ارشيف من : 2005-2008
أبرامز أعاد رسم مسار تعقيد الأزمة والسنيورة مفتاح المشكلة
عاودت الادارة الأميركية تدخّلها المباشر على خط الأزمة اللبنانية، في ظل انحسار الدور الفرنسي المفوّض أصلاً من قبل واشنطن، وذلك عبر دعوة الرئيس الأميركي جورج بوش فريق السلطة لاعتماد خيار النصف زائد واحد لانتخاب رئيس الجمهورية، ولئن جاء هذا الموقف متأخراً شهرين، وفق ما أشار إليه عدد من أقطاب الموالاة أنفسهم، إلا أنه يعبر عن أزمة خيارات حقيقية تنتاب أهل السلطة، ما حدا بواشنطن إلى إيفاد مساعد وزيرة الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الوسط دايفيد ولش إلى بيروت، مرتين خلال أربعة أيام، وهو ما ليس معتاداً في حركة الدبلوماسية الأميركية.
وما يجدر التوقف عنده في الزيارة المفاجئة لدايفيد ولش هو الثقل الزائد الذي حمله، وتمثّل في اصطحابه لنائب مستشار الأمن القومي الأميركي أليوت أبرامز، ما حمل الكثير من المؤشرات السلبية خصوصاً أن هذا الرجل معروف بتعصبه المستميت للكيان الصهيوني، سواء على مستوى المنهج الفكري والسياسي، أم على مستوى المواقف العنصرية التي كان ولا يزال يطلقها في هذا الإطار، والتي أبرزها أنه عارض انسحاب قوات الاحتلال من لبنان عام 2000 واعتبره خطأ تاريخياً، وصولاً إلى تصريحاته النارية خلال عدوان تموز عام 2006، التي شدد فيها على ضرورة تدمير قدرات حزب الله ونزع سلاحه.
أبرامز الزعيم الأميركي لـ 14 شباط
لا يغرب عن الذهن أن أبرامز معروف بأنه من أكثر المتشددين في جماعة "المحافظين الجدد"، ومتأثر بشكل كبير بأفكار المستشرق البريطاني ـ الأميركي "برنارد لويس" الذي ألّف كتباً عديدة ونشرت مقالاته في الدوريات الأميركية الرئيسية حول الاسلام وإشكالات التحول الديمقراطي في الشرق الأوسط، وشرح فيها نظريته حول "المشروع الأميركي لإصلاح المنطقة"، التي أضحت مرجعية أيديولوجية وفكرية يتبنّاها "المحافظون الجدد"، على الرغم مما فيها من تحريفات وتعصب واضح وكراهية عميقة للشعوب العربية والاسلامية، على مستوى الدين والمجتمع والسياسة.
أما أبرامز فهو في الواقع "الزعيم الفعلي" لمجموعة لبنان في وزارة الخارجية الأميركية، بحيث كان يشرف على عمليات "استدعاء" أقطاب الأكثرية إلى واشنطن، سواء لتبليغهم "التعليمات الجديدة" أم لتبلّغ معلوماتهم والاستماع إلى رؤيتهم حول تطورات الوضع في لبنان.
أسباب زيارة ولش وأبرامز
وفي هذا الإطار، رأت مصادر سياسية مطّلعة أن مرافقة أبرامز لولش في زيارته إلى بيروت تعود إلى جملة من الأسباب، أهمها:
ـ وجود حالة تضعضع داخل قوى 14 شباط، حيث رصد الأميركيون بداية تشتّت في الرؤى والمواقف، لا سيما مع غياب الحضور المباشر لناظر السياسة الأميركية في لبنان جيفري فيلتمان.
ـ وجود أزمة قرار داخل قوى السلطة، بحيث قرأ الأميركيون حالة من التردد لدى بعض الأقطاب الشباطية حيال الاستمرار في الخطوات المرسومة من قبل الإدارة الأميركية، والرامية إلى إبقاء حالة الفراغ في البلد.
