ارشيف من : 2005-2008
ثلاث سنوات في الحكم تمخّضت عن جرائم كبرى ثلاث :يزيد بن معاوية خليفةٌ صحابته الأدنون قرود
كان يزيد بن معاوية ـ كما أجمع المؤرخون ـ شابا ماجنا مدمناً على الخمر واللعب مع الكلاب والقرود، وعديم الخبرة ولا يعرف من الدين شيئاً.
جاء في مروج الذهب للمسعودي (67:3): كان يزيد يضمر الإلحاد ولا يعتقد بالمعاد. ويقول ابن كثير ان يزيدا هذا كان فاسقا؛ فهو القائل:
لعـــبت هـــاشـــم بالملــــك فلا خبر جاء ولا وحي نزل
وروى صـاحـب الأغـانـي: "كان يزيد بن معاوية اول من سن الملاهي في الاسلام من الخلفاء, وآوى الـمـغـنـيـن, واظـهر الفتك, وشرب الخمر, وكان ينادم عليها سرجون النصراني مولاه, والاخـطـل ـ الـشـاعـر الـنصراني ـ وكان يأتيه من المغنين "سائب خاثر" فيقيم عنده فيخلع عليه".
ويقول البلاذري: "كان يزيد بن معاوية أول من أظهر شرب الشراب والاستهتار بالغناء والصيد واتخاذ القيان والغلمان والتفكه بما يضحك منه المترفون من القرود والمعافرة بالكلاب والدِيَكة".
ويحكي البلاذري عن قرد ليزيد يدعى أبا قيس فيقول: "كان ليزيد بن معاوية قرد يجعله بين يديه ويكنّيه أبا قيس, ويقول: هذا شيخ من بني إسرائيل أصاب خطيئة فمُسخ، وكان يسقيه النبيذ ويضحك مما يصنع, وكان يحمله على أتان وحشية ويرسلها مع الخيل فيسبقها (أي يسبق الخيل), فحمله يوما وجعل يقول:
تمسّك أبا قيس بفضل عنانها فليس عليها إن سقطتَ ضمانُ
ألا من رأى القرد الذي سَبَقَتْ به جيادَ أمير المؤمنين أتانُ"
قرد آخر ليزيد, اسمه أبو خلف, قال عنه البلاذري: "خرج يزيد يتصيد وهو سكران, فركب وبين يديه أتان وحشية قد حمل عليها قردا, وجعل يركض الأتان, ويقول:
أبا خلف احْتَلْ لنفسك حيلة فليس عليها إن هَلكتَ ضمان".
لكن أبا سمير هو القرد الذي احتل أرفع مكانة في قلب (أمير المؤمنين) يزيد إلى درجة أنه حين مات (القرد طبعا) أمر الخليفة (أمير المؤمنين) بغسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه في مقابر المسلمين.
وقد قال أحد الشعراء عن يزيد:
يزيد صديق القرد ملَّ جوارنا فحنَّ إلى أرض القرود يزيد
فتباً لمن أمسى علينا خليفـة صحـــابته الأدنون منــه قرود
وقال البلاذري إن سبب وفاة يزيد أنه حمل قردة على الأتان وهو سكران ثم ركض خلفها فسقط فاندَقّتْ عنقه أو انقطع في جوفه شيء.
واكثر يزيد من نظم الشعر في الخمر والغناء مثل قوله :
معشر النُدمان قوموا واسمعوا صوت الأغاني
واشربوا كاس مُدامٍ واتركوا ذكر المثانــــــي (المثاني: القرآن).
شغَلَتني نغمة العيدان عن صوت الاذان
وتعوّضتُ من الحور عجوزا في الدنان (الدنان: وعاء الخمر).
الى غير ذلك مما نقلت من ديوانه نقلا عن تذكرة خواص الأمة.
وقد أفتى كل من سبط ابن الجوزي والقاضي أبو يعلى والتفتازاني والجلال السيوطي، وجميعهم من أعلام أهل السنة القدامى بكفر يزيد وجواز لعنه استناداً إلى الأبيات التالية وما جاء فيها من اعترافات صارخة لمن لم يكن ليفهم من فضائح الأعمال!
أنشد هذه الأبيات وهو جالس في منظرة على جيرون بالشام:
لما بدت تلك الحمول وأشرقت تلك الرؤوس على شفا جيرونِ
نعب الغراب فقلت أو لا تصح فلقد قضيت من الرسول ديونـي
ومن الواضح أن الديون التي يقصدها يزيد في هذه الأبيات هي مقتل العديد من أشياخه (يعني أجداده) في بدر بسيوف علي وحمزة.
