ارشيف من : 2005-2008

لبنان كمسؤولية عربية ...

لبنان كمسؤولية عربية ...

مشكلاته معقدة، وأن أطرافه السياسية تعاند وتكابر وترفض ـ بعضها أو كلها ـ تبادل التنازلات من أجل الخروج من المأزق المفتوح على مخاطر غير محدودة، ستطالهم جميعاً، بشهادة مأساة العراق تحت الاحتلال الأميركي ومأساة فلسطين تحت الاحتلال الإسرائيلي.‏

بالمصلحة كما بالمنطق، قبل العاطفة الأخوية وبعدها، يفترض أن يكون العرب هم المعنيين بمساعدة اللبنانيين على الوصول إلى تسوية سياسية مشرفة تخرجهم وتخرج إخوتهم العرب من المحنة القابلة للتحول إلى فتنة لن تنحصر آثارها الوخيمة في لبنان.‏

وإذا كان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قد ضاق وقته المكرّس لإجازة المتعة مع بعض عشيقاته في مصر، عن الاهتمام الجدي بمتابعة «المبادرة» حتى الوصول إلى الحل المرتجى، والذي تبدى في لحظة في متناول اليد، فإن الأهل ـ العرب يملكون من الوقت ما يكفي لاستنقاذ أنفسهم، عبر لبنان، من «شر مستطير» تلوح نذره في الأفق، ويكاد المستفيدون منه أن يكشفوا أنفسهم بالتحريض اليومي المفتوح.‏

إن اللبنانيين، على اختلاف تلاوينهم واتجاهاتهم، ما زالوا يأملون أن يجنبهم إخوتهم العرب، وأن يجنبوا أنفسهم، كأس الفتنة التي يبدو في بعض اللحظات وكأنها «مصلحة حيوية» لبعض أعداء العرب، وأولهم إسرائيل ومن أيّدها وساندها في الماضي ويساندها في الحاضر، ضدهم جميعاً... وهذا مؤتمر أنابوليس شاهد بوقائعه، ثم بنتائجه على الأرض المصبوغة بالدم الفلسطيني.‏

ويفترض اللبنانيون، ومن حقهم كما من واجبهم أن يفترضوا أن إخوتهم العرب أحرص عليهم من الرئاسة الفرنسية التي تكرّس وقتها للصفقات التجارية، والتي حصلت من بعض الدول العربية الغنية على صفقات خرافية... خصوصاً أن لبنان اليوم أفقر من أن يوفر للرئيس ساركوزي «هدية» مشابهة لما ناله من قطر وليبيا أو الجزائر والمغرب، وربما كانت هدايا أخرى في الطريق إليه، بينما هو يواصل إجازة العشق هانئاً.‏

لقد تصرف الرئيس الفرنسي مع مصر، أكبر وأهم بلد عربي، ومع رئيسها، بطريقة أقل ما يقال فيها، إنها غير لائقة، وانها تخرج على الأصول، حين وجه إهانات مباشرة إلى بلد عربي وإلى رئيسه، من قصر الرئاسة في القاهرة، في حين بالغ في امتداح إسرائيل وفي تأكيد صداقته وتعاطفه معها، بينما كانت حكومتها تتابع ارتكاب مجازرها اليومية ضد شعب فلسطين عموماً، أي الضفة الغربية بكل مدنها، بما في ذلك رام الله، إضافة إلى غزة التي يكاد يخنقها الحصار حتى الموت.‏

وينظر اللبنانيون بشيء من الأمل إلى الاجتماع الطارئ الذي ستعقده الجامعة العربية، يوم الأحد المقبل، في مقرها بالقاهرة، بدعوة مشتركة من مصر والسعودية، متمنين أن يكون الهدف منه معالجة الأزمة في لبنان بروح الأخوة والمسؤولية، وليس بالكيدية وبتجديد الصراع واستعادة أسباب الخلافات التي أنهكت الجميع وأضعفتهم، والتي سهلت ابتزازهم من طرف «العدو» الإسرائيلي كما من طرف «الصديق» الأميركي.‏

إن مواصلة الحروب العربية ـ العربية لا تحتاج إلى اجتماع طارئ، فهي مفتوحة، وقد دفع لبنان وما زال يدفع بعض أعبائها من دماء أبنائه، وكذلك الأمر مع العراق ومع فلسطين، والحبل على الجرار.‏

إن الأزمة في لبنان تتفاقم خطورة بطريقة طردية مع الخلافات العربية، إن توسعت الاشتباكات تفجرت الأزمة وتوالت تداعياتها المدمرة، وإن سادت روح التفاهم وتحديد المختلف عليه من الأمور، بات التوافق على حل المسألة اللبنانية أسهل مما يتصور الجميع.‏

وليس للعرب عذر في أن يتخلوا عن لبنان.‏

إن الرئيس الفرنسي يستطيع مواصلة الاستمتاع، مع عشيقاته، متجولاً بين آثار تاريخهم.‏

أما هم فإن تقاعسهم عن نجدة لبنان قد يتسبب في توسيع دائرة الحريق الذي يكاد يذهب بمستقبلهم، مهما تعاظمت عوائدهم النفطية، مهما نافقتهم الإدارة الأميركية (ومعها إسرائيل) وهي تشرف على تمدد النيران من أقصى بلادهم إلى أقصاها.‏

المصدر: صحيفة السفير اللبنانية ـ 3/1/2008‏

2008-01-03