ارشيف من : 2005-2008
بين سطور المبادرة العربية
اللبنانية مبنيا على التوازن بين الأكثرية والمعارضة. فإذ قضت المبادرة بانتخاب فوري للمرشح الذي حظي بالتوافق بين الفريقين، وتحديدا قائد الجيش العماد ميشال سليمان، فإنها نصت على توزع مقاعد مجلس الوزراء في أول حكومة تتشكل في العهد الجديد على وجه لا يكون فيها حق القرار في المسائل الأساسية للأكثرية، أي لا يكون للأكثرية غالبية الثلثين، ولا يكون للمعارضة حق التعطيل او النقض، أي لا يكون لها من المقاعد الوزارية أكثر من الثلث. ونصت المبادرة على اعتماد قانون انتخاب جديد، والمفترض ان يكون القانون عادلا وشفافا وأن يكون منطلقا لاجراء انتخابات نيابية مبكرة تجدد الحياة السياسية.
أظهر التحرك الذي قام به الأمين العام لجامعة الدول العربية، عمرو موسى، حقيقة معروفة، ولو انها مُرّة، وهي أن القرار الفعلي في نظامنا، الذي يزعم بعضنا انه ديموقراطي، قاصر على عدد من الزعامات لا يتجاوز عدد اصابع اليدين، وهم أؤلئك الذين حصر الأمين العام للجامعة اتصالاته بهم في جولته اللبنانية. فاتصالاته اقتصرت على رئيس مجلس النواب والأمين العام لـ«حزب الله» ورئيس «التيار الوطني الحر» في جانب، ورئيس «القوات اللبنانية» ورئيس «كتلة المستقبل»، ورئيس جمهورية سابق ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي في الجانب الآخر. وشملت الاتصالات أحد رؤساء الحكومات السابقين، قيل ان ذلك تم نزولا عند طلب المعارضة. إذا كان قرار المصير يتوقف على هؤلاء، فالمصير الوطني في يد ثمانية من قادة الساحة السياسية. هل هذا من الديموقراطية في شيء؟
عندما بلغ الأمين العام للجامعة خبر استغراب استبعاد منبر الوحدة الوطنية الذي اتحدث شخصيا باسمه، قال ان الذين شملتهم اتصالاته هم أطراف «اللعبة» في لبنان، وأنا لست في عداد هؤلاء.
ورموز الساحة، الذين يحتكرون قرار المصير، يتراشقون الاتهامات، ففريق منهم يتهم الفريق الآخر بالتبعية لأميركا (ومن ورائها اسرائيل) ولدول عربية معينة. والفريق المقابل يتهم الآخرين بالتبعية لمحور سوريا وإيران. ولكن عرب الجانبين كانوا في مؤتمر وزراء الخارجية الذي أطلق المبادرة العربية. فلماذا تعثرت المبادرة إذاً؟ هنا يكمن سر المشكلة اللبنانية وارتباطها بأزمة، او أزمات، المنطقة. فإذا كانت إسرائيل، أحيانا مباشرة وأحيانا عبر حليفتها الدولة العظمى، طرفا في النزاع الاقليمي، فكيف سيكون الحل للأزمة اللبنانية وإسرائيل لها مآرب في عدم استقرار المنطقة عموما ولبنان خصوصا، ولها مصلحة بالأخص في مضايقة المقاومة التي غيرت المعادلة في الشرق الأوسط والتي كانت تمسك الدولة الصهيونية بزمامها من موقع القوة التي لا تقهر، فإذا بالمقاومة تسجل انتصارا عليها في عام 2000 ثم في حرب تموز خلال صيف العام .2006
فلا غرابة والحال هذه في استعصاء الأزمة اللبنانية حتى في ظل وفاق عربي يعقد على مستوى وزراء الخارجية. ولكن العجب صارخ في التساؤل: ألا يدرك المستأثرون بالقرار في لبنان هذا الواقع؟ وإذا كانوا يدركونه، فلمَ يا ترى لا يتحدونه بلبننة الحل، أي بالاتفاق على صيغة مخرج من الأزمة على الرغم من ارتباطها الوثيق بأزمة المنطقة، وقد جاءهم الحل على طبق من فضة من لقاء وزراء الخارجية العرب.
