولا شمس لدرجة أنني لم أكن أعرف الليل من النهار، التحقيق بشكل يومي ولساعات طويلة وأنا مقيدة و"مشبوحة"، وبرغم هذه المعاناة منعوا عني المحامين والصليب الأحمر، بالإضافة للأهل".
ظروف لا تحسد عليها قضتها سمر وحيدةً في عزلها، قبل أن يتم تحويلها إلى سجن تلموند (هشارون) بعد أن حكم عليها بالسجن الفعلي 28 شهراً وثلاثة أعوام مع وقف التنفيذ بتهمة العمل في صفوف كتائب القسام ـ الجناح العسكري لحركة حماس، لتنضم إلى 114 أسيرةً سبقنها، ولتجد من يؤنس وحدتها ويخفف عنها آلامها قبيل ولادتها.
وعن هذه الفترة، تقول سمر: "كنت أخشى من أن يصدر حكم عال بحقي، خشية من أن يفصل ابني عني حسب القوانين الظالمة التي تتعامل فيها إدارة مصلحة السجون؛ لكن الحمد لله ربنا صبرني وتقبل دعائي".
أما عن الظروف داخل المعتقل فهي لم تختلف كثيراً حسبما حدثتنا سمر، فمساحة الغرف ضيقة بالنسبة لعدد الأسيرات اللواتي يعشن داخلها؛ حيث أن الغرفة الواحدة لا تتجاوز مساحتها (9 م2) يعيش فيها من 5- 6 أسيرات، وبلا أدنى خدمات.

فرحة لا ُتنسى
30/4/2005 تاريخ لن تنساه سمر وزوجها؛ كيف لا وفيه رزقا بمولودهما الأول (براء)، حيث تقول سمر: "برغم أنني عانيت كثيراً خلال ولادتي بفعل الإهمال الطبي من قبل إدارة السجون؛ إلا أنني شعرت بأنني قد تحررت حين أبلغوني الخبر، فبراء هو من صبرني على فترة سجني".
الصعاب التي واجهتها أم براء خلال فترة اعتقالها لم تكن فقط الأبرز في حديثنا معها، وإنما الأهم هو الرسائل التي نقلتها من الأسيرات وفي مقدمتها ضرورة التمسك بالوحدة الوطنية والحفاظ عليها لمواجهة كافة المؤامرات التي تحاك ضد الشعب الفلسطيني وقضيته، إلى جانب التمسك بقضية الأسرى ووضعها على سلم الأوليات الوطنية.
الفرحة عند والد براء لم تكن أقل، برغم أنه لم يره سوى مرة واحدة بعد أربعين يوماً من ولادته وبعد طول عناء، حيث كان معتقلاً في سجن النقب الصحراوي على خلفية الانتماء لحركة حماس.
يقول رسمي: "أنا حكمت إدارياً مرتين لمدة 12 شهراً؛ عندما أبلغت بولادة براء تألمت لأنني لم أشهد هذه اللحظة، فلم أجد أمامي سوى رفع قضية على مصلحة السجون كي تسمح لي بزيارة ابني، وبالفعل المحكمة وافقت على ذلك لكن المماطلة من إدارة السجن الذي اعتقلت فيه وإدارة سجن زوجتي أخرت الزيارة التي لم تستمر سوى ساعة ونصف".
معاناة أبو براء لم تنته بعد قضاء محكوميته، حيث أبلغ قبل ثلاثة أسابيع من الإفراج عنه بقرار إبعاده إلى قطاع غزة لمدة 3 سنوات، أمضى منها عامين بعيداً عن الأهل والأقارب في كل لحظاتهم فرحها، وحزنها؛ لا لشيء إلا لأنه يمثل خطراً على المنطقة و"الجمهور الإسرائيلي" حسب التعبير الصهيوني.

الأسيرات في أرقام
يذكر ان الاحتلال اعتقل منذ عام 67 أكثر من (10000) امرأة فلسطينية، وحين اندلعت انتفاضة الأقصى لم يكن في سجون الاحتلال سوى أسيرة واحدة وهى (سونيا الراعي) معتقلة منذ عام 1997، ولكن منذ اندلاع انتفاضة الأقصى تصاعدت سياسة اعتقال الفلسطينيات من قبل جنود الاحتلال، حيث أن أكثر من (700) أسيرة تم اعتقالهن خلال السنوات السابقة، ما زال منهن (114) أسيرة داخل السجون.
والغالبية العظمى من الأسيرات هن غير متزوجات وعددهن (85) عزباء، وهناك (21) أسيرة متزوجة منهن (17) أسيرة أم، وعدد أبنائهن أكثر من (60)، يعشن مرارة السجن ومرارة الحرمان من الأبناء والأهل، ومنهن الأسيرة (قاهرة السعدي) وهي أم لأربعة أطفال والأسيرة (زهور حمدان) وهي أم لثمانية أبناء.
الانتقاد/ العدد1249 ـ 11 كانون الثاني/ يناير 2008

2008-01-11