ارشيف من : 2005-2008
الموالاة تقرأ بالمقلوب مواقف السيد نصرالله
لم تكن الموالاة بحاجة الى الاطلالة المتلفزة للأمين العام لحزب الله لتشن هجوماً متعدد الأهداف على سماحة السيد حسن نصر الله، لأن أقطاب هذا الفريق يتوزعون فيما بينهم الأدوار لإبقاء حزب الله تحت دائرة الشُبهات، في اطار توجه اعلامي يُحرض الولايات المتحدة الأميركية ويُشجعها على مواقفها المنحازة الى فريق لبناني دون آخر.
لكن الموالاة كانت محتاجة الى مادة اعلامية لاستغلالها سياسياً قبل الحراك الإقليمي والدولي الذي برز بفعالية مع بداية العام الحالي.
لذلك تجاهلت الموالاة من رئيس الحكومة الفاقدة للشرعية الى نوابها وشخصياتها الثوابت السياسية في خطابات وتصريحات ومواقف السيد نصر الله الداعية الى الوحدة الوطنية والمشاركة في السلطة، والاصلاح الاداري ومكافحة الفساد، والانماء المتوازن بين المناطق اللبنانية، والعقيدة الدفاعية للجيش اللبناني، وقرأت بالمقلوب الحلول التي لطالما اقترحها السيد نصرالله ورأت فيها دعوة الى الانقلاب على الطائف والنظام اللبناني، وخطوة نحو تحريك الشارع، وإنذارا أخيرا، وتهديدا للبلد والشخصيات، وتمهيدا لتدخل سوري ـ ايراني.
وفي قراءة سياسية للردود على مواقف السيد نصر الله في مقابلته المتلفزة مع قناة NBN سجلت شخصية سياسية الملاحظات التالية:
جاءت الردود لتستكمل الحملة السياسية والاعلامية على المعارضة عموماً بعدما انقضى السبت الأخير من العام الماضي من دون انعقاد مجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية بالرغم من تدخل الرئيس الأميركي جورج بوش الذي جاء بدوره بعد تصريحات لوزيرة خارجيته ولمحادثات وُلش وأبرامز في بيروت هدفت الى استنهاض الموالاة. وتزامن هذا التدخل الأميركي المباشر مع تهويل فرنسي بحرب قادمة، وبقطع الاتصالات مع سوريا بتهمة عرقلة الاتفاق على انتخاب الرئيس.
كما جاءت بعد تصريحات للنائب وليد جنبلاط استحضر فيها الجثث كثمن مقابل الثلث الضامن الذي تصر عليه المعارضة في أي تشكيلة حكومية بعد الانتخابات الرئاسية.
لم تتوقف تصريحات جنبلاط عند هذا الحد بل اتهم حزب الله بالمسؤولية المعنوية عن جميع الاغتيالات في لبنان منذ استهداف رئيس الحكومة رفيق الحريري، لافتاً النظر الى ترسانة حزب الله العسكرية التي يُهدد فيها الداخل اللبناني حتى بدون ان يستخدمها، وهو يهدد بها فعلياً حتى عندما يُطمئن الآخرين بأنه لن يلجأ اليها إلا للدفاع عن الأرض في صد أي عدوان اسرائيلي.
وتضيف الشخصية السياسية: الموالاة أعدت بناءً على توصيات أميركية خطة اعلامية تهدف الى تحميل حزب الله مسؤولية أي خلل أمني، وترتكز هذه التوصيات على مجموعة من الحقائق، أهمها ان حزب الله يتحرك بجسم عسكري ويتحلى بلياقة بدنية تؤهله للقفز من مناطقه الى مناطق خصومه بسرعة كبيرة، أو للنيل من خصومه السياسيين.
انطلاقاً من هذه التوصيات سارع الرئيس فؤاد السنيورة الى اجراء سلسلة اتصالات واسعة شملت شخصيات عربية ودولية اتهم فيها السيد نصر الله بالتحريض عليه، في خطوة قد تؤدي الى اغتياله، وطالب السنيورة بتوفير الحماية له ولعدد من الوزراء والنواب.