لماذا، بعبارة أخرى، لا نعتمد المطروح في المبادرة العربية كما جاء، متجاوزين الخلاف على جنس الملائكة عبر الاشتباك حول مقعد وزاري أكثر او أقل لهذا الفريق او ذاك، لماذا لا نرتفع الى مستوى المسؤولية الوطنية في مواجهة المصير فنتفق على تسوية ما، أي تسوية، لما اختلفنا عليه أمام الأمين العام للجامعة؟
فلنتفق على تسوية ما قبل عودة الأمين العام بعد أيام لاستئناف مهمته بيننا. ولنجعل الهدف الأساسي الذي نلتقي عليه الاصرار على حكومة تتمتع بصلاحية اشتراعية في موضوع قانون الانتخاب، الذي يجب ان يتضمن نصا، كما كان في عام ,1992 بحل مجلس النواب وإجراء انتخابات نيابية تجدد الحياة السياسية ويكون الحكم بعدها، كما في أي ديموقراطية حقيقية، للأكثرية النيابية وتكون الأقلية في موقع المعارضة. هكذا فقط يكتسب نظامنا شيئا من الديموقراطية بعودة المساءلة والمحاسبة الى الممارسة الفعلية. فلا مساءلة ولا محاسبة على نحو فاعل بوجود حكومة وحدة وطنية، هي في واقع الحال صورة مصغرة عن مجلس النواب ككل. فالمعارضة هي التي تؤمن المحاسبة إذا كانت خارج الحكم.
ولكن الخلاف حول قانون الانتخاب لم يعد خافيا على أحد. هناك من يدعو الى اعتماد القضاء دائرة انتخابية، مع ان اتفاق الطائف ينص صراحة على اعتماد المحافظة. ونحن من دعاة اعتماد نظام النسبية الذي يفترض اعتماد دوائر واسعة ومختلطة. اننا نتمنى عمليا اعتماد المشروع الذي خرجت به اللجنة الخاصة التي أنيط بها دراسة مشروع جديد لقانون الانتخاب، وكانت برئاسة الاستاذ فؤاد بطرس، والمشروع يقوم على مزيج بين قاعدة النسبية في مناطق وقاعدة الدوائر الأصغر في مناطق أخرى.
يبقى من الخلافات بين اللبنانيين ما يتعلق بآلية انتخاب الرئيس: وتحديدا كيف يمر التعديل في مجلس الوزراء، كما يقضي الدستور، والمعارضة لا تعترف بشرعية الحكومة او دستوريتها او ميثاقيتها بعد انسحاب فريق وازن منها من دون قبول استقالتهم ومن دون تعيين بدلاء يخلفون المستقيلين؟
سبق ان اقترحنا العمل على جمع الحكومة بكامل أعضائها، بمن فيهم المستقيلون، لمرة واحدة وأخيرة لاقرار مشروع التعديل الدستوري الذي يتطلبه انتخاب قائد الجيش رئيسا للجمهورية، وللمستقيلين ان يعلنوا التحفظات التي يشاؤون عند دخولهم الجلسة وعند خروجهم منها. هذه المسألة لم يتناولها الأمين العام للجامعة في اتصالاته بحسب ما ورد في الأخبار، في جولته اللبنانية التي اختتمها في 12/1/.2008
تأجل موعد انعقاد جلسة انتخاب الرئيس للمرة الثالثة عشرة الى 21/1/.2008 إذا صممنا على لبننة قرار التسوية، كما يجب ان نفعل، فإن الموعد المعلن يجب ان يكون موعد انتخاب الرئيس العتيد.
المصدر: صحيفة السفير اللبنانية ـ 14/1/2008