ارشيف من : 2005-2008
التهويل بالتدويل لا يمنع المعارضة من المتمسك بالمشاركة الحقيقة
بدا واضحاً من التطورات السياسية والأمنية التي شهدتها الساحة الداخلية خلال الأيام الماضية أن البلاد تعيش انعكاسات نتائج زيارة الرئيس الأميركي جورج بوش إلى المنطقة التي سعى من خلالها الأخير إلى تأمين مصالح الكيان الصهيوني وتأخير تداعي المشروع الأميركي في المنطقة. وانطلاقاً من هذا الهدف الأميركي ظهر أن المبادرة العربية لحل الأزمة السياسية في لبنان التي استدعت من الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى زيارة ثانية إلى بيروت مع "تعريجة" على دمشق لن تصل إلى نتيجة ايجابية، وأن المطلوب منها تقطيع الوقت ليس أكثر مع بروز انحياز إلى فريق السلطة ومحاولة تحميل المعارضة مسؤولية التعطيل بسبب تأكيدها موقفها بالمشاركة الحقيقية في الحكم، على أن تكون هذه المبادرة مقدمة لتدويل ملف الاستحقاق الرئاسي، وهو ما ظهر من خلال عدد من المعطيات:
أولاً: الموقف الذي أطلقه وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير من الرياض قبل أيام خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره السعودي سعود الفيصل، وبدا أن هذا الموقف منسق مع القادة السعوديين. وبرز في هذا السياق موقف الفيصل الذي وجه فيه اتهاماً مبطناً الى سوريا بتعطيل المبادرة العربية عندما طلب منها استخدام نفوذها لدى المعارضة، وهو ما ردت عليه المعارضة وأوساط سوريا بدعوة الرياض إلى ممارسة نفوذها على القوى التي "تمون" عليها في لبنان لتسهيل الحل، وخصوصاً تيار المستقبل.
ثانياً: الموقف الذي أطلقه البطريرك الماروني نصر الله بطرس صفير الذي أعلن فيه أن التدويل هو أبغض الحلال، ما يعني أن الترتيبات لهذا الأمر قد قطعت شوطاً طويلاً وباتت الرسائل المطلوب توجيهها إلى الأمم المتحدة من قبل فريق السلطة جاهزة، وهي تتضمن اتهام الرئيس نبيه بري بإغلاق البرلمان ودعوة مجلس الأمن لإصدار قرار جديد حول الاستحقاق الرئاسي يكون شبيهاً بالقرار 1559، كما أفادت العديد من الأوساط المتابعة.
ثالثاً: بدا أن موجة التفجيرات الأخيرة ومنها الانفجار الذي وقع يوم الثلاثاء الماضي في منطقة الكرنتينا يصب في سياق مساعي التدويل للاستحقاق الرئاسي بما يشبه ما كان يحصل من تفجيرات لإيصال ملف المحكمة إلى مجلس الأمن.
وكما كانت "الانتقاد" توقعت الأسبوع الماضي، فإن التعطيل الأميركي عبر فريق السلطة جعل المبادرة العربية التي حملها الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى خلال زيارته الأولى لبيروت "تترنح"، وهو ما جرى عندما عجز موسى عن أخذ موافقة فريق السلطة على حوار ثنائي بين رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب العماد ميشال عون ورئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري لحل الأزمة. وقد لجأ هذا الفريق إلى تغليف هذا التعطيل للمبادرة العربية بإملاء أميركي بغلاف الدعوة إلى طاولة حوار موسعة. ومعروف أن المحاولات السابقة على هذا الصعيد من جلسات "الحوار" إلى "التشاور" وما بعدها قد وصلت إلى طريق مسدود بفعل التعطيل المتكرر من قبل فريق السلطة، وأكثر من لمس هذا التعطيل هو رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي عانى الأمرين على هذا الصعيد. وهو عندما طرح عليه الأمين العام للجامعة العربية اقتراح فريق السلطة بإقامة طاولة حوار موسعة، بادره بأن هذا الأمر لا فائدة منه نتيجة التجارب السابقة. لكن بري استدرك أنه يمكن أن يحصل حوار من هذا النوع بحضور وزراء الخارجية العرب الخمسة الذين شاركوا في صياغة المبادرة العربية كي يكونوا شاهدين، وهو ما عمل موسى على متابعته خلال الأيام الخمسة التي فصلت بين زيارتيه الأولى والثانية إلى بيروت دون أن تتضح امكانية حصوله أو عدمه.
