ارشيف من : 2005-2008

ضاهر: "بيت العنكبوت" عمل يسجل سقوط "الأسطورة"

ضاهر: "بيت العنكبوت" عمل يسجل سقوط "الأسطورة"

أمام انتصار بحجم الذي سُطّر في تموز ـ آب 2006، لا يمكنك استرجاع الذكرى إلا مع معرض كالذي افتتح في الضاحية الجنوبية تحت عنوان "بيت العنكبوت"، فأنت هنا أمام مشهدية شديدة الوقع وشاسعة الدلالة.
في "بيت العنكبوت" يشعر الزائر وكأن المنظومة العسكرية الصهيونية بكاملها قد فككت، بشكل أصبح فيه مكان العرض كمشرحة، والمعروضات كجسد بلا روح يمثل المشروع الصهيوني، أما الزوار فهم الأطباء الذين يتحكمون بالمكان وعناوينه.
الانتقاد حاورت القيم على المشروع مسؤول وحدة الأنشطة الاعلامية في حزب الله الشيخ علي ضاهر الذي أضاء على العمل وفكرته وأهدافه وبعض كواليسه، كما كان لنا جولة في "البانوراما" أثناء التحضيرات اللوجستية، وقد عدنا بالكثير من الانطباعات.

أول الانطباعات كان من الخارج، حيث وضعت مستوعبات ضخمة (كونتينير)  فوق بعضها البعض، وطليت بالألوان، مع خط أحمر بظل رمادي، جسّد كلمتي "بيت العنكبوت" في قالب غرافيكي يحمل آخر الابتكارات الحديثة في هذا العالم.
ثم دخلنا إلى المكان/ الورشة، أو بالأحرى خلية النحل.
من إحدى الدشم انطلقنا، من خلالها عبرنا، عن شمالنا مجسم لمقاوم في حالة مرابطة واستطلاع، خطوات قليلة تأخذنا إلى نقطة للمقاومين، هي أشبه بغرفة، فيها أدوات عديدة، من جهاز كمبيوتر إلى الكتب إلى سجادة الصلاة وخزانة للأحذية، المكان يعكس الواقع كما هو، بعبقه، وعفويته، دون أي إقحام للزخرفة التجميلية، في النقطة عينها ثمة مجسّم يصوّر السيد عباس الموسوي وهو على سجادة الصلاة في حالة دعاء.
هنا التقينا بأيمن جابر وهو يحضّر بعض الأدوات ليضيفها إلى الجزء المخصص للمقاومة، من خرائط وبذلات عسكرية، وهو الدور المنوط به اضافة إلى اشرافه على منطقة عمليات المجاهدين وحركاتهم وايماءاتهم.
أما الفنان احمد عبد الله فشاهدناه يلون أحد المجسمات المجسّدة لشخصية مقاوم ليعطيها اللون الآدمي، كما يضيف تفاصيل أخرى مثل اللحية والحاجبين والعيون. وقد علمنا أن دور أحمد عبد الله يصل إلى المؤثرات اللونية الأخرى التي نشاهدها على الأرض أو الآليات وغيرها..

تحت أقدامنا
بعد تخطينا لدرجات قليلة، نشاهد على جدار الخيمة التي دخلناها ثلاث صور لأولمرت وبيريتس وحالوتس والى جانب كل منهم كلمة أطلقها مع بداية الحرب فأولمرت يقول: "لن نوقف إطلاق النار حتى استعادة الأسيرين وضرب البنية العسكرية لحزب الله"، أما بيرتس فيقول: "لن ينسى حسن نصر الله اسم عامير بيرتس"، في حين قال حالوتس: "سنقضي على حزب الله خلال ثلاثة أيام".
في ذات المكان شاهدنا الكثير من الفجوات المضاءة في الأرض وهي على شكل مربعات فوقها قضبان سوداء، لكن الدهشة تكمن فيما تحتويه هذه الأماكن، إنها الغنائم العسكرية التي خلفها "الجيش الأسطورة" خلفه، مربّع للأسلحة الأوتوماتيكية، ومربّع للخوذات، وآخر للكاميرات والمناظير النهارية والليلية، وهناك مربعات لقاذفات الصواريخ والأجهزة اللاسلكية والالكترونية..
طريقة العرض تعتبر الأولى من نوعها من حيث الشكل، وطبعاً هي كذلك لناحية المضمون، الذي يعطي الزائر لذّة النظر من "فوق" إلى  الغنائم التي هي "تحت"، وتحديداً هي تحت الأقدام.

