ارشيف من : 2005-2008
اعترف بلقاء الإسرائيليين والتحريض على المقاومة: لماذا لا يلاحق القضاء اللبناني كمال البطل؟
لا تكفّ الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية عن اختلاق لجان ومجالس وجمعيات ورابطات وهمية تتحرّك تحت مسمّيات مختلفة، وتعمل وفق خطّة مدروسة، في سبيل دعم "ثورة الأرز" التي تفتّقت عنها عبقرية جون بولتون، وتطبيق القرار الدولي الرقم 1559 الذي أدخل لبنان في نفق مظلم لا يؤدّي، كما دلّت التجربة منذ ابتكار هذا القرار في شهر أيلول/ سبتمبر من العام 2004، إلاّ إلى خرابه وتعميم سياسة الفوضى البنّاءة، وهو ما تشتهيه سياسة الهيمنة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط.
ومن يستعرض هذه الجمعيات وأسماء الأشخاص المنضوين أو المنزوين فيها، يجد بالدليل الحسّي والملموس، بأنّهم اختراع استخباراتي لمتابعة العمل السياسي للتغيير المنوي إيجاده في لبنان، وبالتالي فهم ليسوا سوى أدوات.
رحمة وبركات
فما يسمّى بـ"المجلس العالمي لثورة الأرز" يضمّ أشخاصاً لبنانيين يعيشون منذ انطفاء جذوة "نضالهم اللبناني" قبل سنوات، في بلاد الاغتراب، ولهم صلات حميمة وواسعة النطاق مع الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية على حدّ سواء، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر، مستلم الأمانة العامة لهذا المجلس "القوّاتي" الطبيب رشيد رحمة، وشربل بركات الذي بدأ التعامل مع العدوّ الإسرائيلي منذ أيّام سعد حدّاد في سبيعنيات القرن العشرين قبل أن يهرب إلى خارج لبنان ويستقرّ في كندا، وهو "كولونيل" سابق في الجيش اللبناني، وأوكلت إليه إدارة المعلوماتية والأمن في المجلس المذكور، كما أنّه يوسم بأنّه "مستشار ثورة الأرز لشؤون الإرهاب".
كما أنّ هناك مدير مكتب حقوق الإنسان في هذا المجلس المهندس كمال البطل.
وإنْ كان الأوّلان، أيّ رحمة وبركات، معروفين بولائهما الخارجي منذ سنوات، إلاّ أنّ البطل لم يظهر على صورته الحقيقية كمتواصل مع الإسرائيليين، إلاّ بعد الانقلاب المدوّي الذي خلّفه اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط/ فبراير من العام 2005، ونشوء استغلال سياسي صريح لهذه الجريمة البشعة وانسحاب القوّات السورية من لبنان.
بطل الغشاوة
فقد قام البطل بنشاطات عديدة ضدّ المقاومة الإسلامية وحزب الله وسوريا، كما يستدلّ من إطلالاته الصحفية وزياراته المكوكية لغير منطقة في الجنوب وصولاً إلى البقاع، وكلّ ذلك في سبيل إظهار ما يزعمه من وقوع انتهاكات لحقوق الإنسان لم يستطع رؤيتها واضحة في الجانب الإسرائيلي خلال عدوانه المدمّر على لبنان في شهر تموز/ يوليو من العام 2006 وذلك بسبب الغشاوة المسبلة على ناظريه.
صدمة عنجر
فعندما هلّلت قوى 14 شباط/ فبراير لاكتشاف مقبرة جماعية في بلدة عنجر البقاعية في نهاية العام 2005، وراحت تدعي بأنّها من "مخلّفات الإرهاب السوري" بحقّ أشخاص كانوا يحتجزون في زنازين الاستخبارات السورية في عنجر وتلقى جثثهم في هذه المقبرة القائمة قرب مقام النبي العزير، استقدم كمال البطل شخصيات غربية تعنى بحقوق الإنسان ونقلها إلى عنجر للوقوف عن كثب على الانتهاكات السورية لحقوق الإنسان بحسب زعمه، قبل أن تظهر الحقيقة في قرار قضائي مرتكز على معاينات وفحوصات علمية ومخبرية، دبّجته النيابة العامة التمييزية في العام 2006، وتقول فيه بأنّ هذه المقبرة عادية مثل أيّة مقبرة أخرى، وأنّ "تاريخ دفن الرفات يعود بحدّ أدنى إلى 50 سنة ويمتدّ إلى 350 سنة وأكثر" (يمكن مراجعة الانتقاد ـ العدد 1165 ـ تاريخ 9 حزيران/ يونيو 2006).
ومثل شخصيات قوى 14 شباط/ فبراير، فإنّ كمال البطل لم يعتذر من أصحاب هذه المقبرة الأموات، عن المتاجرة بنبش رفاتهم ونشرها في المحافل الدولية على أنّها انتهاكات لحقوق الإنسان، بينما هي ناشئة عن موت طبيعي مقدّر على جميع الخَلْق.
