ارشيف من : 2005-2008
أزمة العام 2007 وتحديات الـ2008: ثلاثة خبراء يستكشفون واقع لبنان المالي والاقتصادي
انها الازمة الاقتصادية المفتوحة على المجهول في لبنان، عبء ترميه سنة منصرمة على كاهل سنة مقبلة في ظل خطط ملتبسة ورؤية غامضة ومسؤولية منعدمة.
عناوين تتوالى من دين عام متراكم وعجز في المالية العامة الى اهمال للقطاعات الانتاجية وبطالة مرتفعة وهجرة متزايدة وصولاً الى ظاهرة الغلاء الفاحش وتهديد لبنان بالتعتيم.
اسئلة لا تنتهي نقدم فيما يلي اجابات لثلاثة من اهم الخبراء الاقتصاديين في لبنان عن البعض منها:
أبو مصلح: التغيير السياسي مفتاح التغيير الاقتصادي
إنها "سنة اشتداد الأزمة الاقتصادية" برأي الخبير الاقتصادي غالب ابو مصلح، و"السبب هو استمرار الفريق الاقتصادي الحاكم بالعمل وفق أولويات وسياسات بدأها منذ التسعينات وادّت الى ما أدّت اليه من تراكم الدين العام وتدنّي الانتاجية"، ويعتبر أبو مصلح أن "باريس 3 هو آخر حلقة من هذا المسلسل الاقتصادي وما سمّيت ورقة اصلاحية ليست الا ورقة كارثية، فالأموال التي أتت مشروطة، ونسبة الهبات فيها حوالى 700 مليون دولار فقط مقسّمة على 5 سنوات، وبالتالي لا يمكن اعتبارها الا جرعات مخدّرة".
أما عن الخصخصة فهي برأيه خيار أساسي في "اجماع واشنطن" وأداة للسيطرة على دول العالم الثالث ولاختراق هذه البلدان اجتماعياً واقتصادياً بشكلٍ شامل. أما الخصخصة حسبما طرحت في العام 2007 فهي تجري خارج إطار الشروط العالمية التي يلخّصها أبو مصلح بالتالي:
1- يتمّ خصخصة القطاعات التي لا تعتبر استراتيجية والمطروح جدياً للخصخصة في لبنان هو قطاع الخلوي الذي يدرّ على الدولة واردات استراتيجية.
2- يجب على الخصخصة أن تساهم في تفعيل المنافسة والقضاء على الاحتكار. أما في لبنان فهي عملية تنظيم نهب القطاع الخاص للقطاع العام.
3- تتمّ الخصخصة بعد إجراء تنظيم القطاع وتعظيم لإنتاجيته وتحسين أوضاعه فيتحددّ سعره الحقيقي وهو ما لم يحصل بالنسبة للخلوي.
4- تباع القطاعات عبر البورصة وفي لبنان لا تزال البورصة غير رسمية وبالتالي سنكون أمام صفقات إطار السوق، وقد نشهد عمليات نهب لهذا القطاع من قبل الشركات.
أما بالنسبة للوضع النقدي والمصرفي فيؤكّد غالب أبو مصلح أن "السياسات النقدية المعتمدة في لبنان هي أسوأ السياسات على الاطلاق"، ويوضح أن "هدف السياسات النقدية عامّةً هو خدمة الاهداف الاقتصادية للبلد وتحقيق معدّلات نمو وعمالة وتنمية مرتفعة".
أما في لبنان، فإن السياسات النقدية التي اتّخذت وبالتحدبد سعر الفائدة أصبحت معطّلة للتنمية وللإقراض وأدّت الى البطالة والافقار والشلل في القطاعات الانتاجية، وهو ما استمرّ في العام 2007 حيث بلغ الدين العام 46 مليار$. ويلفت أبو مصلح في سياق تفسيره لاحتياطي لبنان من العملات الأجنبية الى "الفرق بين الموجودات بالعملات الأجنبية التي لا يمكن اعتبارها ملكاً لمصرف لبنان، بل هي إما ودائع للمصارف اللبنانية او للمصارف المركزية العربية، وهي لا تندرج ضمن الاحتياطي الحرّ".
ماذا عن التحديات المستقبلية في العام 2008؟
يؤكّد أبو مصلح أن "التحدي الأكبر هو تحسين قطاع الانتاج وبناء فرص عمل ومنع الاحتكارات واتباع سياسة ضريبية عادلة، وفوق ذلك تغيير أولويات الطبقة الحاكمة التي تعمل برأيه لمصلحة الخارج وتحت إشراف صندوق النقد الدولي". ويختم بالقول: "التغيير السياسي هو مفتاح التغيير السياسي".
يشوعي: عام 2007 عنوانه ضعف النمو الاقتصادي
بدوره يطلق رئيس التجمّع الوطني للاصلاح الاقتصادي في لبنان د. ايلي يشوعي عنوان "ضعف النمو الاقتصادي" على العام 2007 فالنمو برأي يشوعي "بدأ يتراجع بحدّة منذ العام 2005 وللسنوات التالية لم يتعدّ الـ1%. ترافق هذا المؤشر مع تزايد الدين العام وهذا يعني أن العام 2007 شهد تعميقاً للخلل البنيوي في الاقتصاد اللبناني".
يضيف يشوعي: "قبل محو الديون، لا بدّ من ايجاد وسائل لزيادة حجم الاقتصاد". ويعيد التذكير بأن "الدين العام بلغ 46 مليار دولار مقابل 22 مليار دولار للناتج المحلي، ما يعني أن نسبة الدين الى الناتج المحلي تصل الى 200% وهي أعلى نسبة في العالم".
