ارشيف من : 2005-2008
توطين الفلسطينيين في لبنان مشروع أميركي ـ دولي متجدد لإسقاط حق العودة
فجّر الرئيس الأميركي جورج بوش قنبلة توطين اللاجئين الفلسطينيين من القدس المحتلة، وأكد وجود مشروع قديم ـ جديد ما زالت أطراف لبنانية تابعة تنكره، على الرغم من أن العناصر والمعطيات السياسية والميدانية تثبته يوماً بعد يوم. وأتى تصريح بوش بعد يومين على التحذير الذي أطلقه الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله من أن "مشروع توطين الفلسطينيين في لبنان جدّي جداً جداً، وهناك أدلة وقرائن على ذلك"، مشيراً إلى "جهود تبذل من أجل الانتهاء من الموضوع الفلسطيني".
التوطين مشروع أميركي ـ دولي
يعود مشروع توطين الفلسطينيين في البلدان التي يوجدون فيها إلى السنوات الأولى على احتلال فلسطين، إلا أنها المرة الأولى التي يتحدث فيها مسؤول دولي كبير على مستوى الرئيس الأميركي، عن تأمين تعويضات مالية للاجئين كحلّ في إطار رزمة الضمانات الأمنية الأميركية المتجددة للكيان الصهيوني. وكان بوش صريحاً بقوله: "أعتقد أنَّه علينا النظر في آليات دولية جديدة تشمل التعويضات لحل مشكلة اللاجئين".
وهذه الآليات الدولية التي أشار إليها بوش ليست سوى إحياء لمبادرات سابقة عملت الدوائر الأميركية والأوروبية على صياغتها في إطار العمل لإيجاد حلول لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية. ومن أهمها مشروع القانون الذي طرحته قبل سنوات عضو مجلس الكونغرس الأميركي عن ولاية فلوريدا "إليانا روس ليتنن"، والذي يدعو وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين الى توطين اللاجئين في أماكن وجودهم وفق جدول زمني محدد.
وتزامن ذلك مع اقتراح تلقته رئاسة البرلمان الأوروبي من النائبين الأوروبيين "اميلو مننديزدل فاللي" و"جانيس ساكيلاريو" تحت عنوان "السلام والكرامة في الشرق الأوسط"، وجاء فيه: "يسجل البرلمان الأوروبي ارتياحه للجهد المبذول من الدول المختلفة في المنطقة في دعمها للاجئين الفلسطينيين. وتدعو الدول المعنية إلى بذل كل إمكاناتها للاعتراف باكتساب الجنسية لمن يقيم فيها من اللاجئين الذين وجدوا فيها ملجأ إذا رغبوا في ذلك.. ومن ضمن ذلك الحالات الكثيرة لانتقال الجنسية عن طريق الأبوة، كما تطلب من سلطات الدول المعنية وضع حد للتمييز حيال اللاجئين الفلسطينيين، وهذا ما يسهّل اندماجهم". وترافق هذان المشروعان مع طرح مشروع "وثيقة جنيف" التي أعدها فلسطينيون وإسرائيليون كحل نهائي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي وتتضمن إسقاط "حق العودة".
حق العودة
أعطى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 الصادر بتاريخ 11 كانون الأول 1948، اللاجئين الفلسطينيين ثلاثة خيارات رئيسية، ولم ينص على التوطين بأي شكل أو معنى، بل أعطى اللاجئين الفلسطينيين الحق الطبيعي في العودة إلى مواطنهم الأصلية، ونص القرار على:
1 - العودة إلى الديار التي هجروا منها.
2 - البقاء في الدول المضيفة التي يعيشون فيها.
3 - المطالبة بإعادة توطينهم في بلد ثالث.
وبالتالي فإن التوطين يعني بشكل تلقائي إلغاء "حق العودة"، وهذا الأمر لا يتعلّق بالمسألة الاجتماعية أو الجغرافية بقدر ما يتصل بالمسألة السياسية، ما يعني التخلي عن مبدأ تحرير الأرض المحتلة وخيار المقاومة في هذا المجال، وهو مبدأ طالما قاتل من أجله الفلسطينيون منذ العام 1948، وشكّل عنوان القضية المركزية للعالم العربي والاسلامي.
