ارشيف من : 2005-2008
بقلم الرصاص: سأفقأ عيني
كتب نصري الصايغ
لأنني لبناني، مقيم في الجرح الجنوبي، ومتنقل على الجسور الممزقة، ومتّهم بالدفاع عن بلدي، و"متواطئ" علناً بالقول والفكر والعمل وعن سابق تصور وتصميم مع المقاومة،
فإنني،...
ولأنني فلسطيني، أصفق بدموعي لزياحات الشهداء، وأرتب عيني لوابل الأحزان، وأرقص كالطير مذبوحاً، وأنام على أمل الموت الهادئ، منتظراً لحظة راحة في دوّامة التعب المقيم،
فإنني،...
ولأنني عراقي، أنفق ساعاتي في لم الجثث، ودفن الأحبة ولململة أنين النخيل، والاختباء في سواد النساء اللواتي ودّعن الحبل الجميل، والحبّ الصافي،
فإنني،...
ولأنني مجرد مواطن في هذه القارة العربية، التي يسوقها قادتها إلى المذلة، وتذوق المرارات، والعيش في القهر، وتحسس طعم المهانة،
ولأنني مجرد انسان في هذا العالم، أؤمن بالحرية وحقوق الانسان والمساواة والعدالة وحقوق الشعوب، وبالحياة العزيزة قبل الموت، والحياة المثلى بعد الموت، ولأنني أريد كغيري من سكان هذا الكوكب النادر،
فإنني،...
ولأنني أحياناً أكون أسمر اللون، وأحياناً أسود اللون، وأحياناً فقيراً مدقعاً، وأحياناً أفريقياً مظلوماً، وآسيوياً مضطهداً، وأحياناً عربياً منبوذاً، وأحياناً أميركياً صالحاً، وأوروبياً واعياً، وأحياناً إنساناً سوياً،
فإنني،...
ولأنني أسير في عسقلان، ولاجئ في المخيمات، ومعتقل في غوانتنامو، وملاحق في أدغال البشرية، ومحكوم بتهم التخلف والتعصب والإرهاب.
فإنني،...
ولأنني أعرف لون دمي، وعمق جرحي، ومعنى لغتي، وعمق ثقافتي وعلوّ قامتي، وبكارة كرامتي.
فإنني،...
ولأنني أعرف "اسرائيل" من قابينها إلى أولمرت، ومن كفر قاسم إلى صبرا وشاتيلا، ومن عناقيد الغضب، إلى عدوان تموز، ومن سيناء إلى القدس إلى القنيطرة فبيروت، ومن مدرسة بحر البقر إلى أبو زعبل إلى قانا ذات القداستين،
فإنني،...
ولأنني حفظت الدرس الأميركي عن ظهر قلب، وحفرت اسمها فوق الكوارث التي استولدتها، وعرفت مدى زعبرتها في تسليع الحقوق والدموع والقضايا، وأيقنت أنها تكذب ثم تكذب وبعدها تكذب، وعليه فإنها تكذب حتى أنها تدافع عن حروبها بالكذب،
فإنني،...
ولأنني أعيش لحظة غضب فوق الطاقة،
أرفض استقبال بوش.
وأرفض حجج مستقبليه.
ذات احتلال، دخل خادم الأمير في صور وأبلغه أن صور وقعت تحت الاحتلال، أطل الأمير على المدينة، ثم قال لخادمه كذبت، لن يطأ عدوّ أرض صور.
كان الأمير قد فقأ عينيه لتبقى صور حرة في عينيه.
سأفقأ عيني.. يا عرب.. العمى بقلوبكم..
الانتقاد/ العدد1249 ـ 11 كانون الثاني/ يناير 2008