على أن فريق السلطة يواصل رفضه مبادرات الحل مراهناً على العديد من المعطيات التي يتوهم أنها يمكن أن تؤدي إلى كسبه المعركة خلال الأشهر الثلاثة المقبلة. وكان قد أشار إلى هذه الرهانات الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله خلال كلمة في المجلس العاشورائي المركزي في الرويس.
أولها: وعود بإنجاز تشكيل المحكمة الدولية بين شهري نيسان وأيار المقبلين، حيث ستستخدم كسيف سياسي من قبل الأميركيين ضد سوريا وعلى الساحة الداخلية، وهو ما وعد مسؤولون أميركيون هذا الفريق به، وتحديداً أحد صقور المحافظين الجدد في الإدارة الأميركية إليوت أبرامز عندما زار بيروت برفقة مساعد وزيرة الخارجية الأميركية ديفيد ولش. وهذا الرهان أشار اليه أيضاً وعلناً الرئيس الفرنسي نيقولا ساركوزي في القاهرة عندما لوّح لسوريا بملف المحكمة اذا لم تضغط على المعارضة في لبنان.
والخط الآخر الذي يعول عليه فريق السلطة هو أن يعاود العدو الصهيوني شن عدوان جديد على لبنان بحلول نيسان المقبل.
بالمقابل فإن المعارضة المتماسكة والمستعدة لمواجهة كل الاحتمالات بدت متجاوبة حتى النهاية مع المبادرة العربية، وطالبت بوضعها حيز التنفيذ من خلال الترجمة الواضحة للبند الثاني المتعلق بالحكومة على قاعدة المثالثة الوزارية (10+10+10). وأجمعت أطراف المعارضة على رفض أي تسوية لا تضمن المشاركة الحقيقية عبر المثالثة أو الثلث الضامن في أي حكومة، وهي أكدت أن الحل يكون بانتخاب الرئيس والتوصل إلى حل للحكومة الجديدة وقانون الانتخاب. ولفت المراقبين خلال الأيام الأخيرة تطور موقف المعارضة باتجاه جديد يتخطى ما هو مطروح اذا بقيت المراوحة على حالة من التعطيل. وفي هذا السياق برز الاقتراح الذي أعلن عنه الرئيس عمر كرامي لجهة الدعوة الى تشكيل حكومة انتقالية تكون مهمتها انجاز قانون انتخاب عادل وإجراء انتخابات نيابية مبكرة في غضون ستة أشهر من تشكيل الحكومة، والفائز في هذه الانتخابات يحكم البلد بتسليم من الفريق الخاسر. وهو ما عاد ولفت اليه أيضاً الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله عندما دعا إلى حكومة انتقالية تعمل لإجراء انتخابات مبكرة، وكذلك جدد الدعوة إلى هذا الخيار رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب العماد ميشال عون الذي دعا كذلك إلى تعديل الدستور لانتخاب رئيس الجمهورية من الشعب، وبالتالي فإن المعارضة يبدو أنها تتجه نحو هذا المستوى السياسي خلال المرحلة الجديدة بالتوازي مع استمرارها في التحضير لتحركات واسعة في السياق السلمي لمواجهة انقلاب فريق السلطة في حال وصلت جميع المبادرات إلى الطريق المسدود.
هلال السلمان
الانتقاد/ العدد1250ـ 18 كانون الثاني/ يناير 2008