ـ خوف الإدارة الأميركية من دخول رجلها السياسي القوي في لبنان فؤاد السنيورة، في حالة عزلة على مستوى الأداء أو على مستوى التمثيل، وخصوصاً لجهة عدم قدرة السنيورة على إثبات نفسه وحكومته، بعد فراغ سدة رئاسة الجمهورية، في موقع الوكيل لصلاحيات الرئيس.
ـ استشعار واشنطن بما يشبه الانقسام داخل المعسكر الشباطي، خصوصاً لجهة انفراط عقد الالتفاف حول الخيارات التي وضعتها الإدارة الأميركية، وفي المقابل تكتّل وتوحّد قوى المعارضة وصوابية طروحاتها على المستوى الوطني العام، وتكريس زعامة العماد ميشال عون للشارع المسيحي بشكل خاص، وتنامي شعبيته لدى الجمهور اللبناني عموماً.
أهداف زيارة ولش وأبرامز
وعلى هذا الأساس، بعثت الادارة الأميركية بأبرامز شخصياً إلى بيروت تحت ستار زيارة ولش، لتحقيق جملة من الأهداف، أهمها:
ـ إعادة الاعتبار للدور الأميركي في مبادرات الحل، ولا سيما الفرنسية منها، خصوصاً في ظل التباين الذي ظهر بين واشنطن وباريس لجهة تناول الوضع في لبنان، وانحراف الأداء السياسي الفرنسي، بقصد أو عن غير قصد، عن الخط المرسوم أميركياً.
ـ العمل على لملمة شمل أطراف قوى السلطة، وإعطاء "حقنة مقوّيات" للمعسكر الشباطي قبل وصوله إلى حافة الانهيار، وخصوصاً بعد أن تأكد لدى الأميركيين تقهقر المشروع الانقلابي لقوى السلطة، على المستويين السياسي والشعبي.
ـ تكليف حكومة السنيورة بوضع المزيد من العراقيل أمام سكّة الحل، وذلك عبر مخالفة التعهّد الذي أطلقه السنيورة بعدم ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية، والهروب إلى الأمام عبر تعميق الهوّة بين الأطراف باتجاه ضرب آخر المؤسسات الدستورية الصامدة في لبنان، أي مجلس النواب.
ـ إعادة إحياء الخيارات الانقلابية التي رفعتها الموالاة في مواجهة مطلب المعارضة الوطنية، وفي مقدمتها نصاب النصف زائد واحد في المجلس النيابي في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، تحت ذريعة تعطيل هذا المجلس وتأجيل جلسات انتخاب الرئيس للمرة العاشرة.
كرة النار في مجلس النواب
واستناداً إلى التفرّعات المستجدة في الخارطة الداخلية، ترى المصادر السياسية المطّلعة أن بوصلة الأزمة السياسية تشير إلى مزيد من التفاقم السلبي والتأزم مع اندفاع حكومة السنيورة، التي تشكّل الحاضنة الرسمية لقوى 14 شباط، ومرآة السياسة الأميركية في لبنان، إلى اتخاذ قرارات من شأنها إدخال البلاد في أتون صراع سياسي جديد، خصوصاً لجهة إحالة كرة النار إلى مجلس النواب، عبر مشروع القرار بتعديل المادة 49 من الدستور اللبناني، ما يؤدي إلى مواجهة مباشرة مع الرئيس نبيه بري الذي ما فتئ يعلن عن امتلاكه الأطر الدستورية الملائمة للحل بانتظار التوافق السياسي الشامل.
وتؤكد المصادر أن الخطوة اللادستورية التي أقدمت عليها حكومة السنيورة ستواجه بقوة ولكن من دون الانجرار إلى ردود الفعل وفق ما يشتهي الفريق الانقلابي، حيث يحرص الرئيس بري على احترام الدستور، والعمل ضمن الأطر التي أقرّها اتفاق الطائف، وبالتالي فإن كرة النار سترتد إلى مطلقيها، فضلاً عن أنها ستؤدي إلى تحصين مشروعية خيارات المعارضة أكثر فأكثر على المستوى الشعبي.
محمد الحسيني
الانتقاد/ العدد1247 ـ 28 كانون الاول/ ديسمبر2007