وفي هذا السياق يمكن وضع تصريحات أقطاب الموالاة كافة التي رددت اللازمة نفسها التي تحمّل حزب الله المسؤولية عن أي خرق أمني ولو كان على مستوى تحريك مدني للشارع، وذهب بعض الأقطاب الى توزيع سناريوهات ادعت ان المعارضة وضعتها للسيطرة على المرافق الحيوية والوزارات والساحات الرئيسة في بيروت والمدن الأخرى.
أكثر من ذلك، فإن هذه الشخصية ترى ان الحملة على مواقف السيد نصر الله ليست بعيدة عن جولة الرئيس الأميركي جورج بوش، وهي تهدف الى اقناع الادارة الأميركية بأن حزب الله هو امتداد لإيران في لبنان، وضرورة التعامل معه على هذا الأساس، على أن تأخذ واشنطن في الاعتبار ان أي خطط لاحتواء النفوذ الايراني في المنطقة يجب ان تشمل حزب الله في لبنان. وتعتقد هذه الشخصية ان مواقف جنبلاط تحديداً هي أوضح رسالة في هذا الاطار.
وحاولت قوى الموالاة أيضاً استغلال مواقف السيد نصرالله واستثمارها قبل انعقاد الاجتماع الوزاري العربي في القاهرة، في محاولة مكشوفة للحصول على دعم عربي لحكومة السنيورة، في موازاة الدعم الأميركي الذي عبر عنه الرئيس الأميركي جورج بوش في اطار جولته على المنطقة، ولاحقاً اعتبرت قوى الموالاة البيان الثلاثي للوزراء العرب، بانتخاب الرئيس فوراً وتشكيل حكومة وازنة واعداد قانون انتخابي انتصاراً لمنطقها السياسي لأنه تجاوز شرعية الحكومة الحالية الى امكانية التمديد لها الى حين التوصل الى تسوية سياسية حول الصوت الوازن في الحكومة، وكيفية منح الأرجحية في القرارات المصيرية وغير المصيرية لرئيس الجمهورية.
وكما توقع السيد نصر الله خلال المقابلة المتلفزة ان تكون الردود قد أُعدت قبل المقابلة، فإن الشخصية السياسية التي سجلت الملاحظات السابقة أكدت ان جميع الردود التي جاءت رداً على السيد نصرالله صيغت بلغة واحدة وأوحت بأن الأمين العام لحزب الله في صدد تنفيذ انقلاب كبير، وأن الوضع الأمني في لبنان وصل الى مرحلة الانفجار، وتنسجم لغة الموالاة مع لغة إقليمية ودولية مُساندة. وتخوفت هذه الشخصية من ان تكون هذه الردود مقدمة من قبل الموالاة لتهيئة الشارع اللبناني لمرحلة لن تتأخر من الصدامات بهدف استقدام تدخل دولي غير مسبوق ينتخب الرئيس، في خطوة وصفها الرئيس أمين الجميل بـ"الحلول القسرية"، ويُمدد عمر حكومة السنيورة من خلال ترميمها بوزراء شيعة جدد مكان المجموعة التي استقالت قبل أكثر من سنة.
في المقابل يبدو ان المعارضة عموماً وحزب الله تحديداً أدركا خطورة التوظيف السياسي والأمني لمواقف السيد نصر الله، لذلك نظموا حملة من الردود المضادة أعادت التذكير بمواقف قوى الموالاة منذ حرب تموز 2006 الى ركوب موجة الوصاية الأميركية علناً بعد التنكر لها. والى رغبة فريق السلطة بتعميق الفراغ الرئاسي وتمديد عمر حكومة السنيورة مع تغطية داخلية وخصوصاً مسيحية، الى جانب التغطية العربية والدولية لاستخدام الحكومة غير الشرعية صلاحيات رئيس الجمهورية طوال فترة الفراغ في قصر بعبدا.
قاسم متيرك
الانتقاد/ العدد1249 ـ 11 كانون الثاني/ يناير 2008