ارشيف من : 2005-2008

قوس النفس في كربلاء

قوس النفس في كربلاء

حدث ذلك صبيحة العاشر من محرم العام 61 للهجرة، حينها كان قوس الشمس يشدّ من أوتار الصوت الحسيني سهماً من فور الحق نحو المساجد المسكونة بوعظ السلطان، وكان ثمة قوسان معلقان بميزان السماء يرسم كل منهما كيانه ومنطقه الذي سيؤسس ركيزتين للصراع بين الحق والباطل على مدى التاريخ الإنساني.
كان الموكب الحسيني يغرس أوتاد خيمه عميقاً نحو الرمل تأسيساً لرسالة النبوة، وكان يزيد وجنده يرفعون من بنيان الملك نحو سماء يشكرون بانيها.. وكان الحسين يتلو رسالة جده محمد (ص) على القوم ليعودوا إلى اسلامهم، وكان يزيد يستذكر جده أبا سفيان وينشد في ديوان قصره:
لعبت هاشم بالملك
فلا خبر جاء ولا وحي نزل
وكان الحر الرياحي يشنف سمعه بعيداً نحو الصوت يتراءى له خاتم الأنبياء (ص) وهو يسمع القوم: "حسين مني وأنا من حسين، أحبّ الله من أحب حسيناً"، فترتعد فرائصه وينكس رمحه ورأسه نحو الحسين قائلاً: هل من توبة يا حبيب رسول الله؟ وعلى مسافة من الحر كان عمر بن سعد ينزع عن قلبه آخر وصايا النبوة ويمنّي نفسه بالإثم وبملك الري: "أأترك ملك الري والري منيتي"؟! رددها ابن سعد في الوقت الذي كان فيه حبيب بن مظاهر يخلع عنه ملك عشيرته منادياً في قومه لنصرة آخر حفيد لآخر لنبي على وجه الأرض.
كانت الشمس تقف فوق عمود الصلاة، فوقف الإمام الحسين (ع) يخلع عنه ثوب الدنيا، لا سيما القميص المرقع، لعلّ الأعراب ترعوي عن نزعه ميقات الشهادة! وكان يزيد يلبس ديباج الحرير استعداداً للقاء غلمانه..
كان كل يعد نفسه لساعة الفصل وساعة تجديد الرسالة أو ردمها، وكانت زينب تحكي للنسوة عن صلاة الوحشة وصلاة الاستسقاء لعلّ السماء تنزل عليهم سكينتها.. وبين انحناء قوس الشمس وصلاة الشهادة حزّ لعين رأس الحسين الشريف ورفعه فوق الرمح إعلاناً لبداية مسير قافلة الصوت النبوي على وجه الأرض.. وعندما أشعلت النيران في خيم المخدرات من آل بيت النبي (ص) وانكشف عنهن الغطاء، رفعت زينب صوتها نبوياً دك قناطر يزيد: "يا يزيد كد كيدك واسعَ سعيك، فوالله لن تمحو ذكرنا".. وأمام طواف الرؤوس ولسان زينب وفداء حبيب وتوبة الحر ودم جون، كان ثمة بنيان ديني اسلامي بنيوي يعلن القيامة ثانية ليجدد دين رسول الله (ص) على مساحة قوس الشمس وميزان السماء.
حسان بدير
الانتقاد/ العدد1250ـ 18 كانون الثاني/ يناير 2008

2008-01-18