ارشيف من : 2005-2008

بوش في تل أبيب: طموحات كبيرة ونتائج متواضعة

بوش في تل أبيب: طموحات كبيرة ونتائج متواضعة
كتب يحيى دبوق
تهدف زيارة الرئيس الاميركي جورج بوش إلى المنطقة، والى الدول "المعتدلة" فيها تحديدا، إلى إعادة الاعتبار "للرهبة والقدرة الأميركية" على التحرك ضد مناوئيها في الشرق الأوسط، وتحديدا إيران، بعد ان تراجعت مكانة "القدرة" الأميركية لدى حلفائها في المنطقة، في اعقاب صدور تقرير الاستخبارات الأميركية الذي "برأ" طهران من "تهمة" السعي إلى سلاح نووي، وقبله تراجع معظم مكونات المشروع الاميركي في المنطقة.
لم تكن إسرائيل، ابتداءً، مشمولة في جولة الرئيس الاميركي، بل جاءت بشكل استدراكي لاحقا، وتحديدا بعد مؤتمر انابوليس، بهدف دعم ما يطلق عليه "المسيرة السياسية" بين إسرائيل والفلسطينيين التي اريد لها ان تعوض شيئا من الخسارة الأميركية المتواصلة وتآكل مشروعها، إضافة أيضا إلى تقديم الدعم لرئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت، باعتبار ان لا مصلحة للولايات المتحدة في اسقاطه، وتحديدا على خلفية فشل إسرائيل في حربها على حزب الله عام 2006.
من جهة إسرائيل، تعتبر الزيارة مناسبة تاريخية، إذ ان "أفضل" رئيس اميركي للكيان الاسرائيلي لم يقدم على زيارة تل أبيب طوال فترتي ولايته، وتتويج ولايته الثانية بزيارة لإسرائيل هي تأكيد آكد على ما تراه إسرائيل في بوش، كمحافظ ومدافع عن المصلحة الإسرائيلية.. بمعنى اخر، هناك دفع ومصلحة معنوية كبيرة للكيان الاسرائيلي، ككيان، في زيارة تاريخية من هذا النوع، على الرغم من اقرار الإسرائيليين بأنها لن تؤدي إلى نتائج ملموسة، وتحديدا لجهة الملفات التي تعني إسرائيل.
من جهة ثانية، يكثر الحديث الاسرائيلي، عن ان من اهداف الزيارة، تقديم الدعم لإيهود أولمرت، "صديق بوش"، إذ لا مصلحة اطلاقا للولايات المتحدة، ولمشروعها في المنطقة، ولمصلحة اصدقائها فيها، ان يسقط أولمرت، كآخر رمز من رموز الهزيمة الإسرائيلية في لبنان عام 2006، وخاصة ان السقوط متأت من فشل مواجهة مع احد رموز "الشر" في المنطقة والمساهم في تقويض المشروع الاميركي وهزيمته (حزب الله).. علما ان الزيارة، قد تؤخر نوعا ما سقوط أولمرت آنيا، لكنها لن تلغي مرتكزات السقوط القائم على الحراك الداخلي في الساحة الإسرائيلية وتعقيداتها.. وللحديث صلة في مكان اخر.
كما يكثر الحديث الاسرائيلي أيضا، عن نية بوش استغلال الزيارة باتجاه اعطاء "المسيرة السلمية" بين إسرائيل والفلسطينيين دفعا ما يمكنها من تجاوز جزء من العقبات الموجودة امامها، وهي غير قليلة، سواء لجهة حجمها أو مضمونها.. وفي ذلك شك، فالمعضلات لدى كل من إسرائيل والسلطة الفلسطينية اكبر بكثير من امكانيات الإدارة الأميركية على تجاوزها، بل ان بعض الكتاب الإسرائيليين يسخر من تصريحات يطلقها بوش ورجال ادارته لدى حديثهم عن تسوية ما قبل نهاية ولايته.
يبقى الشأن الإيراني، وتحديدا الملف النووي الذي يقلق إسرائيل أكثر بكثير مما يقلق الولايات المتحدة، هو الشغل الأساسي الذي تعكف عليه مستويات العمل العسكري والاستخباري الاسرائيلي.. والسؤال المطروح، سواء خلال الزيارة الرئاسية الأميركية أو بعدها أو قبلها، كيف يمكن لاسرائيل ان تغير من السياسات الأميركية تجاه طهران، وان تدفعها إلى المواجهة العسكرية، في الوقت الذي اصيبت فيه هذه السياسة (الإسرائيلية الدافعة إلى المواجهة)، بنكسة كبيرة جدا تصل إلى حد الهزيمة، بحسب تعبير بعض الكتاب الإسرائيليين، بعد صدور التقرير الاستخباري الاميركي.
بالنسبة لاسرائيل، الخطر النووي الإيراني المرتبط بتحصيل طهران قدرة نووية ذاتية، سواء كانت قدرة نووية سلمية أو عسكرية، يتشابهان بالنتيجة النهائية الكلية ما أن هذه القدرة تأتي من خبرة ومعرفة ايرانية ذاتية.. إذ ان القدرة النووية السلمية تتحول بسهولة إلى قدرة نووية عسكرية ما دام انها مستندة إلى معرفة وخبرة ذاتية غير مرتبطة بالخارج، وهي بالتالي قادرة، أي طهران، على تفعيل هذه القدرة باتجاه السلاح النووي في ظروف موضوعية مغايرة للظروف الموضوعية القائمة حاليا.. بمعنى اخر، ترى إسرائيل في اية قدرة نووية ايرانية خطرا وجوديا يوجب عليها التحرك لمعالجتها واجتثاثها، دون تسويات.
المشكلة الإسرائيلية في الموضوع النووي الإيراني، بما يتعلق بالسياسية المتبعة من قبل البيت الابيض، وتحديدا ما بعد تقرير أجهزة الاستخبارات الأميركية، انها غير قادرة على تغيير القراءة الاستخبارية من جهة، لفقدان ادلة ملموسة تفضي إلى ذلك، إضافة إلى ان اصل الفعل العسكري الاميركي المطلوب اسرائيليا غير متوافر في ظل ظروف المأزق الاميركي في العراق والمنطقة.
ما هي نتائج زيارة بوش إلى الكيان الاسرائيلي والمنطقة عموما؟
يبدو ان تعقيدات الداخل الاسرائيلي، والمواجهة مع الفلسطينيين، إضافة إلى واقع المشروع الاميركي في المنطقة، ابعد بكثير من ان تستطيع هذه الزيارة، وغيرها، تحريكها باتجاه تحقيق المصلحة الأميركية والإسرائيلية.. وتبقى الزيارة كائنا اعتباريا جعله الاعلام والضجة الاعلامية حوله، اكبر بكثير من مكوناته الحقيقية.
الانتقاد/ العدد1249 ـ 11 كانون الثاني/ يناير 2008
2008-01-11