طائرة اليسعور
في ذات المكان يلفتك هيكل ضخم، لن تؤول جهداً لمعرفة أنه لطائرة مروحية، بل جزء يسير من طائرة أسقطها المقاومون في وادي مريمين، وهي في الأساس ناقلة جند ضخمة تدعى اليسعور.
النظر إلى مروحة "المروحية" له وقع خاص، وتحديداً حينما عرفنا أنها وبرغم كبر حجمها، ليست سوى الجزء الخلفي من الطائرة، أما المروحة الرئيسية فهي أكبر من أن يستوعبها المكان، كما أنها أقل تأثيراً من الناحية "الجمالية"، وقد شعرنا بذلك بعد أن رأينا هذا الجزء في الخارج وهو في حالة "يرثى لها".

"الميركافا" في الحفرة

في القاعة التي دخلناها للتوّ ظننا لبرهة أنها بانتظار عنصر ما، يتم جلبه وعرضه ها هنا، لكن ما بدا وكأنه شرفة نقف عليها، دل أنه يطل على ميركافا، الدبابة الإسرائيلية بشحمها ولحمها، وهي ترقد في حفرة عميقة.
الدلالة السيكولوجية تتكرر هنا أيضاً، فمن هذه الزاوية بدت الدبابة الشهيرة بضخامتها،أكثر صغراً، الى درجة أن تستفهم من المعنيين إن كانت هي الميركافا بالفعل.
جهزت هذه القاعة بمؤثرات سمعية وبصرية، مع شاشات عرض لخلق مناخات خاصة، يتحول فيها الزائر الى عنصر متفاعل مع  المكان، فهنا يصبح الحياد عنواناً ثانوياً، علماً أن مدة العرض تدوم سبع دقائق في هذه النقطة، وهي في حالة تكرار دائم.

الأقسام الخمسة
مع المدير الفني للمعرض الحاج أحمد تيراني، كان لنا لقاء ميداني، حدثنا فيه عن الأقسام الخمسة للمعرض: القسم الأول الذي يتناول المقاومة وطريقة عيش المجاهدين، القسم الثاني الذي يحتوي على أكبر كم من الغنائم، التي جمعت في حرب تموز، وهي قاعة تتألف من 700 متر مربع، أما القسم الثالث فهو للميركافا، في حين يتألف الرابع من نقطة ارتكاز محورها شهداء المقاومة والمدنيون الذين  استشهدوا في تموز 2006، وكذلك شهداء الجيش اللبناني، في هذا القسم ثمة زاوية خاصة عن القنابل العنقودية، استعرضت فيه الفكرة بأسلوب هو أقرب للواقع، حيث عُرضت القنابل في حقل ألغام.
أما القسم الخامس فهو عبارة عن قاعة للأنشطة المواكبة للمعرض. وهي تتضمن لقاءات سياسية وأدبية واعلامية، وعرضا للرسوم والصور الفوتوغرافية المعبّرة عن حرب تموز.
من ناحية أخرى تحدث تيراني عن التحية الموجهة الى وسائل الإعلام التي واكبت المقاومة في حرب تموز 2006 مثل المنار و"نيو ـ تي ـ في" والجزيرة واذاعة النور وصحيفة الانتقاد، وغيرها الكثير من المؤسسات والتحية مجسّدة بعمل فنّي يعكس صلابة الصمود والتعالي عن التهديدات والتحدي حتى مداه الأقصى.

الشيخ علي ضاهر
حوارنا مع الشيخ علي ضاهر مسؤول وحدة الأنشطة انطلق من مغزى التسمية، حيث أوضح لنا أن عنوان "بيت العنكبوت" هو اقتباس لكلمة شهيرة قالها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في مدينة بنت جبيل حيث قال "ان اسرائيل أوهن من بيت العنكبوت"، وهي الجملة التي عمل الصهاينة ليلا نهاراً في تموز 2006 للرد عليها عبر محاولة قلب المعادلة.