افتراءات البطل
وكبّر البطل خطواته وخدماته وبالتالي انزلاقه، وجاهر بعدائه لحزب الله، فتأبّط ملفّاً مفبركاً ساق فيه اتهامات مغلوطة ضدّه، مدعياً بأنّه ارتكب جرائم خلال الحرب الإسرائيلية في تموز/ يوليو 2006، متناسياً المجازر التي ارتكبتها الوحشية الإسرائيلية صبحاً ومساء بحقّ الأطفال والنساء والشيوخ في غير منطقة لبنانية، وقيامها بتدمير قرى وإبادتها ومحو معالمها، وإنزال مبان ومنازل على رؤوس قاطنيها والملتجئين إليها هرباً من غارات الطائرات الإسرائيلية التي لا تزال حتّى اليوم، تصمّ آذان اللبنانيين وهي تحلّق في سماء وطنهم مخترقةً سيادته.
فخلال اجتماع منظّمات غير حكومية، مع المقرّرين الخاصين من مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة في فندق "الموفنبيك" في بيروت بتاريخ 8 أيلول/ سبتمبر 2006، للتحقيق في الانتهاكات الإسرائيلية خلال حرب تموز/ يوليو، شنّ "البطل" جملة افتراءات باطلة ولا أساس لها من الصحّة ضدّ حزب الله، توجب محاكمته هو على اختلاقها لأنّها تقع ضمن إثارة النعرات الطائفية والمذهبية وإيقاع الفتنة، والاقتتال الداخلي، وتأليب اللبنانيين على بعضهم.
فقد قال "البطل" بأنّ حزب الله حاصر القرى المسيحية وأطلق الرصاص على المدنيين لمنعهم من مغادرة قراهم، ولم يكن الأمر سوى وهم رسمه له خياله بالتعاون مع حقده على المقاومة لتقديمه كطلب اعتماد لدى الإسرائيليين.
ولمّا عقد مجلس حقوق الإنسان في جنيف اجتماعاً لبحث أعمال هذه اللجنة وما توصّلت إليه في تقصّيها عن انتهاكات العمليات العسكرية الإسرائيلية ضدّ اللبنانيين، تنطّح "البطل" لسرد كمّيات من الوهم عن معاداة حزب الله لحقوق الإنسان، ونظّم اجتماعات ولقاءات مع منظّمات إسرائيلية وأميركية متهماً الحزب بـ"اعتدائه على المدنيين في قصف استهدف شمال إسرائيل بالصواريخ والقنابل".
وقد رمت لقاءات كمال البطل مع الجمعيات الإسرائيلية والأميركية ومنها "بيت الحرية"، ومركز "سيمون ويزنتال" إلى تشكيل "لوبي" حقوقي والعمل على إدانة حزب الله داخل مجلس حقوق الإنسان في جنيف، وهذا ما شجّع المسؤول في مركز "سيمون ويزنتال" ورئيس الوفد الإسرائيلي إلى جنيف، الحاخام أبراهام كوبر، إلى الإشادة بـ"معلومات البطل الهامة والدقيقة".
كما أنّ الموقع الإلكتروني لما يسمّى بـ"المجلس العالمي لثورة الأرز" نشر بتاريخ 11-9-2006، تقريراً كتبه كمال البطل، عن عقد هذه الندوة بمشاركة مركز يهودي عالمي.
وسرعان ما افتضح أمر البطل، ولكنّه لم يذعن للحقيقة فظلّ مكابراً متبعاً أسلوب الهجوم على أساس أنّه خير وسيلة للدفاع، ولجأ إلى القضاء اللبناني لمقاضاة "المفترين عليه" الذين كشفوا القناع عن وجهه، فأقام دعوى تولّى التحقيق فيها قاضي التحقيق في بيروت ماجد مزيحم الذي استطاع أنْ يستخرج اعترافاً صريحاً من كمال البطل يؤكّد فيه مشاركته في الندوة حول حقوق الإنسان في جنيف مع شخصيات إسرائيلية وممثّلين عن بعض الهيئات الإسرائيلية.
وهذا الاعتراف يوجب إحالة صاحبه البطل على القضاء العسكري للإدعاء عليه بجرم الاتصال بالعدوّ الإسرائيلي، وهذا ما ينتظر أن تقوم به النيابة العامة الاستئنافية في بيروت التي أخذت علماً بأفعال البطل، وذلك بإيداع اعترافاته النيابة العامة العسكرية تمهيداً لملاحقته واتخاذ الإجراء القانوني المناسب بحقّه وتقديمه للمحاكمة أمام المحكمة العسكرية الدائمة حتّى يكون عبرة لسواه ممن تسوّل له نفسه التعامل مع الإسرائيلي.
فهل يقوم القضاء بواجبه، بالادعاء على هذا البطل، أم أنّه زمن "ثورة الأرز" التي توجب التعامل مع الإسرائيلي وتعترف به كصديق وحليف، وهي "الثورة" التي لطالما دعت قوى 14 شباط/ فبراير إلى حماية منجزاتها؟
علي الموسوي
الانتقاد/ العدد1249 ـ 11 كانون الثاني/ يناير 2008