يميل يشوعي الى الفصل بين السياستين المصرفية والنقدية، فيشير الى أنّ "المصارف واجهت خلال العام 2007 تحديات التصنيف العالمي لجهة تبييض الأموال ومؤتمر بازل ـ 2 وشروطه، وقد سعت الى مواجهة هذه التحديات تقنياً بواسطة الموارد البشرية الكفوءة". ويلفت الى أن "الوضع الربحيّ للمصارف جيّد فهي تستفيد من الفرق بين الفوائد العالية التي تدفعها الدولة والمتدنّية التي تدفعها للمودع"، الا أنّه يطرح سؤال حول "مصير المال المودع في ظلّ المخاطر المتأتّية من كون معظم ودائع المصارف موجودة مع الدولة"، التي يصفها يشوعي بأنها "مدين يفتقر الى العقلانية في السياسة المالية فلا يحسّن وضع المالية العامة ولا يضبط العجز ولا يخرج من واقع المحاصصة".
وعن السياسة النقدية ومصدرها المصرف المركزي يشير يشوعي الى ان "تثبيت سعر الصرف وتحديد نسبة الفوائد ادارياً ومركزياً بطريقة غير مبررة ودون انسجام مع آليات السوق يؤذي الاستقرار والنمو، ويؤدي الى مزيد من تراكم الديون".
في العام 2008 سيكون لبنان أمام مجموعة استحقاقات مالية أبرزها برأي ايلي يشوعي "مبلغ مليار دولار يستحقّ على الدولة قبل آب 2008 و6 مليارات دولار مستحقّات سندات خزينة"، ويتوقّع "تكرار عمليّات السواب، وهي استبدال دين بدين كما جرت العادة الا أنه يشكك في امكانية تغطية هذه المستحقات بسبب الازمة السياسية المستفحلة من جهة وارتفاع أسعار اليورو والنفط من جهة ثانية، ما أدّى الى زيادة العجز في الميزان التجاري الذي سيحتاج في العام 2008 الى 3 مليارات ونصف تزداد صعوبة تأمينها مع تراجع الاستثمارات العربية وحركة السياحة".
إذاً التحدي الأساسية برأي يشوعي هو "تحدّي تدبّر المال في ظلّ تراجع امكانية تمويل المصارف للدولة وتركّز التحويلات من الخارج على الاستهلاك اليومي".
فضل الله: لبنان من دولة متأزمة الى دولة فاشلة
التصنيف لمجلة "foreign policy" مفاده ان العام 2007 شهد وصول لبنان الى المرتبة 28 على سلم الدول الفاشلة، وهو يقترب لان يكون من ضمن العشرين دولة الاكثر فشلا في العالم.
معلومات يوردها نائب مدير المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق الخبير الاقتصادي عبد الحليم فضل الله الذي يعتبر ان "اخطر ما في العام 2007 هو عدم قدرة الحكومة على الاستفادة من المساعدات الدولية ودخول لبنان ضمن التزامات اكثر تعقيداً وصعوبة مع صندوق النقد الدولي، خاصة بعد ان التزمت الحكومة ضمناً بأجندة معينة سميت اصلاحية نصت على تحرير القطاعات والخصخصة والتعاقد الوظيفي وغيرها".
ويلفت عبد الحليم فضل الله الى ان "البطء في وصول المساعدات في العام 2007 دليل على عدم الجدية في انقاذ لبنان".
ماذا عن الوضع النقدي؟
يسجل فضل الله "ايجابية تدفق الاموال (5.7 مليار تحويلات من المغتربين و10% زيادة في الودائع المصرفية)" لتمويل ما يسميه "لعبة استقرار النقد"، لكنه يتوقف عند الفصل الذي تعزز في العام 2007 بين سعر الصرف ومعدل التضخم، وهنا يعلق فضل الله بالقول "لقد فشلت الحكومة في مؤشر نقدي بامتياز، هو مؤشر التضخم الذي تأثر به المواطن سلباً من خلال ارتفاع اسعار السلع وظاهرة الغلاء غير المفهوم".
وعن الخصخصة يرى فضل الله ان "الخطير على هذا الصعيد هو طرح آلياتها من دون تقويم موجوداته من خلال دراسة متأنية"، ويضيف ان الفريق الحاكم يحاول إمرار الموضوع بمعزل عن المقدمات القانونية الالزامية". ويشير الى "قطبة مخفية واهداف غير معروفة توحي بعملية غير نزيهة".
ويعتبر فضل الله ان "العام 2007 هو عام فشل الحكومة في عملية اعادة الاعمار حيث لم تدفع حتى الان الا 30% من التعويضات تحت تأثير الوضع السياسي".
وعن تحديات العام 2008 يضع فضل الله "التحدي النقدي على رأس الاولويات من حيث ضرورة التركيز على كل العناصر في السياسة النقدية، وبالتحديد عنصر التضخم وعدم تكرار ما جرى في العام 2007 عندما امتنعت السلطة عن التدخل لكبح معدلات التضخم".
يضيف: "انقاذ القطاعات الانتاجية وادارة حوار وطني حول القضايا الاقتصادية والاجتماعية يقع في صلب تحديات الـ 2008". ويختم بالسؤال التالي: "كيف سيؤمن الفريق الحاكم حوالى عشرة مليارات دولار مستحقات على الدولة في العام 2008 من دون دفع اثمان سياسية".
أجرت المقابلات: بثينة عليق
الانتقاد/ العدد1249 ـ 11 كانون الثاني/ يناير 2008