بانوراما "حكاية النصر" في المربع الأمني
تكثيف الذاكرة بمؤثرات الواقع
في المربع الأمني في الضاحية الجنوبية افتتحت وحدة الأنشطة الاعلامية في حزب الله  بانوراما "حكاية النصر" في قالب مشهدي ضخم ترافقه مؤثرات ضوئية وصوتية.
العمل الذي يقدّم يومياً من الثامنة والنصف مساءً وحتى العاشرة ارتكز الى قطعة من العتم يستطيع من خلالها تقديم المشهد ضمن سينوغرافيا ساهم المكان في تكوين عناصرها، فالأبنية التي هدم جزء منها أصبحت ديكوراً مسرحياً، أما الشرفات والنوافذ فكانت أشبه بصندوق الأسرار، حيث نشاهد مجسمات هنا وهناك، كلما سلط الضوء على نقطة من نقاط المبنى.
البداية مع نافذة تعكس أجواء عيد، وفرح أطفال، وألوان وبالونات، ثم يتلاشى المشهد مع سماع أزيز الطائرات، ثم دوي انفجاراتها التي تنقش المكان في لعبة صوتية تقارب الواقع، أما المؤثرات البصرية فكانت ناراً تلتهب ودخانا مبثوثا وإضاءة مهتزة بقوة، تدخل  الناظر في العمل ليكون جزءاً من التأليف المسرحي.
ثم تتعدد أوجه الحكاية، وتتنوع مفاجآت النوافذ، وتكثر الغارات، وفي الوقت عينه هناك ثلاث شاشات عملاقة تقدم كلمات مصورة للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، الى أن يختتم العرض بنشيد "نصر العرب".
ع.ح

يقول الشيخ علي ضاهر ان الأفكار تتطور وترتقي لتصبح بمستوى الحدث، ومع عنوان مثل "المقاومة" يصبح للحدث أبعاد سياسية واجتماعية وتربوية واعلامية، عدا عن العسكرية، والتطور يقود الى توسيع الدائرة، ومعها يتسع حجم الشرائح المتفاعلة مع الحدث، من هنا، كان لا بد لوحدة الأنشطة الاعلامية، أن تجتهد لتحكي الحكاية، حكاية الحكايات، من خلال وسائل فنية عدة، تصل عبرها الرسالة، من السينما الى الموسيقى الى الفن التشكيلي والنص الأدبي، وفي "بيت العنكبوت" ثمة التقاء لبعض هذه العناوين، ضمن إطار مكثّف، يطرح في قالب مشهدي مبسّط، يصل للجميع، وهو يسجل سقوط ما روّج على أنه "أسطورة".
يضيف الشيخ علي ضاهر: لا نقدر اختصار سيرة المقاومة، لذلك حاولنا محاكاة أبرز المفاصل من خلال لغة مشهدية ترافقها بعض الشروحات المكملة، إنما دون انشائية.
ولأننا نتوقع حركة زوار للمعرض ممن لا يتكلمون العربية أضفنا نصوصاً انكليزية لسد أي ثغرة محتملة في هذا الجانب الايضاحي والتعريفي.
عن عدد الزوار ونوعية الشرائح المشاركة يقول الشيخ علي ضاهر، ان الرقم المتوقع كبير جداً والزوار سيكونون من مختلف الشرائح والمناطق، وهناك تنسيق واتصالات مع جهات نقابية وطلابية وأحزاب ومؤسسات ووسائل إعلام، عدا عن الأفراد الذين سيحضرون بصفة شخصية.
أما عن "بيت العنكبوت" والتحضيرات التي رافقته فيقول الشيخ علي ضاهر إن التخطيط دام ثلاثة أشهر، ومع فريق من المجاهدين الفنانين الذين عملوا بجهد يليق بتموز وتضحياته، كان التنفيذ على الأرض قياسيا لناحية الوقت، وإبداعيا لناحية التنفيذ.
من الآن حتى العاشر من أيلول ويومياً من العاشرة صباحاً حتى العاشرة مساءً وعلى مساحة 6000 متر مربع، ستحتضن الضاحية الجنوبية زواراً من كل لبنان وخارجه، لمشاهدة الغنائم والاطلاع على معلومات تكشف لأول مرة، وذلك في قالب فريد من نوعه و"خطير" في عمق مضمونه.
عبد الحليم حمود
الانتقاد/ العدد1225 ـ 27 تموز/يوليو2007

2007-07-27