ارشيف من : 2005-2008
الأزمة المعيشية: أزمات على حافة الانفجار
إذا كانت نظرة الأفرقاء السياسيين للمبادرات والمقترحات التي من شأنها حل الأزمة اللبنانية مختلفة بين طرف وآخر، بين موال ومعارض، فإنها تكاد تكون واحدة بين المواطنين اللبنانيين، إنها نظرة الغريق الذي ينظر إلى أي حل على أنه القشة التي ستنقذه من بحر الهموم المعيشية والاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها منذ أعوام كثيرة، والتي تفاقمت بشكل كبير في السنتين الأخيرتين بفعل غياب الدولة والرقابة وانتهاج سياسة الاستئثار من قبل فريق السلطة.
انتهى العام 2007 على أزمات معيشية تتهدد المواطن في لقمة عيشه، وبدأ العام الجديد على وقع هذه الأزمات أيضاً، فمن أزمة الرغيف إلى ارتفاع سعر البنزين والمشتقات النفطية إلى جنون الأسعار الذي أصاب السلع المختلفة وفي مقدمتها السلع الغذائية الرئيسية.
مع انتهاء الحرب الإسرائيلية على لبنان في صيف العام 2006 شهدت الأسواق اللبنانية ارتفاعاً ملحوظاً في الأسعار، ظنّ المواطن أن للأمر صلة بالحرب ونتائجها وأن الوضع لن يطول، فإذا به مستمر حتى اليوم، بل ومتفاقم، إذ أن الأسعار لم تقف عند سقف معين بل ظلت ترتفع شيئاً فشيئاً حتى وصلنا إلى مؤشر للغلاء بلغت نسبته حتى كتابة هذا الموضوع 29،9% بحسب آخر تقرير أعدته جمعية حماية المستهلك التي هي بصدد إنجاز تقرير جديد خلال أيام، لن تعكس أرقامه على ما يبدو وضعاً أفضل وأكثر تفاؤلاً.
مؤشر الغلاء إلى ارتفاع
تقول عضوة الهيئة الإدارية في جمعية حماية المستهلك ندى نعمة "إن مؤشر الغلاء الأخير يشمل 158 سلعة أساسية ولا يتضمن السلع الكمالية التي لم يرتفع سعرها والتي ليست بمتناول جميع المواطنين". وفي هذا الإطار توقفت نعمة عند المحاولة الفاشلة لوزير الاقتصاد في الحكومة اللادستورية سامي حداد لإقناعنا "أن مؤشر الغلاء لم يتعد 3%" مشيرة إلى "أن مؤشر الوزارة يلحظ الكماليات".
ولفتت نعمة إلى أن "المشكلة الأساسية تكمن في إلغاء القرارات التي تحدد هوامش الأسعار بحجة أنه سيكون هناك قانون للمنافسة ومنع الاحتكار"، معتبرة "أن هذا القانون رحلته طويلة تمتد لسنتين على الأقل، وبالتالي ما كان يجب إلغاء هذه القرارات التي تندرج في إطار الرقابة على الأسعار".
وقالت نعمة "إن المؤشر الذي تقوم جمعية حماية المستهلك بإنجازه يشير إلى أن الغلاء مستمر كما أن الدولة مستمرة بسياستها متبعة النهج نفسه"، معتبرة "ان المسؤولية تقع على عاتق المواطن أيضاً الذي يجب أن يتحرك ويضغط للمطالبة بالتغيير".
ولعل نظرة على بعض الأرقام التي أوردها مؤشر أسعار الفصل الثالث لجمعية حماية المستهلك تقدم صورة واضحة عن مدى خطورة الوضع الاقتصادي والمعيشي، فعلى سبيل المثال تطور سعر الخضار 44،12% واللحوم 32،55% والألبان والأجبان 38،34% والمعلبات والزيوت 31،88%.
وللأسف فإن هذه الأرقام الآخذة بالارتفاع لا يقابلها ارتفاع في الحد الأدنى للأجور المجمّد منذ عام 1996 على الرغم من الغلاء المتزايد سنوياً، ووصوله إلى حالة الغليان، وهو ما أثر سلباً على القدرة الشرائية للمواطنين وعمّق المشكلات المعيشية، وترك انعكاسات سلبية على عمل القطاعات الإنتاجية المحلية التي شهدت تراجعاً في الطلب على منتجاتها.
أزمة الرغيف: حل مؤقت أو؟
في الآونة الأخيرة بات الرغيف هو الآخر على جدول الأزمات التي قد تتفجر في أي لحظة في لبنان مهددة المواطن، وعلى الرغم من التطور الأخير الذي طرأ على هذا الملف فإن السؤال الذي لا يزال يطرح نفسه هو عما إذا كان من شأن الخطوة التي أخذتها وزارة الاقتصاد بالتنسيق مع أصحاب المطاحن ونقابة أصحاب الأفران إنهاء الأزمة أو فقط تأخيرها نظراً للتحديات الكبيرة التي تواجه السلطة القائمة.
ماذا في أزمة الرغيف وقرار وزارة الاقتصاد؟
في شهر تموز الماضي بلغ سعر طنّ القمح عالمياً مئتين واثني عشر دولاراً أميركيا بعد أن كان 160$ ما رفع سعر طن الطحين الى 480 ألف ليرة لبنانية، وهنا قررت وزارة الاقتصاد تخفيض زنة ربطة الخبز من 1170 غراما الى 1120غ بدل رفع سعرها.