تغيير المعادلة الديموغرافية
يهدف توطين الفلسطينيين إلى إرباك الساحة اللبنانية، وصولاً إلى إعادة صوغ معادلة تناحر داخلية بعناوين مذهبية، حيث يتوجّس المسيحيون من تأثير كبير للتوطين على المعادلة الديموغرافية، ويرون أن توطين نحو نصف مليون فلسطيني غالبيتهم العظمى من المسلمين السنة، سيؤدي إلى ضرب التوازن الطائفي في لبنان مع متعلقاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا الأمر قد يشكّل فتنة كبرى ومعبراً لحرب أهلية جديدة. ولعل هذا التطوّر يفيد بعض الأطراف في الداخل التي تروّج لنظام الفدرلة وإقامة كانتونات طائفية في لبنان، حيث يقوّي هذا الواقع المستجد أصحاب المشروع التقسيمي من باب المطالبة بكيانات بديلة للتعويض عن الخلل في التمثيل الطائفي.
المأساة المعيشية
لا يزال الفلسطينيون منذ أن تهجروا من قراهم وسكنوا المخيمات الموزعة في الأراضي اللبنانية حتى اليوم، يعانون من ظروف معيشية مأساوية، فهم لا يفتقدون أدنى مستويات الخدمات العامة فحسب، بل هم محرومون من حقوقهم المدنية التي تهدد ظروف استقرارهم الاجتماعي. فمن غير المسموح للفلسطيني في لبنان التملك والبناء الشرعي أو التوظيف أو الحصول على أذونات عمل أو ممارسة المهنة في إطار أي جسم نقابي.. ويدّعي البعض أن هذه التقديمات تشجع على التوطين وهو ما يخالف الحقيقة، بل على العكس من ذلك فإن المطلوب أن يبقى الفلسطيني في حال تشرذم وتشتت اجتماعي ومرتهنا لأعمال الإغاثة الدولية، ما يؤدي إلى بروز حالات انحراف نتيجة الشعور بالاضطهاد واستمرار الحرمان، وهو ما يسهم في صوغ صورة قاتمة عن الانسان الفلسطيني، ما يزيد في الضغوط النفسية التي تسهم في فرض مفاعيل التوطين.
نزع السلاح الفلسطيني
تعلو المطالبات المستمرة بنزع سلاح الفلسطينيين وإفراغ المخيّمات من القدرات المسلّحة، وقد يكون هذا الأمر في المبدأ محقاً من باب تمكين السلطات اللبنانية من فرض سلطتها وعدم السماح بوجود سلاح أو سلطة غير شرعية، وكذلك للحد من "الحرائق" المتنقلة والمفتعلة التي تنشب من وقت لآخر في المخيّمات الفلسطينية، والتي كان أكبرها معارك مخيم "نهر البارد" مع الجيش اللبناني، إلا أن هذه المطالبات في واقع الأمر تصب بشكل وبآخر في تكريس مشروع التوطين، بحيث تسقط أداة التحرير التي يتمسك بها الفلسطينيون، ولو في حدود الرمز، وتنتقل قضية التحرير إلى كواليس الدبلوماسية العقيمة، ولا يجد الفلسطينيون معها بداً سوى الرضوخ والاندماج في النسيج اللبناني والقبول بالوطن البديل.
الفلسطينيون يرفضون التوطين
أجرى مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات بتاريخ 20 أيار 2006 استطلاعاً للرأي بهدف التعرف إلى آراء اللاجئين الفلسطينيين في لبنان حول العودة والتوطين، واتضح من نتيجة الاستطلاع أن ما نسبته 98.3% من فلسطينيي لبنان لا يفكرون في التعويض والتوطين في لبنان والحصول على الجنسية اللبنانية، برغم أن معظمهم وُلد في لبنان.
كما أبرزت نتائج الاستطلاع أن الرغبة في العودة إلى القرية أو البلدة الأصلية أمر لا يقتصر على فئات المثقفين والناشطين الفلسطينيين، وإنما هو حالة شعبية عامة، ولم تنل حال الإحباط إلا من جزء بسيط منهم برغم الضغوط الطويلة والهائلة التي يتعرضون لها، وهو ما يبعث على الطمأنينة من أن مشاريع التوطين لن تجد طريقها إلى التطبيق في لبنان، ليس بفعل المواقف السياسية التي يحاول البعض الاختباء خلفها، بل بفعل إرادة الشعب الفلسطيني الذي ما زال قابضاً على مفتاح منزله، متأبطاً وثيقة ملكية لم تهترئ طوال سنوات التهجير والتشرد.
محمد الحسيني
الانتقاد/ العدد1250ـ 18 كانون الثاني/ يناير 2008