من أجل كل ذلك استنكر زياد بن أبيه على معاوية أخذ البيعة ليزيد بولاية العهد وهو على هذه الحال من الفسق والمجون والتهتك. (وزياد هذا هو من ألصق المقربين من معاوية وأخلصهم في النصيحة له). ذكر اليعقوبي في تاريخه أنه:" لـمـا اراد معاوية ان ياخذ البيعة ليزيد من الناس, طلب من زياد أن يأخذ بيعة المسلمين في البصرة, فـكـان جـواب زيـاد لـه: ما يقول الناس إذا دعوناهم إلى بيعة يزيد, وهو يلعب بالكلاب, والقرود, ويلبس المصبّغات, ويدمن الشراب, ويمشي على الدفوف وبحضرتهم الحسين بن علي, وعبداللّه بن عباس, وعبداللّه بن الزبير, وعبداللّه بن عمر؟ ولكن تأمره يتخلّق بأخلاق هؤلاء حولاً أو حولين فعسانا أن نموّه على الناس".
رأى معاوية ضرورة الأخذ بنصيحة ابن زياد إن هو أراد أن يتم البيعة ليزيد.
فهذا ابن كثير يذكر في تاريخه شيئاً من ذلك فيقول: "كان يزيد صاحب شراب فأحب معاوية أن يعظه في رفق, فقال: يا بني ما أَقدَرك على أن تصل حاجتك من غير تَهتُّك يذهب بمروءتك وقدرك ويشمت بك عدوك ويسيء بك صديقك, ثم قال: يا بني إني مُنشدك أبياتا فتأدّب بها واحفظها؛ فأنشده:
أنصــــب نهـــــاراً في طلاب العلا واصبر على هجر الحبيب القريــب
حتـــــى إذا الليـــــل أتـــى بالدُجى واكتحـــلت بالغمـــض عين الرقيب
فباشـــــر الليـــــل بمـــــا تشتـهي فإنـــــما الليـــــل نهـــــــار الأريب
كـــــم فـــــاسق تحسبــــــه ناسـكا قـــــد باشـــــر الليــل بأمـر عجيب
غـــــطى عـــــليه الليـــــل أستاره فبـــــات فـي أمـــن وعيش خَصيب
إلا أن يزيدا لم يأخذ بشيء من هذا وبقي على حاله من ممارسة موبقاته وعصيانه تحت بصر الناس وأسماعهم. وبالرغم من ذلك فقد استطاع معاوية فرض البيعة له على كبار المسلمين بالرشوة حيناً والقتل حيناً آخر وبالحيلة والخديعة في كل الأحيان. إلا أربعة منهم أبوا عليه البيعة وهم الحسين بن علي أمير المؤمنين(ع) وعبدالله بن الزبير وعبدالله بن عمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن أبي بكر.
بعد وفاة أبيه تقلّد يزيد مقاليد الخلافة عام60ه. وكان شأنه فيها شأن أبيه يسرف ويبذر أموال المسلمين، ويقتل المؤمنين، ويشيع الفساد.
ولم تدم خلافته سوى ثلاث سنوات ارتكب خلالها ثلاث جرائم من أجل إخضاع الأمة لإمارته، وكانت كل واحدة من هذه الجرائم كافية لوصم الخلافة الإسلامية وتاريخ المسلمين بوصمة عار لا تمحى أبد الدهر.
قال عنه ابن الجوزي: "ما رأيكم في رجل حكم ثلاث سنين؛ قتل في الأولى الحسين بن علي، وفي الثانية أرعب المدينة وأباحها لجيشه، وفي السنة الثالثة ضرب بيت الله بالمنجنيق" (تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي: 164)، وهي إشارة إلى واقعة كربلاء، وواقعة الحرّة التي ثار فيها أهل المدينة ضد واليها وأخرجوه منها وسائر بني أمية، وذلك من بعد أن انكشف لديهم فسق يزيد وكثرة جرائمه. فبعث إليهم يزيد مسلم بن عقبة على رأس جيش فقتل أهلها واستباحها.
وفي عام 64هـ أرسل نفس ذلك الجيش لقمع ثورة عبدالله بن الزبير بمكة، فهجم عليها وضرب الكعبة بالمنجنيق وأحرق البيت الحرام وهدمه وقتل خلقاً كثيراً من أهلها(مروج الذهب 69:3-72).
الانتقاد/ العدد1250ـ 18 كانون الثاني/ يناير 2008