بعد ذلك ارتفع سعر طن القمح الى 330$ عندها قامت وزارة الاقتصاد بتقديم دعم من خزينة الدولة بقيمة 100$ على طن القمح الواحد. لكن سعر طن القمح استمر بالارتفاع فبلغ 380 دولارا ما حدا بالوزارة الى زيادة مبلغ 50 دولاراً على دعم الطن الواحد وبذلك أصبحت قيمة هذا الدعم 150 دولاراً، إلا أن سعر طن القمح ارتفع مجدداً ليبلغ 420$ فكان أن طالب أصحاب المطاحن بالحصول على دعم جديد يبلغ خمسين أو خمسة وسبعين دولارا على طن القمح الواحد، وهو ما وجدته الوزارة مبلغاً كبيراً، وهنا بدأت تلوح بوادر الأزمة في ظل الهواجس من ارتفاع سعر ربطة الخبز أو تقليل وزنها.
وبعد جملة اتصالات بين وزارة الاقتصاد وأصحاب المطاحن وأصحاب الأفران جرى الاتفاق على بيع الوزارة مخزون القمح الموجود لديها والذي يبلغ 44 ألف طن إلى المطاحن بالسعر نفسه بمعزل عن ارتفاع السعر العالمي أي بـ210$ بدل 420$، علماً أن هذه الكمية تكفي للأشهر الثلاثة المقبلة، فماذا عما بعد هذه الفترة؟
يقول نقيب أصحاب الأفران والمخابز كاظم ابراهيم "إن وزارة الاقتصاد أبلغتنا أنها أخذت موافقة مجلس الوزراء على استيراد 50 ألف طن من القمح كما انها بانتظار الموافقة على استيراد كمية مماثلة وهو ما يمثل حلاً للمشكلة أمده سنة"، معرباً عن "أمله في التوصل إلى حل للأزمة السياسية لما قد يكون له من انعكاس إيجابي على أزمة الرغيف وغيرها من الأزمات المعيشية والاقتصادية".
تحرك السائقين العموميين
مع ارتفاع سعر برميل النفط العالمي وبلوغه الـ100$ بدت أزمة البنزين والمشتقات النفطية في لبنان آخذة بالتفاقم في ظل غياب الدولة وفشلها في تدارك الوضع والحد من خطورته على المواطنين اللبنانيين لا سيما السائقين العموميين الذين وجدوا أنفسهم ملزمين بالتحرك في مواجهة لامبالاة السلطة القائمة، من هنا كانت الدعوة إلى الإضراب العام في المناطق اللبنانية كافة في 24 كانون الثاني الجاري.
يضع رئيس نقابة سائقي السيارات العمومية عبد الأمير نجدي التحرك في إطار "المطالبة بسياسة اجتماعية تنظر في الوضع الاقتصادي المتدهور، وسياسة بترولية تلحظ الارتفاع الملحوظ في سوق النفط العالمي"، مشيراً إلى "ان قرار الإضراب جاء بعد سلسلة اتصالات أجريت مع المعنيين وبعد 3 لقاءات مع الرئيس فؤاد السنيورة دون التوصل إلى أي نتيجة، وآخر هذه الاتصالات الاجتماع مع وزير النقل في الحكومة اللادستورية محمد الصفدي".
يروي نجدي تفاصيل هذا اللقاء فيقول "طلبنا اللقاء مع الوزير الصفدي بعد قراره تثبيت تعرفة النقل للسيارات العمومية عند 1500 ل.ل لبيروت الإدارية و2000 ل.ل لبيروت الكبرى، بعد أن وجدنا ما لهذا القرار من انعكاسات سلبية على المواطنين في ظل عدم ارتفاع بدل النقل للمواطنين بالتزامن مع ارتفاع التعرفة. حدد الموعد بعد تدخل مدير عام وزارة النقل وجرى اللقاء الذي عرضت خلاله نقابة السائقين الازمة، وسألنا الوزير عن قراره فيما يخص التعرفة واقترحنا عليه أنه بدل أن نطلب من البلدان العربية وغيرها من البلدان المصدرة للنفط مساعدات مالية وما إلى ذلك لم لا تعطينا هذه الدول البترول الخام لتشغيل مصفاتي الزهراني وطرابلس لتجهيزهما وتشغيلهما، وهنا وقف الصفدي وقال: "لو كنت أعرف أن اللقاء سيكون هكذا لما اجتمعت بكم وغادر".
وإذ أكد نجدي أن "التحرك بمثابة إنذار للمسؤولين وهو ليس سياسيا لأن الأزمة تطال المواطنين اللبنانيين بكافة انتماءاتهم" حذر من "تكرار ما حصل في حي السلم في 27 أيار 2004 والذي ادى إلى سقوط 5 شهداء من المتظاهرين"، مشيراً إلى "أن قرار الإضراب المفتوح يتوقف على نتيجة إضراب اليوم الأول".
وختم نجدي معولاً على "إمكانية التوصل إلى حل سياسي يترافق معه الحل الاقتصادي والاجتماعي لكي يبدأ المواطنون بالشعور بالأمان على المستويات كافة".
أزمات بالجملة على عتبة الانفجار، كلها بانتظار الحل السياسي، ولكن أي حل سياسي؟ إنه ذلك الذي يضمن المشاركة الفعلية في القرار وينتج سلطة حريصة على معالجة الملفات الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية بعيداً عن سياسة الاستئثار وتفضيل المصالح الشخصية على المصلحة العامة.
ميساء شديد
الانتقاد/ العدد1249 ـ 11 كانون الثاني/ يناير 2008